بقلم/ حسين إبراهيم – كاتب صحفي لبناني
رغم محاولات المعارضين للسعودية في أميركا، وخاصة في الإعلام، شدّ رُكبتَي الرئيس جو بايدن حتى لا «يطيح» أمام وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، في نزاعهما، إلا أن الشروط التي توافرت للأخير صارت تُرجّح كفّته على الأول.
وخاصة في ظلّ ازدياد الحديث عن استعداد أميركي لفتح حوار معه، ومع شريكه وليّ عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، قد يفضي إلى تلبية جزء من مطالبهما بإعادة صياغة العلاقات، ولا سيما في مجال الأمن، لتصبح أكثر إلزاماً للولايات المتحدة وشركائها الغربيين، مقابل العودة إلى الحظيرة الغربية.
اللافت أن العودة إلى التقاطع بين السعودية والإمارات على هدف ابتزاز الإدارة الأميركية، استتبعت هجوماً متجدّداً في البلدَين على قطر، الأمر الذي يفسّره التنافس بين الفريقين على الأولوية لدى الأميركيين.
وذلك بدوره يفسّره كون النظم في البلدان الثلاثة، كما في سائر دول «مجلس التعاون الخليجي»، ما زالت لا تعرف كيف تعيش وحدها، لكنها في المقابل تعرف فنون التآمر والتلاعب، وخاصة في فترات الطفرات النفطية، كالحاصلة حالياً، والتي تجعل الآخرين بحاجة إليها، وتعيد ملء خزائنها بالأموال.
ولذا، فهي تنظر إلى الأزمة الحالية التي يشهدها العالم، باعتبارها فرصة ذهبية لتحقيق هدف كهذا، وخاصة أنها أمضت عقداً كاملاً وصلت خلاله الاضطرابات إليها، ولم تنجّها منها إلّا الفوائض المالية التي كانت قد راكمتها من مبيعات النفط.
تعتقد السعودية ومعها الإمارات، وهما الأكثر تضرّراً في الخليج من إدارة بايدن، أن بالإمكان اغتنام الفرصة الحالية المتمثّلة بحرب أوكرانيا وارتفاع أسعار النفط، لفرض «مأسسة للضمانات الأمنية» الممنوحة لهما من قِبَل الولايات المتحدة، لتصبح ملزمة أكثر للأخيرة، بما يشمل مشاركتهما كمّاً أكبر من المعلومات الاستخبارية، وإجراء المزيد من التدريبات العسكرية المشتركة، ووقف الضغط على قيادتَي البلدين في ملفّ حقوق الإنسان.
بمعنى عدم ممانعة كلّ ما تفعلانه لسحق المعارضات الداخلية فيهما، وإعادة تفعيل صفقات الأسلحة وتقديم مزيد من الدعم العسكري والسياسي لتحالف العدوان على اليمن، وأخذ مصالحهما بالاعتبار أثناء التفاوض مع إيران على العودة إلى الاتفاق النووي.
وإذا كان هذا يعني عملياً أنه سيتعيّن على واشنطن التراجع عن الكثير من موجبات استراتيجيتها الجديدة التي طوّرتها منذ سنوات بهدف التخفّف من الانخراط في الشرق الأوسط مع كلّ ما له من أكلاف، والتخلّص من فضيحة دعم تلك الأنظمة ضدّ المعارضات الداخلية، ولا سيما أن حال حقوق الإنسان في السعودية والإمارات «تُسوّد الوجه».
إلا أن الأخيرتَين تستندان إلى الوضع الصعب الذي وصلت إليه الإدارة، لانتزاع أقصى قدر من التنازلات، مع أن لديهما نقاط ضعف كثيرة، بعضها أوردته صحيفة «واشنطن بوست» في افتتاحيتها قبل أيام، والتي دعت فيها بايدن لعدم تقديم تنازلات لابن سلمان، واصفةً استخفاف الأخير بالرئيس الأميركي في تصريحاته إلى مجلة «ذي أتلانتيك» بـ«الغطرسة المثيرة للاشمئزاز»، ومُوجِّهة إليه سؤالاً عمّا إذا كانت الصين أو روسيا اللتين يلوّح بالتحالف معهما، ستكونان مستعدّتَين لإرسال طائراتهما للدفاع عن السعودية كما فعلت الولايات المتحدة في عام 1991؟
مع ذلك، ثمّة سؤال مقابل، هو هل ستقوم الولايات المتحدة، حتى لو استجابت قيادتا السعودية والإمارات لها ورفعتا إنتاج النفط، بإرسال طائراتها مرّة أخرى للدفاع عنهما إذا ما تعرّضتا لتهديد داخلي أو خارجي؟
يبدو أنه صارت لبايدن أولويات أخرى بعد حرب أوكرانيا، بحيث صار مستعدّاً لتقديم تنازلات إلى دول الخليج، هي بدأت أصلاً، وشملت حتى الآن إعادة إرسال بطّاريات «باتريوت» إلى المملكة، مع تصعيد الدعم اللفظي للعدوان على اليمن، لكن الإشارة الأبرز إلى التنازل تمثّلت في ما أوردته صحيفة «فايننشال تايمز»، بشأن وصف الأميركيين التقارير الصحافية عن رفض بن سلمان وبن زايد تلقّي اتصالات من بايدن، بأنها «غير دقيقة».
إذ نقلت عن مسؤول «يعرف تفكير الإدارة» قوله إن «أحداً لم يطلب هذا. فليس هناك حوار نشط. ولو جاء السعوديون إلى الإدارة وقالوا إن المكالمة التي أجراها بايدن مع الملك سلمان (في التاسع من شباط) يجب أن تجري مع ولي العهد وليس الملك، لكُنّا أجريناها مع ولي العهد».
لن يكون سهلاً على الأميركيين هدم ما بنوه خلال سنوات طويلة، والعودة إلى ماضي العلاقات مع دول الخليج، ولا سيما أنها لم تتغيّر إلا بفعل تطوّرات هائلة مِن مِثل هجمات 11 أيلول التي خلقت رأياً عاماً أميركياً معادياً للسعودية، يقابله رأي عام سعودي هو في الأساس كاره للأميركيين، بحيث إن أيّ رئيس أميركي صار يحتاج إلى جهد لإقناع شعبه بأن فائدة العلاقات بالرياض أكبر من ضررها، حتى لو كان شخصاً مثل دونالد ترامب الذي بالكاد استطاع إنقاذ «مؤخّرة» بن سلمان في جريمة قتل جمال خاشقجي، على حدّ تعبيره.
كما سيتطلّب الأمر عودة نشطة إلى دعم ممالك الخليج في قمع شعوبها، ما سيزيد فضحها عالمياً، على رغم أن هذا هو الجزء الأسهل على الإدارة الأميركية، أو على «سُعاة الخير» بينها وبين بن سلمان، من أمثال رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون.
على أيّ حال، لم تتوصّل المفاوضات، سواء المباشرة مع المسؤولين السعوديين، أو غير المباشرة عبر موفدين كجونسون وماكرون، حتى الآن إلى اتفاق ملموس، لكن حتى لو حدث ذلك، فسيكون اتفاق ضرورة في انتظار أن يأتي ما يجبّه.
والحقائق الجديدة في العلاقات بين أميركا والسعودية لن تختفي، وستظلّ تمثّل هاجساً يؤرّق السعودية، في وقت يزداد فيه إغراء دول كروسيا والصين بوصفهما وجهة مفضّلة للفارّين من التحالفات الصعبة مع أميركا.