MBS metoo

استثمارات السعودية في الشركات الأمريكية.. مقامرة اقتصادية أم مغازلة سياسية؟

بالتزامن مع إجراءات تقشف وصفت بـ”المؤلمة”، أنهت السعودية عدة صفقات لشراء حصص أقلية في شركات أمريكية كبرى، بقيمة تتجاوز 2.5 مليار دولار.

وتثير الخطوة السعودية تساؤلات حول مغزى التوقيت، وأسباب الإقدام على تلك الخطوة من قبل صندوق الثروة السيادي للمملكة.

وبلغ إجمالي قيمة استثمارات صندوق الاستثمارات العامة (الصندوق السيادي للمملكة العربية السعودية) في الأسواق الأمريكية، حتى نهاية مارس/آذار الماضي،  9.8 مليار دولار.

 

حصص سعودية

وفق بيانات هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، فإن الحصص المشتراة تضمنت حصة في شركة “بوينج” بقيمة 713.7 مليون دولار، وحصة في “سيتي جروب” بقيمة 522 مليون دولار.

كذلك شملت عملية الشراء، حصة في “فيسبوك” بقيمة 522 مليون دولار، وحصة قيمتها 495.8 مليون دولار في “ديزني”، وأخرى في “بنك أوف أمريكا” بقيمة 487.6 مليون دولار.

وأظهر الإفصاح الأمريكي، امتلاك الصندوق السيادي السعودي حصة بقيمة 514 مليون دولار في “ماريوت”، وحصة في شركة “بي.بي” النفطية تقدر قيمتها بنحو 827.7 مليون دولار.

وفي أبريل/نيسان الماضي، كشف الصندوق السعودي عن امتلاك حصة تبلغ 8.2% في شركة “كارنيفال كورب” المشغلة للسفن السياحية، والتي تراجع سعرها بنسبة 75%.

وأظهرت بيانات سعودية، امتلاك الصندوق حصة بقيمة 483.6 مليون دولار في “شل” الإنجليزية الهولندية، وأخرى في “توتال” الفرنسية بقيمة 222.3 مليون دولار، وحصة في “سنكور إنرجي” الكندية بقيمة 481 مليونا، وحصة بـ200 مليون دولار في شركة النفط الحكومية النرويجية “Equinor”، وحصة غير معلنة القيمة في عملاق النفط الإيطالي “إيني”.

وتقدر “بلومبرج” الأمريكية قيمة الحصص التي اشتراها صندوق الاستثمارات العامة السعودي في شركات نفط أوروبية بقيمة مليار دولار.

ويملك الصندوق بالفعل حصصا بقيمة ملياري دولار في “أوبر تكنولوجيز” وشركة “لوسيد موتورز” للعربات الكهربائية.

 

أرباح مستقبلية

وكما تشير البيانات الاقتصادية، فإن الكثير من أسهم الشركات التي استثمرت فيه المملكة مؤخرا تشهد انخفاضا ملحوظا مع استمرار أزمة وباء “كورونا”، وفقدان الملايين من فرص العمل في السوق الأمريكية.

وترغب المملكة في استغلال فرصة انخفاض قيمة الأسهم لزيادة حصيلتها الاستثمارية، في وقت يشهد فيه قطاع النفط انتكاسا بسبب انهيار الطلب على الطاقة.

وخلال مايو/أيار الجاري، بلغ حجم الانخفاض في سهم “بوينج” مستوى قياسيا من 369 دولارا، قبل أشهر، إلى  133 دولارا للسهم في الوقت الحالي.

ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، انخفض سهم “بنك أوف أمريكا” من 32 دولارا إلى 22 دولارا، وسهم “ديزني” من 147 دولارا إلى  116 دولارا.

ويغري ذلك الانخفاض، صانع القرار السعودي، باستغلال الفرصة، وشراء حصص في شركات عملاقة تعاني خسائر فادحة، بسبب وباء “كورونا”، على أمل جني أرباح مستقبلا بعد تعافي العالم من أزمة الوباء.

ويرى مدير الصندوق السعودي “ياسر الرميان”، أن فرصا إستثمارية عديدة ستنشأ فور انقضاء أزمة “كورونا”، مشيرا في تصريحات صحفية إلى ترقب الصندوق فرصا للاستثمار في مجالات مثل الطيران والنفط والغاز والترفيه.

ويتوقع الخبير المالي الروسي، “فيتشيسلاف أبراموف”، أن تحصد السعودية مكافآت جيدة من قيمة أسهم شركات النفط والغاز التي اشترتها مؤخرا، بحسب “سبوتنيك”.

 

مكاسب سياسية

وإلى جانب المكاسب الاقتصادية المنتظرة من شراء حصص في شركات تعاني ركودا، تسعى الرياض لتحقيق جملة من الأهداف السياسية عبر اقتناء حصص في شركات عملاقة.

ووفق دبلوماسي أمريكي متقاعد، لم يكشف هويته، فإن ضخ ملايين الدولارات في الاقتصاد الأمريكي، تحركه السياسة وليس المكاسب المالية فقط، بحسب “الجزيرة نت”.

وتحاول الرياض، مغازلة الإدارة الأمريكية، وتحسين صورتها في الدوائر السياسية، عبر انتشال شركات عملاقة من أزمة ركود عالمي قد تطول، وبالتالي سحب فتيل غضب إدارة الرئيس “دونالد ترامب” من انهيار أسعار النفط، جراء حرب الإغراق بين السعودية وروسيا.

وتفيد بيانات وزارة الخزانة الأمريكية بانخفاض قيمة الاستثمارات السعودية في السندات الأمريكية لتصل إلى 159 مليار دولار مقابل 184.4 مليار في نهاية فبراير/شباط الماضي.

ولا تعد الخطوة السعودية جديدة من نوعها، ففي الأزمة المالية عام 2008، اشترى الملياردير السعودي، الأمير “الوليد بن طلال”، حصة كبيرة في “سيتي بنك”، من أجل إنقاذ البنك الأمريكي العريق من الانهيار.

 

تحديات وأخطاء

يدير صندوق الاستثمارات العامة السعودي، أصولا حول العالم بأكثر من 300 مليار دولار.

ويعمل الصندوق، على تمويل العديد من الاستثمارات والمشروعات كجزء من “رؤية 2030″، التي تسعى لتنويع مصادر الدخل وتحرير المملكة من اعتمادها على النفط، وعلى رأس هذه المشروعات مدينة “نيوم” بقيمة 500 مليار دولار.

ويأمل ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” أن يحقق مشروعه الطموح نقلة اقتصادية وثقافية للمملكة، عبر تحويل البلاد إلى وجهة سياحية عالمية ومنفتحة على غرار مدينة دبي الإماراتية.

وتعاني المملكة، انهيارا في أسعار النفط نتيجة تراجع الطلب العالمي بسبب توقف حركة السفر والنقل، تزامنا مع تراجع الإيرادات غير النفطية، وزيادة نفقات مواجهة وباء “كورونا”.

وعلى الرغم من الآمال المعقودة على الصندوق في تشكيل ملامح الاقتصاد السعودي خلال العقد المقبل، فإن خبراء ألمانا يشككون في قدرة الصندوق السعودي على إدارة استثمارات ضخمة، خاصة في شركات تكنولوجيا المستقبل.

ويدلل الخبراء على ذلك بإقدام السعودية على بيع أسهمها في شركة “تسلا” الأمريكية والتي تقدر بـ8 ملايين سهم، فبراير/شباط الماضي، معتبرين أن الصندوق السيادي السعودي بدا كمن يكب المياه في الرمال، بحسب توصيف “بلومبرج” الأمريكية.

وارتفع سعر سهم عملاق صناعة السيارات الكهربائية من 221 دولارا للسهم الواحد إلى 887 دولار، في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، لكنه عاد إلى التراجع إلى 735 دولارا.

تبقى استثمارات صندوق الثروة السيادي السعودي في الشركات الأمريكية مناورة سياسية في المقام الأول لكسب الحلفاء، ومقامرة اقتصادية محفوفة بالمخاطر، وستكون لغة الأرباح هي من ستحدد إذا كان الصندوق السعودي سوف يستمر في تنويع محفظته الاستثمارية أم أن الخسائر سوف تجبره على التوقف.

Exit mobile version