شنت السلطات السعودية خلال الأيام الماضية حملة اعتقالات، طالت كتابا وصحافيين ومدونين، بينهم سيدتان.
وكان لافتا أن هذه الحملة، التي عرفت باسم “اعتقالات نوفمبر”، كان جميع ضحاياها مبتعدين بشكل كامل عن الحديث في الشأن السياسي.
والمثير في الاعتقالات، بحسب ناشطين، أنها استهدفت أشخاصا لم يكتفوا بالتوقف عن الحديث في السياسة، بل حذفوا جميع حساباتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي منذ سنوات، على غرار الصحفي بدر الراشد، والصحفية زانة الشهري.
ولفت ناشطون إلى أن من العوامل المشتركة بين المعتقلين الجدد، تعاطفهم سابقا مع “معتقلي الرأي”، ودعمهم للقضية الفلسطينية وثورات الربيع العربي.
وكانت زانة الشهري تعمل كصحفية ومترجمة في عدة مواقع، وانتقدت دعم بلادها للانقلاب العسكري في مصر، فيما أثنى الراشد على ثورات الربيع العربي، قبل أن يلغيا أي تواجد لهما في مواقع التواصل بعد حملات القمع التي استهدفت أكاديميين ودعاة، التي لاحت بوادرها منذ بداية العام 2016.
ومن المعتقلين أيضا، المدون سليمان الناصر، الذي يركز في تغريداته على الحديث في الثقافة واللغة، مع اهتماماته في الترجمة والفلسفة، بعيدا عن أي حديث سياسي، ما عدا إعادته نشر فيديوهات عن ضحايا قصف النظام السوري، وأخرى عن الاحتجاجات في العراق، علما أن له مواقف رافضة للتطبيع مع إسرائيل.
أحد المعتقلين، وهو المدون عبد المجيد سعود البلوي، ابتعد بشكل كبير عن الحديث في الشأن السياسي، وصبّ تركيزه على النشاطات الاقتصادية في السعودية وخارجها، وأظهر حسابه اهتماما بالثورة التكنلوجية، وكان لافتا إطراؤه الكبير على دور محمد بن سلمان في نزع صلة السعودية بالإرهاب لدى المجتمعات الغربية.
ويقول البلوي في إحدى تغريداته العام الماضي، إن مشاريع رؤية 2030 “لعبت دورا في توزيع اهتمام الإعلام الغربي المتعطش للكتابة عن السعودية إلى مواضيع جديدة، كانت بالنسبة لهم أكثر من مثيرة”، مثل طرح أرامكو للاكتتاب، وخصخصة النفط، ومشروع نيوم، وغيرها. كما أثنى البلوي على مبادرة “مسك” التي يمتلكها ابن سلمان ويديرها مدير مكتبه بدر العساكر، قائلا إنها بمثابة “القوة الناعمة التي قدمت صورة جديدة مختلفة للعمل الخيري السعودي، في محاولة لتفكيك الصورة السلبية، والتي ساهم في تشكلها عوامل عديدة على مدى سنوات”.
ولم يشفع لعبد المجيد سعود البلوي تأييده لمشروع ابن سلمان، إذ إنه كان من معارضي الانقلاب العسكري في مصر، وتضامن مع المعتقلين السياسيين في الإمارات عام 2012، وهو ما يفسره ناشطون بأنه سبب اعتقاله، بأثر رجعي بعد سنوات.
ويقول مراقبون إن حملة الاعتقالات الجديدة التي تأتي في ظل حضور ابن سلمان في بعض فعاليات “موسم الرياض”، تأتي تأكيدا للاتهامات الموجهة إلى محمد بن سلمان بأنه يقوم بمحاسبة الجميع على ماضيهم، حتى إن كان ذلك الماضي يتوافق مع المزاج العام حينه.
سياسة قديمة
تقول المعارضة السعودية، حصة الماضي، إن السلطة في المملكة قمعية منذ نشأتها، وعلى تعاقب ملوكها، وإنه “منذ تولى محمد بن سلمان زمام أمور الوطن، وعد بالإصلاح، ومحاربة الفساد، وحل جميع المشاكل، لكن ما حصل على أرض الواقع عكس ذلك”.
وتابعت الماضي: “ازداد الفساد والقمع والاستبداد وحرمان حرية الرأي وتكميم الأفواه، في عهد ابن سلمان”، مشيرة إلى أن “الاعتقال التعسفي طال جميع فئات المجتمع وأطيافه”، إضافة إلى “المحاكمات غير العادلة، والقتل خارج نطاق القضاء”.
وفسّرت حصة الماضي، المقيمة في السويد، “اعتقالات نوفمبر” بأنها رغبة من ابن سلمان في السيطرة عبر النزعة “الإجرامية” التي يتحلى بها.
وتابعت: “هذه النزعة تجعل صاحبها يقمع كل من يخالفه الرأي أو ينتقد سياسته، أو لأنه سبق أن طالب بإصلاح، ولو كان قديما، أو لم يمجد رؤيته”.
وختمت بالقول إن “المستغرب من هذه السلطة، أنها تظهر للعالم أنها منفتحة، بينما تنتهك حقوق الإنسان بشدة”.
مخاطرة بالبلد
المعارض المقيم في لندن، يحيى عسيري، قال إن حملة الاعتقالات الجديدة تأتي ضمن التصعيد المستمر من قبل النظام، الذي يذهب في البلد والمنطقة نحو مخاطرة، دون التعلم من الأخطاء.
وأوضح عسيري، الذي أسس منظمة “القسط” الحقوقية في لندن، أن استمرار الاعتقالات والانتهاكات يأتي تزامنا مع بقاء أبرز القضايا عالقة (معتقلي الرأي، عدم التحقيق في التعذيب، عدم إيقاف حرب اليمن، عدم حل أزمات المملكة الإقليمية والعالمية)”.
ولفت عسيري إلى أن الحل يكمن في مواصلة الضغط على السلطات السعودية بشكل مكثف، على حد قوله.
ونوه ناشطون إلى أن أحد المعتقلين، المدون فؤاد الفرحان، يعدّ من مؤسسي المنصة التعليمية “رواق”، التي يوجد بداخلها قسم خاص بالتعريف في رؤية ولي العهد محمد بن سلمان 2030.
الفرحان أحد أوائل المدونين السعوديين في موقع “تويتر” منذ نحو 13 عاما، كان من المتضامنين مع المعتقلين السياسيين، ما كلفه الاعتقال لنحو 5 شهور في العام 2007.
وبعد اعتقاله، شنت حسابات موالية للحكومة هجوما على الفرحان “الصامت” والمبتعد عن الشأن السياسي، إذ نشروا تغريدات قديمة له تعود إلى العام 2012 ينتقد فيها سياسات الحكومة، كما قالوا إن صلته بالاقتصادي المعتقل عصام الزامل كان هدفها الإضرار بمصلحة الوطن، على حد زعمهم.
والمعتقلون العشرة هم: “فؤاد الفرحان، مصعب فؤاد العبد الكريم، عبد المجيد سعود البلوي، زانة الشهري، مها الرفيدي، عبد الرحمن الشهري، وعد المحيا، سليمان الناصر، عبد العزيز الحيص، بدر الراشد”.
يذكر أن السلطات السعودية شنت حملة اعتقالات في نيسان/ أبريل الماضي، استهدفت مدونين بينهم امرأة، قريبون من التيار القومي، رغم عزوفهم عن إظهار أفكارهم منذ تولي ابن سلمان ولاية العهد منتصف العام 2017.
كما شنت السلطات منتصف العام الماضي حملة استهدفت ناشطات نسويات، أبرزهن لجين الهذلول ونوف عبد العزيز وأخريات، أفرج عن بعضهن بشكل مؤقت، وهي الحملة التي سبقها في أيلول/ سبتمبر 2017 اعتقالات طالت العشرات من الدعاة والكتاب والمثقفين المحسوبين على التيار الإسلامي.
يشار إلى أن منظمة العفو الدولية، أصدرت بيانا حول “اعتقالات نوفمبر”، قائلة إنها تتابع تلك الأنباء بقلق شديد.
وطالبت المنظمة من السلطات السعودية الإفراج الفوري عن المعتقلين، لافتة إلى أنها تمنعهم من توكيل محامين، أو التواصل مع أسرهم.