MBS metoo

اعتقالات نوفمبر.. موجة قمع جديدة لـ”ابن سلمان” لتكميم أفواه معارضيه

رغم محاولاتها الدؤوبة لتلميع وتبييض صورتها إقليمياً ودولياً فإن السعودية في عهد ولي العهد الشاب، محمد بن سلمان، تواصل سياستها القائمة على تكميم الأفواه وملاحقة المعارضين والنشطاء واعتقال كل من وجدت فيه بذور الاعتراض على النهج الحالي الذي تسلكه المملكة.

محطات كثيرة مرت بها السعودية منذ صعود “بن سلمان” إلى منصب ولاية العهد، لكي يكون الرجل الثاني في المملكة وحاكمها الفعلي؛ في ظل تقدم عمر والده الملك سلمان، لكن أغلبها رسم صورة سوداوية وعزز من الأقاويل التي تتهم السلطات الحالية بتحويل البلاد إلى “دولة بوليسية قمعية”.

“الذباب الإلكتروني” الذي روّج على نطاق واسع مصطلحات على غرار “السعودية الجديدة” و”السعودية العظمى” في عهد بن سلمان، فشل فشلاً ذريعاً في التغطية على ممارسات المملكة؛ بل وجد نفسه محصوراً في زاوية الدفاع غير قادر على مواجهة جملة الاتهامات التي تلاحق النظام السعودي، وتكشف بوضوح “وجهه القمعي والاستبدادي”، وفق ناشطين.

 

اعتقالات نوفمبر

وفي هذا الإطار كشف حساب مهتم بشؤون المعتقلين السعوديين، الاثنين (25 نوفمبر 2019)، عن شن السلطات في المملكة حملة اعتقالات واسعة في أوساط الأكاديميين والمفكرين والناشطين والصحفيين على مواقع التواصل الاجتماعي، أطلق عليها وسم “#اعتقالات_نوفمبر”.

وقال حساب “معتقلي الرأي”، في تغريدات نشرها على “تويتر”، إن السلطات شنت خلال الساعات الـ48 الماضية حملة اعتقالات تعسفية جديدة استهدفت عدداً من الأكاديميين والمغردين، ومن بين المعتقلين نساء، حيث وصل العدد إلى نحو 10 أشخاص.

وشملت الاعتقالات الأكاديمي والمدون فؤاد الفرحان، المؤسس والمدير التنفيذي لمنصة “رواق”؛ بسبب نشاطه الثقافي ومواقفه الفكرية، كما يقول “معتقلي الرأي”.

كما قال مصدر بمنظمة “القسط” الحقوقية السعودية، التي تتخذ من لندن مقراً لها، إن رجال شرطة يرتدون ملابس مدنية اعتقلوا هؤلاء المثقفين من بيوتهم في العاصمة الرياض ومدينة جدة الساحلية المطلة على البحر الأحمر، الأسبوع الماضي، لكن لم يتضح سبب الاعتقالات.

 

من المستهدف؟

يقول عبد الله، نجل الشيخ سلمان العودة المعتقل في السعودية، إن اعتقالات نوفمبر تؤكد أن ما سماها عمليات القمع والاعتقال “ليس لها منطق ولا نمط”، مشيراً إلى أن المستهدف قد يكون من رواد الأعمال أو المثقفين المستقلين أو الأكاديميين أو حتى من مؤيدي رؤية “2030” أو جزء من مشروعها.

واتهم “العودة” أن كل حملة اعتقالات جديدة تؤكد أن مصدر البلاء والمشكلة هو “من يدير تلك الملفات منذ سبتمبر 2017″، واصفاً من يظن أن سلوك القمع مرتبط بمرحلة أو مرتبط بشخصيات ثانوية أو بملابسات معينة بأنه “واهم”.

وعدّ نجل العودة “اعتقالات نوفمبر” الموجة السادسة من حملات الاعتقالات التي طالت نخبة المجتمع ومثقفيه، مشيراً إلى أن البداية كانت باعتقالات سبتمبر 2017، وشملت والده، واستهدفت أيضاً علماء ومفكرين ودعاة بارزين وأكاديميين وناشطين وناشطات حقوقيات، وكانت الكبرى في ذلك الوقت.

وبعد شهر واحد عرف السلك القضائي ملاحقة من النظام الحاكم، وشملت الاعتقالات ستة قضاة من المحكمة الجزائية المتخصصة، وقضاة آخرين وموظفين في وزارة العدل.

وفي نوفمبر من العام ذاته، عرفت المملكة حملة اعتقالات شملت أمراء من الأسرة الحاكمة ووزراء حاليين وسابقين ورجال أعمال نافذين، فيما عرف باعتقالات فندق “الريتز كارلتون”، وزعم النظام أنها كانت تستهدف القضاء على الفاسدين واسترداد أموال منهوبة وإعادتها إلى خزينة الدولة.

أما الموجة الرابعة من الاعتقالات فقد لاحقت “الجنس اللطيف”، في مايو 2018، حيث كانت الناشطة والمدافعة عن حقوق النساء لجين الهذلول على رأس قائمة الناشطات اللواتي زج بهن في السجون.

وكانت مصادر حقوقية سعودية قد كشف لـ”الخليج أونلاين” أن السلطات اعتقلت عدداً غير معلوم من النساء، بعضهن يحتجزن مع أطفالهن في سجون لا تحترم أبسط مقومات حقوق الإنسان.

وفي المحطة قبل الأخيرة، شنت سلطات السعودية اعتقالات 2019، التي شملت 8 أشخاص، وكانت الأولى منذ قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده على يد فريق اغتيال تابع للمخابرات السعودية، في أكتوبر 2018.

 

اعتقالات بأثر “رجعي”

بدوره وصف الناشط الحقوقي والمعارض السعودي، عمر بن عبد العزيز، الموجود في كندا، اعتقالات نوفمبر بأنها تمت “بأثر رجعي”، مؤكداً أن الموجة الأخيرة استهدفت شباباً تركوا الانشغال بالسياسة منذ سنين، وبعضهم انخرط في الترويج لـ”رؤية 2030”.

وأطلق المعارض السعودي، الملاحق من نظام “بن سلمان”، تحذيراً لكل من له سوابق في العمل الحقوقي أو السياسي، أو كان داعماً ومتحمساً لثورات الربيع العربي، أو من لديه علاقاته مع أحد المعتقلين الحاليين، مطالباً إياهم بالخروج من البلاد في حال كانوا قادرين على ذلك، وعدم الارتهان لفكرة أنهم في منأى عن الاعتقال.

حملة الاعتقالات الأخيرة كانت لشباب تركوا الانشغال بالسياسة منذ سنين وبعضهم انخرط مكرها في ( التطبيل ) لرؤية ٢٠٣٠ ، ورغم هذا فالحكومة السعودية ماضية في تجفيف الساحة من أي مفكر أو مبدع أو مؤثر له ميول إصلاحية حتى لو انشغل بغير هذا الشأن ، سيرجعون لإرشيفه ليمنع من السفر أو يعتقل=

وضرب “عبد العزيز” مثالاً بالقبض على فؤاد الفرحان في اعتقالات نوفمبر، رغم أن منصته “رواق” التعليمية، التي تعد إحدى أقوى المنصات بالشرق الأوسط، كانت داعمة لرؤية بن سلمان، إلا أن تركه الانشغال بالسياسة منذ سنوات لم يشفع له وكان مصيره السجن.

بدورها رأت صحيفة “بلومبيرغ” الأمريكية أن أغلبية المشمولين بموجة الاعتقالات الجديدة في السعودية كانوا ناشطين على مواقع التدوين والتواصل الاجتماعي خلال فترة الربيع العربي في 2011.

وأوضحت أن أغلب المعتقلين في الموجة الأخيرة في السعودية توقفوا عن الكتابة عن الشأن المحلي منذ سنوات، أو أنشؤوا شركاتهم الخاصة، أو انضموا للحكومة، لافتة إلى أن الحملة التي تشنها المملكة على المنتقدين المحليين “لا تتراجع مع تقدم المسؤولين إلى الأمام بخطة بن سلمان لإصلاح الاقتصاد الذي يعتمد على النفط وتخفيف القيود الاجتماعية”.

وأثارت الحملة التي شملت 10 أشخاص، استياء وغضب مغردين سعوديين؛ من أمثال المفكر مهنا الحبيل، والمعارض سعد الفقيه، عبروا عن آرائهم تحت وسم “اعتقالات نوفمبر”.

 

انتهاكات ممنهجة

وتتحدث منظمات حقوقية دولية وناشطون عن انتهاكات كبيرة يتعرض لها المئات من المعتقلين لدى سلطات المملكة، التي زجت بمئات العلماء والنشطاء والحقوقيين في غياهب السجون؛ بسبب تعبيرهم عن آرائهم ومعارضة ما تشهده السعودية من تغييرات.

وتمت الاعتقالات، وفقاً لمنظمات حقوقية، من دون أمر قضائي أو مذكرة إلقاء القبض، وهي طريقة تشبه عمليات الاختطاف، ويمنع المعتقل من التواصل مع ذويه أو توكيل محامٍ لمتابعة قضيته.

وينتهك الإهمال الصحي لمعتقلي الرأي في السعودية نظام الإجراءات الجزائية، وجميع المواثيق الحقوقية الدولية التي تكفل حقوق المعتقل وتضمن له رعاية صحية تامة.

وتقول مصادر سعودية إن السلطات تتحفظ على معظم “معتقلي سبتمبر” في أماكن مجهولة وشقق خاصة تابعة لجهاز أمن الدولة الذي أنشأه بن سلمان ليدير حملات الاعتقال ضد مناوئيه، لكن عدداً منهم يقبعون في سجني الحاير في مدينة الرياض، وذهبان في مدينة جدة، وهما أشهر سجنين سياسيين في البلاد.

كما تقول ذات المصادر، بحسب تقارير غربية، إن عدداً من المعتقلين قد تعرضوا للتعذيب الجسدي بالصعق والضرب والتعليق ساعات من الأذرع والسحل بساحات السجن، فضلاً عن التحرش بالمعتقلات والتهديد باغتصابهن.

وبين فترة وأخرى تعلو أصوات ومطالبات حقوقية للكشف عن مصير المعتقلين في السجون السعودية وتوفير العدالة لهم، أو على الأقل إخضاعهم لمحاكمة تتوفر فيها أبسط شروط العدالة والنزاهة واحترام حقوق السجناء.

وتحظر السعودية الاحتجاجات العامة والتجمعات السياسية والاتحادات العمالية، كما أن وسائل الإعلام تخضع لقيود، ومن الممكن أن يقود انتقاد الأسرة الحاكمة صاحبه إلى السجن.

 

ماذا تريد المملكة؟

ويرى مراقبون أن تحرّكات بن سلمان المستمرة هدفت إلى القضاء على النشاط الدعوي والحقوقي في البلاد بهدف تعزيز قبضته الأمنية، لتيسير تسويق رؤيته الجديدة القائمة على الانفتاح المفرط والمخالفة لعادات المجتمع المحافظ وثقافته، فيما بات يُعرف في الأوساط المحلية والإعلاميه بأنه “ترفيه بالإكراه”.

وتعزّز المحاكمات السريّة التي أجرتها السلطات السعودية لعدد من المعتقلين، على غرار الشيخ العودة الذي طالبت النيابة العامة بقتله “تعزيراً”، الشكوك حول نيّة بن سلمان إعدام عدد من المعتقلين، تمهيداً لتنصيب نفسه حاكماً جديداً للبلاد.

Exit mobile version