يسيطر واقع الفشل الحكومي المزمن في مواجهة تعاظم التحديات في التعامل مع ملف الأمن الغذائي في السعودية وتقييم التدابير المتخذة.
ومع استمرار وتيرة الحرب الاوكرانية الروسية والتي يبدو أنها لن تنتهي قريبًا تعاظمت تأثيراتها على عدة قطاعات، وأهمها الطاقة والغذاء، حيث ينتج البلدان حوالي ثلث كمية القمح العالمية.
وجاء قرار حظر الهند تصدير الأرز (سوى للدول الفقيرة والنامية) ليزيد المخاوف العالمية، فيما أدى تغيّر المناخ لتباطؤ نمو الإنتاج الغذاء العالمي بنحو 21% على مدى 6 عقود.
وتوقّعت وزارة الزراعة الأمريكية انخفاض إنتاج القمح هذا العام ليصل أدنى مستوياته منذ 4 أعوام بفعل عوامل عدة أهمها حرب أوكرانيا.
فيما حذّر البنك الدولي من أكبر ارتفاع مفاجئ في أسعار السلع منذ نصف قرن.
ويرتبط مفهوم الأمن الغذائي بقدرة المواطن للحصول على احتياجاته الغذائية الأساسية بسعر معقول بعيدًا عن تقلّبات الأسعار وتأثيراتها، ويرتبط ذلك بقدرة الدولة على توفير هذه المنتجات وتأمين خزين استراتيجي ومصادر إنتاج وتوريد تواجه المتغيّرات العالمية والتأثيرات الاقتصادية.
وفيما حقّقت المملكة أمنها الغذائي في بعض السلع كالبطاطس والتمور والبيض والحليب، إلا أن التحدي الأكبر يتمثّل في أهم منتجين: القمح والأرز، والتي تعتمد على الاستيراد في تأمينهما.
حيث تُعد المملكة ثاني أكبر المُنفقين على استيراد الأرز بـ 1.45 مليار دولار بحسب إحصائيات مركز التجارة الدولي لعام 2020.
وعلى الرغم من التصريحات الرسمية بأن الأمن الغذائي للمملكة بمنأى عن الخطر، إلا أن هذه التصريحات غير دقيقة تمامًا.
فدول مجلس التعاون، ومنها السعودية، تستورد ما يقارب من 85% من غذائها، بحسب علياء الحسيني، كبيرة الزملاء في equity research في arkham capital.
ورغم تصدّر اقتصاد المملكة عربيًا، إلا أنها احتلت المركز الأخير خليجيًا في مؤشر الأمن الغذائي وفقًا لبيانات مؤشر الأمن الغذائي العالمي لعام 2021، التابع لـ “إيكونوميست إمباكت” حيث تصدرت قطر والكويت والإمارات وعُمان والبحرين درجات المؤشر، فيما تذيّلت المملكة الترتيب الخليجي.
وحذّر ساشا ماراشليان، المدير العام لشركة Image FMCG، الموزع الدولي لأسواق الخليج من تزايد التحديات، متوقّعًا ارتفاع أسعار المواد الغذائية في دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 17 -20 % في الأشهر الثمانية عشر المقبلة.
ويؤكّد ذلك استمرار التضخم في المملكة للشهر الـ 28 تواليًا.
بالنسبة للقمح، اعتمدت المملكة عبر عقود على عدة استراتيجيات لتأمينه.
ففي ثمانينات القرن الماضي، حققت المملكة بعد 3 سنوات فقط من بداية حكم الملك فهد الاكتفاء الذاتي في إنتاج القمح وبدأت بالتصدير بعد 4 سنوات، لتصبح ثاني أكبر منتج للقمح العربي بعد مصر بأربعة ملايين طن.
بعدها تم تقليص المساحات المزروعة للحفاظ على مخزون المياه الجوفية، ولم يتم اعتماد مياه البحر المحلاة للري، على الرغم من أن كلفة الزراعة الداخلية أقل بـ 9.9% من كلفة الاستيراد، حسب منتدى الرياض الاقتصادي الذي نشرت نتائجه جريدة الرياض في أبريل 2012، ليتم اللجوء للاستيراد مجددًا.
وقد أدى انعدام الأمن الغذائي المتزايد في المملكة لشراء أو استئجار أراضي في بلدان فقيرة كأثيوبيا و السودان.
ورغم تحقيق بعض النتائج، فإن معهد quake لا يرى هذه نجاح هذه الاستراتيجية بالكامل، وأنها لم تُقلّل كثيرًا من الاعتماد على الواردات، بفعل انهيار العديد من المشاريع.
ولم تفلح هذه الاستراتيجيات في التقليل من الاعتماد على الاستيراد، حيث تستورد المملكة معظم قمحها من دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا الشمالية، فيما تحتل المرتبة الثانية كأكبر مستوردي الأرز في المنطقة بعد إيران (والسادسة عالميًا) بـ 1.45 مليار دولار.
في المقابل، يجب أن يتحمل المواطن السعودي جزءً من مسؤولية الأمن الغذائي.
فبحسب تقرير وزارة البيئة والمياه والزراعة فإن المملكة تحتل المرتبة الأولى عالميًا في هدر الغذاء، بحوالي 49 مليار ريال سنويًا، وبحدود 250 كغم من الطعام المهدر سنويًا للفرد، فيما يبلغ المعدل العالمي 115 كغم فقط.
ويعد الأمن الغذائي أولوية قصوى لأي دولة، ومع أن المملكة تعتمد على اقتصادها القوي لتأمين احتياجاتها، لكنها تتأثر بأسعار النفط والمحاصيل العامة والأزمات والحروب، ولذا فان الاعتماد على الاستيراد لتأمين الغذاء وعدم السعي لحل المشكلة سيبقيها تحت رحمة السوق العالمية والتقلبات السياسية.