يتعرض الفلسطينيون المقيمون داخل أراضي المملكة العربية السعودية منذ عدة أسابيع لحملات اعتقال وتهديد وملاحقة هي الأكبر والأخطر التي تنفذها قوات الأمن السعودية بصورة سرية، ودون أي تدخلات أو تحركات تذكر من قبل السفارة الفلسطينية في الرياض.
وحتى هذه اللحظة تتوارد الأنباء من المملكة عن أن عدد الفلسطينيين الذين اعتقلوا ووضعوا داخل السجون تجاوز الـ30 معتقلاً، بينهم طلبة ومقيمون وأكاديميون ورجال أعمال، في حين تواصلت حملات التهديد بمنع العشرات منهم من مغادرة السعودية، إضافة إلى حملات فصل من العمل وتهديد بسحب الإقامات والترحيل.
عائلات فلسطينية أكدت أن أبناءها المقيمين داخل الأراضي السعودية، وتحديداً في منطقتي الرياض ومكة المكرمة، قد تعرضوا قبل أيام لاستجوابات “مُهينة” من قبل قوات الأمن، وجرى تهديدهم ومنعهم حتى من مغادرة الأراضي السعودية.
تفاصيل الحملة
بعض المنازل الفلسطينية تعرضت للاقتحام والتفتيش العنيف من قبل قوات الأمن السعودية، واعتقِل عدد من أفرادها واقتيدوا لجهة مجهولة، دون معرفة مصيرهم حتى هذه اللحظة، ودون أي توضيح يصدر عن السفارة الفلسطينية أو حتى الجهات الأمنية الرسمية في الرياض، بحسب المصادر.
“نضال حميدة”، وهو من أقارب “أبو فادي” أحد الفلسطينيين المقيمين في السعودية الذين اعتقلتهم قوات الأمن في الرياض، بتاريخ 5 أبريل الجاري، يقول إن “أبو فادي اعتقِل من قبل قوات الأمن السعودية بعد التحقيق معه داخل أحد المقار الأمنية في الرياض”.
ويضيف: “أبو فادي يعمل كموظف في إحدى الشركات السعودية منذ ما يقارب ثلاث سنوات، وسجله أبيض وخالٍ من أي شوائب، ويقيم برفقه عائلته بشكل قانوني، لكن في الفترة الأخيرة تعرض للكثير من المضايقات من قبل قوات الأمن السعودية، فيما يتعلق بالحصول على الإقامة وطبيعة العمل، وحتى توجهاته السياسية”.
ويوضح أن “أبو فادي” توجه إلى أحد المقار الأمنية لمتابعة بعض المعاملات الرسمية التي تخص ملف إقامته وتجديدها، إلا أنه فوجئ بالتحقيق “المذل” له، واقتياده بعد ساعات طويلة من التحقيق والانتظار لجهة مجهولة.
وأشار إلى أن العائلة لم تبقَ صامتة حول هذه الحادثة، وتُجري اتصالات مكثفة مع العديد من الأطراف السعودية والفلسطينية المعنية لمعرفة مصير ابنها، لكن حتى اللحظة دون أي جدوى.
وذكر أن “أبو فادي” ليس وحده من الجالية الفلسطينية في السعودية الذي تعرض للتحقيق أو الملاحقة والاعتقال ضمن هذه الحملة “المسعورة”، فهناك أكثر من 30 فلسطينياً تعرضوا للاعتقال والتحقيق معهم ومنعهم من مغادرة السعودية، ومن بينهم رجال أعمال وأكاديميون ومهنيون.
لماذا يُعتقَل الفلسطينيون؟
وبسؤال عن دوافع التحقيق مع “أبو فادي” والأسئلة التي وجهها له الأمن السعودي خلال التحقيق، أوضح أن جميعها كانت متعلقة بتوجهه السياسي وقطاع غزة، وطرق تواصله مع أهله، وعيشه في السعودية وعلاقاته بأبناء الجالية.
“حميدة” حمّل السفارة الفلسطينية في الرياض المسؤولية الكاملة عما يتعرض له أبناء الجالية داخل أراضي المملكة، مؤكداً انها مطالبة بالتحقيق الفوري في حوادث التحقيق والاعتقال السرية التي تنفذ بشكل متصاعد وخطير بحق الفلسطينيين المقيمين هناك.
مصادر فلسطينية أخرى أكدت أن حملة الاعتقالات والملاحقات السعودية لأبناء الجالية الفلسطينية رُصدت منذ أكثر من 9 أشهر، ولكنها تصاعدت بشكل لافت ومقلق خلال الأسابيع الأخيرة.
وأوضحت أن العشرات من الفلسطينيين ممن يحملون الإقامة، سواء للعمل أو الدراسة أو السياحة، قد تعرضوا للتحقيق والملاحقة، وكذلك المنع من السفر، وذلك دون إبداء أي أسباب واضحة ومنطقية من قبل الجهات الأمنية، مشيرةً إلى أن إدخال قطاع غزة والمقاومة والتوجهات السياسية في التحقيقات مع أبناء الجالية “أمر خطير، وينذر بتوتر في العلاقات بين السعودية والفلسطينيين”.
وحاولنا التواصل مع السفارة الفلسطينية في السعودية، لتوضيح أسباب الحملة ودوافعها ومصير المعتقلين الفلسطينين، إلا أنه تعذر ذلك.
وكان الأكاديمي السعودي المقيم في الخارج، سعيد بن ناصر الغامدي، تحدث عن شن سلطات بلاده حملة اعتقالات واسعة ضد مقيمين فلسطينيين.
وقال الغامدي في تغريدة عبر “تويتر”: “في المملكة حملة اعتقالات جديدة وواسعة لأعداد من الفلسطينيين، ومنع سفر آخرين منهم، وتجميد حساباتهم، ومصادرة مؤسساتهم”.
وبحسب الغامدي فإن “التهمة هي التعاطف مع المقاومة في فلسطين، واهتمامهم بالقدس وغزة، وتأييد حماس”، لافتاً إلى أن “الاعتقالات تطال مواطنين كان الفلسطينيون على كفالتهم، أو يعملون في مؤسساتهم”.
وكانت رئاسة أمن الدولة أعلنت، في مطلع مارس، عن اعتقال 50 شخصاً على قضايا أمنية، بينهم 30 مواطناً، وستة فلسطينيين، وثلاثة أردنيين.
ولم يصدر حتى اللحظة عن الجانب الأردني والفلسطيني أي رد على إعلان السعودية اعتقال مجموعة من مواطنيهم.
وتضع السعودية حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على قوائمها للإرهاب، حيث تندرج تحت “جماعة الإخوان المسلمين” المحظورة في المملكة، وتعتبر أي تعاطف أو تأييد للجماعة مخالفة يعاقب عليها القانون.
ويقول محللون إن وصف “حماس” كمنظمة إرهابية في المملكة يقع في صلب تطبيقات “صفقة القرن” الأمريكية الإسرائيلية عبر مدخل “الإرهاب”.