MBS metoo

بانتظار الإعلان الرسمي.. تطبيع السعودية والكيان الصهيوني بدأ فعليًا

القرار السعودي مدروس.. فقد بدأت المملكة عملية تطبيع تدريجية معنا، وآمل أن يتم الانتهاء من التطبيع الكامل في غضون أسابيع قليلة”، بهذه الكلمات تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق “بنيامين نتنياهو”، لافتا إلى أن “اتفاقيات أبراهام” للتطبيع مع دول خليجية لم تكن لتتم دون موافقة السعودية.

جاء ذلك في حديث “نتنياهو”، مع شبكة “سي إن إن” الإخبارية الأمريكية، والذي قال فيه إن التطبيع مع السعودية، سيكون هدفه الرئيسي الدبلوماسي، إذا تم إعادة انتخابه رئيسا للوزراء.

ولا توجد علاقات دبلوماسية أو تجارية “رسمية” بين السعودية وإسرائيل، على الرغم من أنه يُعتقد أن لديهما روابط أمنية ودفاعية تستند إلى مخاوفهما المشتركة بشأن طموحات إيران الإقليمية.

ويعود تعاون القادة السعوديين مع الإسرائيليين إلى عقود مضت، وبقيت في السر لسنوات طويلة، بينما بدأت تتطور علناً في عهد الملك “سلمان بن عبدالعزيز”.

ففي فبراير/شباط 2014، شارك رئيس المخابرات السعودية السابق الأمير “تركي الفيصل” في مؤتمر ميونخ الأمني ​​إلى جانب وزيرة العدل الإسرائيلية السابقة “تسيبي ليفني”.

كما حضر “الفيصل” لقاءً آخر مع رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية السابق “عاموس يادلين” الذي دعاه لزيارة القدس والصلاة في المسجد الأقصى ومخاطبة الشعب الإسرائيلي في الكنيست.

 

خطوات حديثة

ومؤخرا تزايدت التقارير والمؤشرات حول استعداد السعودية للدخول إلى حظيرة التطبيع مع دولة الاحتلال، بعد الزيارة التي أجراها الرئيس الأمريكي “جو بايدن” إلى المملكة منتصف العام الجاري، والتقى خلالها ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان”، الذي أشارت تقارير أخرى سابقة إلى أنه لا يمانع من التطبيع مع دولة الاحتلال، لكن وجود والده الملك “سلمان بن عبدالعزيز” هو العقبة الأبرز في هذا الطريق.

ويرى مراقبون أن خطوة السعودية لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ستمنح بشكل فعال معظم الدول العربية والإسلامية الأخرى الضوء الأخضر لتحذو حذوها.

ولعل أبرز المؤشرات على التقارب السعودي الإسرائيلي، هو ظهور “نتنياهو” على قناة سعودية تديرها الدولة، وذهاب أمريكي إسرائيلي يقول إنه “الحاخام الأكبر في السعودية” إلى المملكة بتأشيرة سياحية، وقيام عائلة سعودية بارزة بالاستثمار في شركتين إسرائيليتين.

وبخلاف ذلك، وافقت المملكة على تخفيف قيود الطيران على مجالها الجوي لشركات الطيران التجارية، التي تسافر من تل أبيب وإليها، في خطوة اعتبرها رئيس الوزراء الإسرائيلي “يائير لابيد” الخطوة الرسمية الأولى نحو التطبيع مع الرياض.

فيما كشفت تقارير صحفية غربية، وجود اتصالات أمنية بين الرياض وتل أبيب.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي “بيني جانتس”، في 2020، إنه زار سراً جميع الدول العربية، بما في ذلك الجزائر، التي قالت باستمرار إنها لن تتعامل مع الإسرائيليين.

ولسنوات عديدة، قاد الأمين العام السابق لمجلس الأمن القومي السعودي الأمير “بندر بن سلطان” جهودًا لإقامة علاقات سرية مع إسرائيل، بالتنسيق مع رئيس الموساد الإسرائيلي في ذلك الوقت “شبتاي شافيت”.

ونقلت تقارير عن مصادر إسرائيلية، أن أرفع تواصل من هذا النوع، كان زيارة “نتنياهو” للمملكة للقاء “بن سلمان”، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، لكن الخارجية السعودية سارعت بالطبع إلى نفي وقوع ذلك اللقاء.

 

إشارات سعودية

في المقابل، صدرت عن المملكة إشارات واضحة عن انفتاحها على التقارب مع إسرائيل، ففي مارس/آذار الماضي، قال “بن سلمان”، خلال مقابلة مع مجلة “أتلانتيك” الأمريكية، إن المملكة لا تنظر إلى إسرائيل كـ”عدو”، وأنما كـ”حليف محتمل” في العديد من المصالح المشتركة.

وظهر ذلك في عدم إبداء السعودية أية معارضة، حين قررت حليفتها الإمارات تطبيع العلاقات مع إسرائيل، كأول دولة خليجية وثالث دولة عربية تقوم بهذه الخطوة في سبتمبر/أيلول 2020، قبل أن يطبع المغرب والبحرين علاقاتهما أيضا، ويسير السودان على النهج نفسه.

وقال وزير الخارجية السعودي حينها، إن الرياض ترحب بأي تطور من شأنه أن يوقف ضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، بعد أن قال الإماراتيون إن الاتفاق يعالج هذه القضية، رغم نفي إسرائيل ذلك.

كما رحبت الصحافة السعودية بالاتفاق معتبرة أنه قد يحمل آفاقا إيجابية بالنسبة للقضية الفلسطينية.

وعلى مدى سنوات، أقامت السعودية وإسرائيل علاقات اقتصادية عبر أطراف ثالثة لنقل المنتجات الزراعية والتكنولوجية الإسرائيلية إلى سوق المملكة عبر الضفة الغربية والأردن وقبرص.

ولاحقا، تعاونت السعودية وإسرائيل على الجبهة الأمنية، عبر شركة “NSO” الإسرائيلية للتكنولوجيا لتزويد السعودية ببرنامج التجسس “بيجاسوس”.

وفي يناير/كانون الثاني 2020، أرسلت السعودية رجل الدين “محمد العيسى” إلى بولندا لحضور احتفالات ذكرى المحرقة اليهودية، واستقبلت أشخاصًا يحملون جوازات سفر إسرائيلية للمشاركة في سباق سيارات “رالي داكار” في يناير/كانون الثاني 2021.

كما استقبلت في يونيو/حزيران الماضي، المبعوث الخاص لرصد ومكافحة معاداة السامية بوزارة الخارجية الأمريكية السفيرة “ديبورا ليبستادت”، التي صرحت بأن السعودية تغيرت، ولم تعد تتبنى خطاب كراهية اليهود كما كان في السابق.

بالتوازي، شهدت المناهج الدراسية السعودية تغييرات واسعة شملت إزالة محتويات دينية لا تتماشى مع دعوات الوئام والمودة حيال أتباع الأديان المخالفة للإسلام بخاصة اليهود.

ورصد أحدث تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية عن حقوق الإنسان في السعودية، أن الخطاب الديني المعادي لإسرائيل أصبح “مهجورًا ونادرًا ما يحدث”.

وفي مارس/ آذار 2022، كشفت تقارير إعلامية غربية عن جهود لإنشاء خط إنترنت يربط المملكة بإسرائيل ضمن مشروع “بلو رامان” الذي يربط فرنسا بالهند بكابلين بحريين، ويتجنب المرور بالمياه المصرية، وتشرف عليه شركتا “جوجل” و”تليكوم إيتاليا”.

كما من المتوقع أن تعتمد عليه مدينة نيوم السعودية بعد اكتمال المشروع بعد عامين.

وصرح وزير الاتصالات الإسرائيلي “يوعز هندل”، بأن المشروع سيربط بلدانًا كانت تعد معادية لبعضها حتى وقت قريب.

وبالحديث عن “نيوم”، فقد اعتبر تقرير نشره “معهد دول الخليج العربية في واشنطن”، أن مشروع السعودي سيكون بوابة لشراكات إقليمية، قد يكون أبرزها مع إسرائيل، يمكن أن تدعم تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب بنهاية المطاف.

ومؤخرا، كشف النقاب عن برنامج استطلاعي أمريكي في مياه الشرق الأوسط، عبر شبكة من المسيرات البحرية غير المأهولة، بالتعاون مع إسرائيل والسعودية ودول أخرى؛ بهدف مراقبة نشاط الجيش الإيراني بالمنطقة.

ويعد البرنامج، جزءا من علاقة تعاونية مزدهرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج في أعقاب “اتفاقيات إبراهام”، لتوحيد إسرائيل وجيرانها في الخليج لإنشاء شبكة دفاع جوي إقليمية.

كما تحدثت تقارير إعلامية عديدة عن خطة أمريكية لبناء تحالف دفاعي ضد إيران يضم إسرائيل ودول الخليج ومصر والأردن والعراق، لكن هذا الخطة لم تتمخض إلى الآن سوى عن اجتماع شرم الشيخ، الذي ضم عددًا من العسكريين من الولايات المتحدة وإسرائيل ومصر وعددًا من البلدان العربية من بينها السعودية غالبًا.

ولم يتم الاتفاق فيه على أكثر من تشكيل وحدات إنذار مبكر ضد الهجمات الجوية من الاتجاه الإيراني.

كما كشف “جاريد كوشنر” صهر الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” وكبير مساعديه، قبل أسابيع، أن السعودية سمحت لمشروعه الاستثماري الجديد وهو شركة “Affinity Partners” باستثمار أموالها في شركات إسرائيلية.

وجاءت إفادة “كوشنر” ردا على سؤال عما إذا كان استمرار العلاقة الشخصية الجيدة بينه وبين “بن سلمان”، هي ما حققت لشركته صفقة الحصول على 2 مليار دولار من صندوق الثروة السيادي السعودي الحكومي.

وتمثل تلك الخطوة أول حالة معلنة يتم فيها توجيه أموال صندوق الاستثمارات العامة السعودي إلى إسرائيل، رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية بينهما، ما قد يساهم في إرساء أسس لاتفاق تطبيع بين البلدين.

كما ذكرت “أكسيوس”، قبل أشهر، أن اتفاقا سعوديا إسرائيليا مصريا، يتيح حرية الملاحة في مضيق تيران وصنافير للسفن الإسرائيلية، بعد نقل ملكية الجزيرتين للمملكة.

وكانت مشاركة رجال أعمال إسرائيليين بمنتدى “مبادرة مستقبل الاستثمار” الذي استضافته السعودية قبل أيام، “إشارة واضحة” على “العلاقات التجارية المزدهرة والقبول المتزايد بإسرائيل في المملكة”، رغم غياب التطبيع الرسمي.

 

خريطة طريق

ومع استعراض كل هذه التطورات، قال موقع “أكسيوس”، إن إدارة “بايدن” تعمل على وضع “خريطة طريق” لتطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب.

فيما ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن إسرائيل والسعودية تبحثان، عبر الولايات المتحدة، مسائل اقتصادية وسياسية.

ترى “ياسمين فاروق” من مؤسسة “كارنيجي” للسلام الدولي، أن العلاقة السعودية مع إسرائيل ستوفر “قبولا” لدى الغرب.

وتقول إن الأمر “سيفتح لولي العهد أبوابا في تقبل الشعوب والبرلمانات الغربية للسعودية، وتمنح السعودية دورا أكبر.. سيحدث تغييرا وإن كان شكليا في صورة السعودية”، خصوصا أنه يرى بلاده “كقوة عالمية” وليس فقط إسلامية أو عربية.

في المقابل، ترى المحللة أن “إسرائيل تريد (التطبيع) لأنه لن يفتح لها باب السعودية فقط لكن كافة الدول (العربية والإسلامية) التي تحتفظ بنقاشات خفية بالفعل مع إسرائيل ولا تجرؤ على اتخاذ هذه الخطوة”.

ولا تبدو الرياض على عجلة من أمرها للتطبيع مع إسرائيل، وإن كانت لا تجد إحراجا في الانفتاح عليها.

فكلما أثير هذا الموضوع يردد السعوديون أن هذا الحديث سابق لأوانه وأن التطبيع مرتبط بشرط التوصل إلى حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية.

ويعزى هذا الموقف لكون السعودية دولة رائدة في العالم الإسلامي تدافع عن القضية الفلسطينية، وبالتالي تخشى من أن يؤدي أي تقارب رسمي وعلني مع إسرائيل دون حل القضية الفلسطينية إلى ردود فعل وانتقادات من الرأي العام العربي والإسلامي المناهض لاسرائيل، بما في ذلك الداخل السعودي.

وتحافظ المملكة على موقف معلن مفاده أن حلًا للقضية الفلسطينية شرط لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، طبقًا لمبادرة السلام العربية التي طرحتها الرياض سابقًا وتم إقرارها بالإجماع خلال قمة جامعة الدول العربية التي عقدت في بيروت عام 2002.

لكن هذا الموقف المجمل لا يمنع المملكة من أن تخطو بعض الخطوات أو تُقدم على بعض أشكال التعامل مع تل أبيب في بعض الأحيان، وهذا أمر يخضع لحسابات الربح والخسارة، فالرياض تحسب حساباتها، ولا تريد أن تُقدم على خطوة كُلفتها أكبر من منافعها.

كما تتنافس السعودية على النفوذ في العالم الإسلامي مع تركيا وإيران، وتعتقد أن اتفاق سلام مع إسرائيل سيضعف نفوذها من هذا المنظور.

ويتزايد التسامح الشعبي مع التطبيع في السعودية، لكن من المتوقع أن تستغرق العملية بعض الوقت حيث ينتظر كلا الطرفين ظهور ظروف أكثر ملاءمة.

 

عدو مشترك

بينما تشير تقارير إلى أن “للبلدين عدوا مشتركا وهو إيران”، وأن “السعودية تريد التعويل بشكل أكبر على تحالف مع إسرائيل ضد إيران خصوصا، مع رفض البلدين انخراط واشنطن في محاولة إحياء الاتفاق النووي والذي يعتبرانه يهدد أمنيهما”.

وتنظر البلدان للمسألة “من زاوية عدو عدوي.. صديقي”.

وأمام ذلك، حذرت إيران من ذلك، في أكثر من مناسبة، كان آخرها على لسان القائد العام للحرس الثوري “حسين سلامي”، حين قال إنه على زعماء السعودية، التوقف عن “الاعتماد” على إسرائيل، وقال: “لقد اعتمدتم على إسرائيل التي تنهار وهذه عاقبة ما قمتم به”.

من جانبه، يقول السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل “دان شابيرو”، الذي يعمل حاليا باحثا في مركز “أتلانتيك كاونسل”، إنه يتوقع وضع “خريطة طريق” نحو التطبيع بين السعودية وإسرائيل.

فيما يرى المحلل “كريستيان أولريتشسن” من معهد “جيمس بيكر” بجامعة “رايس” الأمريكية، أن التطبيع بمعنى إقامة علاقات دبلوماسية وسياسية بين السعودية وإسرائيل “مرجح فقط عندما يصبح محمد بن سلمان ملكا”.

ورجح استمرار “النهج الحالي للتطبيع، أي فكرة أن السعودية وإسرائيل ليستا دولتين متعاديتين ولكن لديهما مصالح إقليمية وجيوسياسية محددة”.

الأمر ذاته، توقعه مركز “بحوث الأمن القومي” التابع لجامعة “تل أبيب” العبرية، في تقديره الاستراتيجي الذي أعده “يوئيل غوجنسكي”، في أغسطس/آب الماضي، حين قال قالت إن “التطبيع مع إسرائيل سيكون بعد وفاة الملك سلمان، وفي نفس الوقت، مقدر بأن موقف بن سلمان سيتأثر بفهمه لمعنى التقرب من إسرائيل على الشرعية الداخلية لتعيينه”.

ووفق الدراسة، فإن “المجتمع السعودي احتوى خطوات تغيير اجتماعية واقتصادية، ومع ذلك، لا يستخلص من هذا أن التطبيع معها سيحظى بدعم كهذا، كما أن الرأي العام بقي في معظمه ضد التطبيع مع إسرائيل”.

وتضيف: “يعارض التطبيع نحو 80% من الشعب السعودي، ومع هذا، يقدر أنه بقدر ما يشعر بن سلمان بأن بوسعه التحكم بالخطاب الجماهيري، ستزداد ثقته في اتخاذ الخطوات للتقرب من إسرائيل”.

ولم تستبعد الدراسة العبرية أن “تدفع الرياض بعلاقاتها مع تل أبيب قدما دون صلة مباشرة بالتقدم في القضية الإسرائيلية الفلسطينية، بالنسبة للمقابل الذي تحصل عليه من الولايات المتحدة”.

وتضيف: “إذا قدرت القيادة السعودية بأن التقرب من إسرائيل سيساعدها على توثيق العلاقات مع الولايات المتحدة، فإنها كفيلة بأن تسير خطوة أخرى نحو تل أبيب”.

عموما، فإن المصالح الأمنية والاقتصادية للبلدين أصبحت على المحك، وقد أقر “بن سلمان” علنًا بحق إسرائيل في الوجود، وهاجم القيادة الفلسطينية متهما إياها بالفساد وسوء الإدارة وتفويت فرص صنع السلام ونكران الجميل للمساعدات المالية السخية التي تقدمها الرياض.

Exit mobile version