استئناف مفاوضات إحياء الاتفاق النووي الإيراني، أول أمس الثلاثاء، في العاصمة القطرية الدوحة واقتراب موعد زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى المنطقة، وضعا إدارته أمام تحدّي تأمين الشروط اللازمة لإنجاح عمليتي “تعويم متزامن” للاتفاق النووي ولعلاقات واشنطن مع الرياض.
الصعوبة في المهمة أن كلا شقيها متصل بالآخر ومؤثر فيه. تحقيق أي منهما يُفترض أن ينطوي على عوامل متنافرة مع الثاني. فهل يقوى بايدن على تحقيق توازن يكفل التغلب على هذا التنافر، وبما يؤدي إلى تمرير التعويمين في آن؟
وتشير مداولات واشنطن المتصلة بالملفين إلى أن السباق في الأسبوعين القادمين سيكون على أشده، بين السعي للعودة إلى الاتفاق النووي وبين محاولة إدارة بايدن ترميم التصدع في العلاقات مع السعودية.
في الأول، جرى التوقف عند توقيت ومدلولات ثلاثة مستجدات وتطورات:
أولا زيارة منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إلى طهران قبل أيام والعودة على أثرها إلى طاولة المفاوضات.
ثانيا، الخطاب الإيراني الذي أعقب الزيارة.
ثالثاً تحركات الأوساط والدوائر الأميركية المؤيدة للعودة إلى الاتفاق النووي الموقع عام 2015، والذي انسحب منه الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، ثلاثة أعوام بعد ذلك.
كلام بوريل عمّا لمسه من “نوايا حسنة لدى الجانبين”، جرت قراءته من ضمن سياق التعبيرات والخطوات التي أعقبته، ومنها استئناف المفاوضات غير المباشرة بين واشنطن وطهران ولفترة يومين. وكأن في الأمر عجلة تضمر رغبة إيرانية، وربما ضمنا أميركية، في استباق زيارة الرئيس إلى المنطقة بالتوصل إلى توافق على العودة إلى صيغة 2015.
صبّ في هذا التفسير ما صدر عن وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، من إشارات “مشجعة” رغم التحفظ الذي تفرضه السوابق، باتجاه “كسر مأزق محادثات فيينا”، والتقدم نحو اتفاق نهائي “صار في متناول اليد”، كما قال عبد اللهيان ولو أنه ربط ذلك بتوفر “الإرادة لدى الجميع”، خاصة وأنه شدد على أن “إيران قررت” بلوغ هذا الهدف لتمكينها من حصد “الفوائد الاقتصادية” بالعودة إلى الاتفاق.
واكب ذلك تحرك يؤكد على وجوب تجاوز البيت الأبيض لحساباته السياسية المحلية والتحلي “بالشجاعة والمزايا القيادية لإنقاذ الاتفاق وعدم تركه يموت”، كما جاء في الكتاب الذي رفعته إلى الرئيس بايدن 12 منظمة أميركية من ضمنها منظمة “جي ستريت”، اللوبي اليهودي الأميركي الجديد المؤيد لحل الدولتين.
ويبدو من التوقيت أن هذا النداء يأتي لشد أزر الإدارة الساعية والراغبة في مثل هذا التوجه الذي “يخدم مصلحة الولايات المتحدة طالما أنه يرمي في نهاية المطاف إلى منع وصول إيران إلى السلاح النووي”، كما ردد أكثر من مرة المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس.
يضاف إلى هذه المبادرة بعض الأصوات في الكونغرس التي حثت بايدن على وجوب تجاوز عوائق، مثل “شطب اسم الحرس الثوري من لائحة الإرهاب” لضمان العودة إلى الاتفاق، على حد تعبير السناتور الديمقراطي كريس مورفي الذي يقف مع آخرين ضد غالبية من الحزبين تمانع ليس فقط الرجوع إلى الاتفاق، بل أيضا إلى المفاوضات.
وبذلك، فالساحة منقسمة وبما يضمن للإدارة هامشا من التأييد يمكنها الاستناد إليه لو مضت نحو الاتفاق، خاصة وأن الاهتمام الخارجي في اللحظة الراهنة محصور تقريبا في الحرب الروسية على أوكرانيا وتداعياتها النسبية على الساحة الداخلية المتمثلة في التضخم وجنون الأسعار.
على المقلب الثاني، يتزايد الحث والدعم للرئيس بايدن وقراره زيارة السعودية منتصف يوليو/ تموز القادم، خصوصا في صفوف الجمهوريين والمحافظين، مقابل اعتراضات وأحيانا “توبيخات” وانتقادات قاسية بل ناقمة من جانب القوى الليبرالية، وفي بعض الإعلام وأوساط أهل الخبرة والرأي والمتابعين لموضوع العلاقات الأميركية – السعودية.
الجدل قسم الساحة بين “مع” و”ضدّ”، والإدارة الأميركية تلعب ورقة “الواقعية” وتسويقها لدى الرأي العام المكتوي بنار أسعار الطاقة، ولو أنها تقول إن حوافز الزيارة لا تقتصر على ملف الطاقة، بل تتعداه إلى مسائل أخرى متعددة من بينها، وربما من أبرزها، توسيع إطار “السلام واتفاقات التطبيع” في المنطقة.
التعامل مع السعودية كطرف “منبوذ سياسة غير منطقية.. وبالتالي تأتي الزيارة كتصحيح طال انتظاره”، يقول المحافظ والمسؤول السابق في قسم مراقبة تمويل الإرهاب بوزارة المالية، جوناثان شانزر. وقيل كلام من هذا النوع في أكثر من مجال وعلى أكثر من صعيد وبما يوفر دعما لحيثية الإدارة بشأن الزيارة، في الظرف الراهن وتحدياته وتداعياته.
الآن، المسرح صار جاهزا للزيارة وللمفاوضات. هل يفلح بايدن في عبور الاختبارين بنجاح أو على الأقل بدون فشل كبير يضاعف خسائره؟ والأهم، هل يذهب إلى السعودية وبيده اتفاق إيراني يستقوي به، أم يحسم في المفاوضات مع إيران وبيده توافق جديد صلب مع السعودية؟ كثير من المؤشرات سيتوالى في هذا الاتجاه أو ذاك، خلال الأيام القليلة القادمة.