على غرار لقاء الرئيس المصري الأسبق أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيغن في كامب ديفد عام 1978، والذي شهد مصافحة “تاريخية” بين الطرفين، كشفت وسائل إعلام أمريكية عن لقاء مرتقب ومصافحة منتظرة بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو.
التقارير الإعلامية أشارت إلى أن الغرض من الحدث إظهار ابن سلمان كقائد “صانع للسلام” في المنطقة على غرار السادات الذي نال حينها جائزة نوبل.
رحلة غامضة
الشهر الماضي، أثارت رحلة إسرائيلية جوية غامضة للخليج الكثير من التساؤلات وسط تقديرات بأن الطائرة قد تكون أقلت نتنياهو إلى السعودية، ورغم ذلك لم يصدر أي تعليق رسمي إسرائيلي أو سعودي.
تلك الرحلة كشفها الصحفي في جريدة “هآرتس” الإسرائيلية، آفي شارف، من خلال تطبيق (flightradar) يمكن تنزيله على الهواتف الذكية، والذي أشار إلى: أن الطائرة تقع بملكية خاصة دون أن يوضح لمن، ومسجلة في أمريكا.
التطبيق أوضح: أن الطائرة الخاصة (N556US) من طراز (شالنجر 604) غادرت مطار بن غوريون الدولي، 23 أكتوبر/تشرين أول الماضي، قرب مدينة تل أبيب، إلى مطار في العاصمة الأردنية عمّان، وتوقفت لمدة دقيقتين، قبل أن تقلع إلى مطار في العاصمة السعودية، الرياض قم عادت إلى مطار بن غوريون بعد توقف في المملكة قرابة الساعة.
“اتفاق تاريخي”
قبل أيام كشفت قناة 12 الإسرائيلية: أن تل أبيب ودول الخليج العربي متجهتان إلى توقيع اتفاق بعدم خوض حروب ثنائية بينهم، مع تعاون اقتصادي وأمني، تمهيدا للتطبيع الكامل بين الجانبين، وسط ترحيب أمريكي.
القناة أكدت: أن هذه المبادرة أشرف عليها وزير الخارجية الإسرائيلية يسرائيل كاتس، الذي كشف في تغريدة بتويتر، أكتوبر/تشرين أول الماضي: أنه يعمل على خطة للتوقيع على “اتفاق تاريخي” لعدم الاعتداء مع دول الخليج، متعهدا بمواصلة العمل من أجل تقوية مكانة إسرائيل في المنطقة وحول العالم.
سبق إعلان إسرائيل عن تلك المبادرة تمهيد من كل الأطراف الداخلية والخارجية، على مدار الأعوام السابقة اتسمت بالإعداد الممنهج الذي يضمن التطبيع الكامل مع كيان الاحتلال.
من أبرز التصريحات التي فضحت مخططات إسرائيل المدعومة بتحركات أمريكية ما قاله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال زيارته لتل أبيب في مايو/آيار 2017، عقب زيارته للرياض: “السلام ممكن والملك سلمان بن عبدالعزيز ملك السعودية وعده بالمساعدة”.
إثر ذلك، قال نتنياهو: إنه يحلم باليوم الذي يتمكن فيه رئيس الحكومة الإسرائيلية من السفر من تل أبيب إلى الرياض.
ومطلع العام الجاري، قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية: إن زيارة نتنياهو إلى السعودية ولقائه ابن سلمان لن تكون مفاجئة، مشيرة: إلى أن ولي العهد السعودي يرغب في طي صفحة اغتيال جمال خاشقجي.
وتحدثت الصحيفة عن الدور الأمريكي لنقل علاقة الرياض وتل أبيب إلى العلن في ظل وجود شخصية ابن سلمان الذي يحب المخاطرة، مدعية أن ذلك اللقاء سيكون بمثابة حجر الزاوية في جهود ترامب الساعية لعزل إيران واحتوائها.
كاتب التقرير الأمريكي رأى: أن ما منح ابن سلمان الثقة للمضي في علاقته مع تل أبيب هي حالة اللامبالاة في الشارع العربي تجاه قضية نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، مؤكدا: أن حدث مثل هذا سيحوّل الانتباه العام والإعلام عن المشاكل التي يواجهها القادة الثلاثة: نتنياهو وابن سلمان وترامب.
تمهيد أمريكي
التمهيد الأمريكي لتحويل التطبيع الإسرائيلي مع دول الخليج من السر إلى العلن، توازى مع تعاون من قبل السلطات الحاكمة واستخدام للسلطة الدينية، بداية من صمت القيادات الحاكمة على جرائم الاحتلال الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين، مرورا بالتصريحات العلنية بأحقية إسرائيل في أن تكون لها دولة، وصولا إلى الإعلان عن مبادرة تمت بتنسيق خليجي.
عملت الرياض على خلق تحالف بينها وبين النخب الدينية، واعتقلت كل من رفض الخضوع لذلك التحالف، وبرز ذلك في إعلان ابن سلمان أن كثيرا من القيود الدينية العاملة في السعودية “ليست من عقيدة الإسلام”، مؤكدا: أن مناقشاته الطويلة مع رجال الدين -الذين اعتقل عددا منهم- كانت إيجابية.
تصريح ولي العهد كان خلال اجتماعه بعدد من محرري ومراسلي صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، على هامش زيارته للولايات المتحدة في مارس/آذار 2018، ليعقبه بـ10 أيام تصريح يتحدث عن حقوق الإسرائيليين.
في تصريحات لمجلة أتلانتك الإخبارية الأمريكية، قال ابن سلمان: إن الإسرائيليين لهم “حق” في أن يكون لهم وطن، وهي التصريحات التي اعتبرت حينها تحولا ملحوظا في الموقف السعودي من الكيان الإسرائيلي.
ماكينة الفتاوى
مؤخرا، اشتغلت ماكينة الفتاوى وأعيد نشر فتوى قديمة للشيخ عبدالعزيز بن باز مفتي المملكة ورئيس هيئة كبار علمائها الراحل لتبرير التطبيع مع اليهود، كما أثار باحث سعودي جدلا بتساؤلاته عن شرعية تحرير فلسطين مستندا للفتوى ذاتها.
كما انطلقت فتاوى من الكويت، منها فتوى المنشد الكويتي والقارئ المعروف مشاري راشد العفاسي، بأن التطبيع مع إسرائيل هي واجب ديني ولربما فرض عين على كل مسلم، واستند في دعواه على فتاوى للشيخين عبد العزيز بن باز، ومحمد بن عثيمين، يجيزان فيها الصلح مع اليهود واصفين الأمر بأنه (أمر سياسي) على ألا يكون صلحا دائما.
وعلى خطى العفاسي، سار الداعية السلفي الكويتي عبد الرحمن الجيران -عضو مجلس الأمة الكويتي السابق، المعروف بدفاعه الدائم عن كل قرارات السلطة السعودية، إذ أصدر فتوى أجاز فيها التطبيع مع إسرائيل، مشيرا: إلى أن هذا التطبيع “حلال زلال شرعا”.
تلك الفتوى أطلقها الداعية الكويتي عبر تويتر، قائلا: “التطبيع مع إسرائيل لا يتعارض مع قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية وإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس إذا توافقت الإرادات”.
وأضاف: “لا مانع شرعا من الصلح مع اليهود وهذا ما أجمعت عليه الأمة الإسلامية بعلمائها الكبار وحكامها وحكمائها… ولا عبرة بشذوذ الإخوان المسلمين”.
فتوى ابن باز
من هنا برز دور الفتاوى الدينية التي مهدت للتطبيع الكامل مع إسرائيل، والتي يتم إعدادها لاحتواء ردود فعل الشارع وتلجيم غضبتهم إذا ما قررت السلطة الحاكمة في الرياض إعلان التطبيع الكامل، والوصول إلى مصافحة بين ابن سلمان ونتنياهو، حسب ما أكد موقع ميدل إيست آي.
بعد تصريحات ابن سلمان تداولت الكتائب والذباب الإلكتروني التابع لنظامه فتاوى قديمة للشيخ عبدالعزيز بن باز مفتي المملكة ورئيس هيئة كبار علمائها الراحل، قيل إنها تبرر التطبيع، حيث أجاز الصلح مع اليهود وفق ما تقتضيه المصلحة الشرعية التي يحددها ولي الأمر.
نص الفتوى المتداول عبر الحسابات التي تحظى بمتابعة الملايين يقول: “كل دولة تنظر في مصلحتها، فإذا رأت من المصلحة للمسلمين في بلادها الصلح مع اليهود في تبادل السفراء والبيع والشراء وغير ذلك من المعاملات التي يجيزها شرع الله المطهر فلا بأس في ذلك، وإن رأت أن المصلحة لها ولشعبها مقاطعة اليهود فعلت ما تقتضيه المصلحة الشرعية، وهكذا بقية الدول الكافرة حكمها حكم اليهود في ذلك”.
تلك الفتوى أكد مراقبون أنها مجتزئة ومفرغة من مضمونها، مشيرين: إلى أن فتاوى ابن باز في هذا الشأن متعددة، وبها تفريق بين اليهود كأهل كتاب وكيفية تعامل النبي محمد صلى الله عليه وسلم معهم، وبين إسرائيل ككيان احتلال مغتصب لأجزاء من أرض عربية إسلامية.
احتفاء إسرائيلي
استنادا إلى الفتوى ذاتها طرح الداعية السعودي بدر العامر الباحث في الجماعات والاتجاهات الفكرية، سؤالا للمناقشة الفقهية في باب السياسة الشرعية في تغريدة عبر تويتر: “هل يجب علينا شرعا تحرير فلسطين؟. وأجاب: “إسرائيل قائمة منذ عشرات السنين ولا توجد بينها وبين بلده حرب”.
مستطردا: “العرب قاتلوها في 48 و67 و73 ولم ينتصروا مع أنهم جميعا.. الآن تمزقت دولهم، وتضاعفت قوة إسرائيل، فما تتوقع من نتيجة؟”.
صفحة “إسرائيل بالعربية” التابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية، أشادت عبر تويتر بكلام العامر، معلقة: “السلام هو الحل”.
بالطبع لم يسلم العامر من الهجوم، فكان للصحفي الفلسطيني المتخصص في الشأن الإسرائيلي رد بارز، قائلا: “فقهاء ابن سلمان، الذين يفتون بجواز التقارب مع الصهاينة ويسوغون عدم الاكتراث باحتلال فلسطين، ويهاجمون قضيتها.. يصمتون عن فتوى الحاخام منيس فريدمان، الذي أفتى بوجود تدمير مقدسات المسلمين في مكة والمدينة حتى يتأكد المسلمون أن الله لا يقف معهم”.
كما سخر الباحث السعودي أحمد بن راشد بن سعيد، من بدر العامر، وكتب على تويتر: “أهنئ الباحث السعودي، أو الداعية بوزارة الشؤون الإسلامية بدر العامر على الإعجاب الإسرائيلي به، كما تجلى في ثناء هذه الصفحة عليه”.
نقلة نوعية
تلك الفتوى وغيرها مما يصدر بين الحين والآخر، تناغمت مع مساعي السلطات الخليجية لرفع مستوى التعاون والتنسيق مع إسرائيل في إطار التحالف بينهما في مختلف المجالات الاقتصادية والرياضية والاستخباراتية والأمنية وغيرها.
بل إنها كانت دافعا أكبر لها، فقد تحدثت تقارير عن علاقات أمنية واستخبارية إسرائيلية – سعودية، فيما يتعلق بالملف الإيراني. وكشفت القناة 13 الإسرائيلية في فبراير/شباط الماضي: أن العلاقة السعودية بإسرائيل شهدت “نقلة نوعية”، مشيرة: إلى أن ابن سلمان عمل على تعزيز العلاقات مع “إسرائيل” بعد توليه ولاية العهد.
وأضافت الصحيفة: أن “أي رئيس حكومة إسرائيلي سينتخب يأمل أن يرى محمد بن سلمان ملكا في قصر اليمامة”.
ما ذهبت إليه الصحيفة الإسرائيلية سبق أن عززته رواية الكاتبة الإسرائيلية، في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، تسفيا غرينفيلد، والتي نشرت مقالا تحليليا في أكتوبر/تشرين أول 2018، قالت فيه: إن ابن سلمان زعيم انتظرناه 50 عاما، معتبرة الحديث عن عزله جراء حادث اغتيال خاشقجي مدمر لإسرائيل.
وأطلقت الصحفية الإسرائيلية دعوة لضرورة التساهل مع ابن سلمان والتعامل معه بنعومة، قائلة: إن الإسرائيليين ظلوا لخمسة عقود يصلون ويرجون من أجل حضور زعيم عربي رئيسي يوافق على توقيع اتفاق هام مع إسرائيل، مؤكدة: أن هذا القائد قد وصل أخيرا ممثلا في محمد بن سلمان.
وأشارت: إلى أن ابن سلمان هو الزعيم الذي يرغب في إضفاء الشرعية على إسرائيل، وذلك قبل شروعه في التعاون المفتوح معها.
الكاتبة الإسرائيلية تحدثت عن خطة ابتكرها الرئيس الأمريكي وولي العهد السعودي لتشكيل تحالف إقليمي برعاية الولايات المتحدة -وهو تحالف يضم إسرائيل ودول الخليج والسعودية والأردن ومصر وربما العراق، بهدف الوقوف في وجه إيران.