MBS metoo

تحليل بريطاني: متطلبات رؤية 2030 وراء التغيير الجذري لسياسة السعودية الخارجية

سلط المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI) في لندن الضوء على التغير الحادث في سياسة المملكة العربية السعودية خارجيا، من التدخل العنيف إقليميا إلى موجهة من المبادرات الدبلوماسية الهادفة إلى حلحلة أزمات وصراعات المنطقة، وعلى رأسها التطبيع مع إيران، ومحادثات السلام مع الحوثيين في اليمن وإعادة دمج سوريا في جامعة الدول العربية.

وأشار المعهد، في تحليل نشره موقعه الإلكتروني وترجمه “الخليج الجديد”، إلى جهود التوسط في وقف إطلاق النار في السودان، واستضافة الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، خلال قمة الجامعة العربية في جدة منتصف مايو/أيار، مشيرا إلى أن هكذا تغيرات تعكس تطورا في كيفية تموضع السعودية على المستويين الإقليمي والدولي، ولكن دون الإشارة إلى تغيير في الاتجاه الاستراتيجي للبلاد.

فلطالما كان أحد الأهداف الأساسية للسياسة الخارجية السعودية هو مواجهة واحتواء عدم الاستقرار في الشرق الأوسط من أجل إبعاد التهديدات، والحد من المخاطر على التدفق الحر لصادرات النفط من الخليج، وتسهيل التنمية الاقتصادية المحلية للمملكة.

ومنذ وصول ولي العهد السعودي الأمير، محمد بن سلمان، إلى السلطة، في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أصبح هذا الأمر أكثر وضوحًا، فالأولوية الأولى للرياض هي تنفيذ رؤية 2030، وهي برنامج الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي الطموح للغاية، الذي من المفترض أن يحول المملكة إلى اقتصاد معرفي حديث ومتكامل عالميًا، يعتمد بشكل أقل على ثرواتها الهيدروكربونية.

وتتمثل المهمة الأساسية للسياسة الخارجية السعودية في دعم هذه العملية وتمكينها، على الأقل من خلال تقليل التهديدات التي تواجه الرؤية بسبب عدم الاستقرار أو الصراع في جوار السعودية.

وكانت الإجراءات المختلفة خلال السنوات الأولى من عهد بن سلمان، والتي أكسبت السعودية سمعة المغامرة والتهور في السياسة الخارجية مدفوعة بالهدف نفسه.

ففي اليمن، رأت السعودية أن الحوثيين يشكلون تهديدًا غير مقبول لأمنها القومي كانت تأمل في إزالته بتدخل عسكري قصير وحاسم. لكن المملكة قللت من تقدير الحوثيين وبالغت في تقدير قدراتها العسكرية، ليتحول الصراع في اليمن إلى مشروع “حرب أبدية”، وهو ما تتوق المملكة إلى تخليص نفسها منه.

وكان من المفترض أن تؤدي المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية التي فرضتها السعودية على قطر في عام 2017 إلى كبح نشاط الدوحة الإقليمي، الذي اعتبرته الرياض مقوضا للاستقرار الإقليمي، لكن قطر أثبتت أنها أكثر مرونة مما كان متوقعًا، واعتبرت معظم الدول في جميع أنحاء العالم – بما في ذلك شركاء المملكة العربية السعودية في الغرب – أن الصدع بين ممالك الخليج مصدر إزعاج غير ضروري تمامًا.

وكانت محاولة نوفمبر/تشرين الثاني 2017 للضغط على رئيس الوزراء اللبناني آنذاك، سعد الحريري، للاستقالة احتجاجًا على حزب الله والتدخل الإيراني جزءًا من جهد سعودي أوسع للرد على ما اعتبرته الرياض سلوكًا خبيثًا ومزعزعًا للاستقرار من جانب طهران في جميع أنحاء المنطقة. لكن هذه الخطوة أثارت جدلًا وغضبًا دوليًا فقط، بينما نما النفوذ الإيراني.

 

نهج غير ناجح

وبحسب تحليل المعهد البريطاني، فإن صانعي القرار في الرياض – بمن فيهم محمد بن سلمان – خلصوا إلى أن نهجهم لم يكن ناجحًا، وتعزز هذا الاستنتاج بخيبة الأمل المتزايدة من سياسة الولايات المتحدة تجاه المنطقة.

ورغم أن التقلبات في العلاقات الثنائية بين الرياض وواشنطن ليست جديدة، لكن على مدى العقدين الماضيين، أصبحت السعودية أكثر تشككًا في التزام الولايات المتحدة بدعم النظام الإقليمي الأساسي في الشرق الأوسط.

وكان غزو إدارة جورج دبليو بوش للعراق، وسعي إدارة أوباما للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران لحظات رئيسية في هذا الاستنتاج السعودي.

لكن اللحظة الأهم جاءت في سبتمبر/أيلول 2019، فقد أظهر هجوم بطائرة مسيرة وصواريخ على بعض أهم المنشآت النفطية بالمملكة، في بقيق وخريص، ضعف السعودية في أي مواجهة عسكرية محتملة مع إيران أو وكلائها الإقليميين، والأهم من ذلك، أن عدم وجود رد أمريكي حاسم على الهجوم “كان علامة على أنه لا يمكن الاعتماد على واشنطن للدفاع عن أمن المملكة، أو حتى من أجل أمن صناعة النفط”.

ولذا أعادت السعودية، في السنوات اللاحقة، معايرة سياستها الخارجية، وواصلت التركيز على نفس الهدف العام لدعم رؤية 2030، ولكن بالتطلع إلى الاستفادة من أدوات قوة المملكة بطريقة أكثر صبرًا وواقعية.

وتضمن ذلك تجربة مناهج جديدة للتحديات القائمة مع الاستعداد لاحتمال عدم نجاحها، والعمل مع شركاء دوليين يمثلون بديلا عن الولايات المتحدة حيثما كان ذلك مناسبًا، حتى لو أدى ذلك لمواجهة الانتقادات من واشنطن أو عواصم غربية أخرى.

وتظل الرياض منفتحة على التعاون مع الولايات المتحدة، كما يتضح من جهود الوساطة السعودية الأمريكية المشتركة الحالية في السودان، ولكن في المناطق التي تشعر فيها أن الولايات المتحدة قد تبنت موقفًا غير مفيد أو لا تشارك بشكل كافٍ، فهي مستعدة لذلك.

فالسعودية لا تتطلع إلى استبدال بكين بواشنطن، إذ لا تعتقد في أوهام بأن الصين أو أي دولة أخرى قادرة على أن تكون الضامن الرئيسي للأمن البحري في الخليج، ولاتزال ترى أن الولايات المتحدة، وبدرجة أقل المملكة المتحدة وفرنسا، أهم شريك دفاعي، كما لا يزال تقديرها أن الاقتصادات الغربية مصادر رئيسية للإلهام والتكنولوجيا والاستثمار لجعل رؤية 2030 حقيقة واقعة، كما يبقى الغرب أيضًا الوجهة المفضلة لاستثمارات صندوق الثروة السيادي السعودي.

ومع ذلك، تتطلع الرياض إلى توسيع العلاقات مع الصين، دون الرغبة في تعريض أي من مكتسباتها الغربية للخطر، إذ تعتبر الصين شريكًا استراتيجيًا قادرًا على أكثر من مجرد شراء كميات كبيرة من النفط السعودي، لا سيما فيما يتعلق بنقل التكنولوجيا.

كما تتطلع الرياض إلى روسيا، باعتبارها شريكًا لا غنى عنه في محاولة إدارة أسواق النفط الدولية والتأثير عليها في سياق تحالف “أوبك+”.

 

إعادة تموضع دولي

وبشكل عام، تحاول السعودية أن تضع نفسها في وضع يمكنها من إقامة علاقات بناءة مع الجميع، بما في ذلك القوى العالمية المتصارعة، وترى أن توجهها يسير قدما مدعوما بالنمو الاقتصادي المثير للإعجاب والشعور بأن صورتها الدولية قد تحسنت.

وهنا يشير المعهد البريطاني إلى أن الخلاف بين السعودية وقطر لم يتم حله، بل تم تجاوزه، إذ لا تزال الرياض والدوحة لا تتفقان في كل شيء، ولكن يبدو أن هناك قبولًا متبادلًا لضرورة البحث عن طرق للعمل معًا أثناء إدارة الخلافات بهدوء.

ودخلت المملكة في عملية تطبيع للعلاقات مع إيران دون أي أوهام بأن النظام في طهران وأجندته الإقليمية المزعزعة للاستقرار قد تغيرت أو ستتغير جوهريًا في أي وقت قريب.

وبدلاً من ذلك، تأمل السعودية في أن تمارس الصين نفوذًا كافيًا على إيران لتقليل المخاطر على الأمن في الخليج وتأمين قبول إيران لتهدئة الحرب في اليمن.

وفي الوقت نفسه، تتطلع الرياض إلى تحسين قدرتها على الدفاع عن نفسها ضد الهجمات الإيرانية المستقبلية، مع المراهنة على المدى الطويل لنجاح إصلاحاتها الاجتماعية والاقتصادية المحلية، بما يلهم في النهاية التغيير في الدول العربية التي تهيمن عليها إيران، وبالنهاية في إيران نفسها.

وفي اليمن، قنعت السعودية بأنه لا يمكن هزيمة الحوثيين عسكريًا في الوقت الحالي، ومن خلال العمل مع وسيط موثوق مثل سلطنة عُمان، وعلى أمل أن يؤدي النفوذ الصيني إلى كبح جماح إيران، فإنها تحاول الوصول إلى طريقة عمل جديدة مع الجماعة، التي لا تزال تسيطر على العاصمة صنعاء وجزء كبير من الجزء الشمالي من اليمن.

وتريد المملكة تأمين وقف دائم للهجمات عبر الحدود، لا سيما الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة التي تهدد المدن السعودية وتشوه صورة المملكة كمكان جاذب للاستثمار وممارسة الأعمال التجارية واعتماد موقع جديد كوسيط رئيسي بين جميع الفصائل اليمنية، بما فيها الحوثيين.

وفيما يتعلق بسوريا، تبنت السعودية مبادرة طرحها الأردن لإعادة إشراك دمشق في المنظومة العربية من أجل مواجهة التحديات الملحة.

وانطلاقاً من الإحساس بأن الغرب فقد كل الاهتمام بسوريا الآن بعد احتواء تهديد تنظيم الدولة وانخفاض المستويات الإجمالية للعنف، توصل الأردن والسعودية وغيرهما من دول المنطقة إلى استنتاج مفاده أنه ليس لديهم خيار آخر سوى الانخراط في التطبيع مع نظام الأسد.

فهذا التطبيع يمثل ضرورة للتعامل مع اللاجئين السوريين، الذين يمثلون مصدر قلق كبير للأردن، وللتعامل مع تدفق المخدرات من سوريا، التي يعاني منها الشباب العاطلين عن العمل في جميع أنحاء العالم العربي، وخاصة في منطقة الخليج.

ويخلص المعهد البريطاني إلى أن نتائج كل هذه المبادرات الدبلوماسية السعودية “لاتزال غير مؤكدة” إلى حد كبير، إذ يقع جزء كبير من مصيرها خارج سيطرة المملكة، ويرتبط برغبة الصين الفعلية وقدرتها على ممارسة نفوذها على طهران، واستعداد الحوثيين للتخلي عن سنوات من التعنت.

ومع ذلك، فحتى في حالة انهيار حسابات الرياض، ستستمر المملكة وسياستها الخارجية في التكيف، وسيبقى الشعار المركزي للرياض: “القيام بكل ما يلزم لتأمين جهود التطوير والتحديث المستمرة”.

Exit mobile version