بقلم/ حسين إبراهيم – كاتب صحفي لبناني
هل نجحت أميركا في الحدّ من تأثير السعودية على أسواق النفط؟ أم أن شراسة المنافسة على الحصص السوقية بين كبار المنتجين هي التي أدّت إلى انخفاض الأسعار أو أقلّه إلى لجم الارتفاع الذي كان مأمولاً سعودياً، من إعلان الرياض خفضاً طوعياً من جانب واحد بواقع مليون برميل يومياً؟
وهل ستستطيع السعودية الصمود في وجه النفط «المعاقَب» الرخيص الذي تسعى الدول المالكة له، ولا سيما روسيا، إلى بيع كمّيات أكبر منه، أم أن الوقت لم يعُد في مصلحتها في استخدام أسواق النفط لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية معاً؟
ثمّة منافسة خفية بدأت تَظهر إلى العلن بين موسكو والرياض، حيث وردت خلال الأيام القليلة الماضية، أخبار عن أن الأولى أزاحت الثانية وجلست مكانها كأكبر مورّد نفط إلى الصين والهند، وهما من أكبر مستهلكي النفط في العالم، وذلك بفضل الخصومات الكبيرة التي اضطرّت لتقديمها على مبيعاتها النفطية بسبب العقوبات النفطية المفروضة عليها من قِبل الغرب، على خلفية حرب أوكرانيا. كما أفيد أخيراً عن توريد ما وُصف بأنه «شحنة نفط رخيص» من روسيا إلى باكستان، وهي أيضاً مستهلك كبير.
هذا السيناريو المفترَض يدعمه الخلاف الروسي – السعودي الذي برز أخيراً في اجتماع «أوبك بلس»، حين دفعت الرياض في اتّجاه خفض جديد داخل المنظّمة ككلّ، لكنها وُوجهت بمعارضة باقي الأعضاء غير الراضين أصلاً عن حصصهم الإنتاجية، فاضطرّت إلى الخفض الأحادي في محاولة لدعم الأسعار وإبقاء أسواق النفط طوع بنانها عندما تريد الضغط لتحقيق أهداف سياسية.
غير أن المملكة التي انخفض إنتاجها إلى تسعة ملايين برميل يومياً، مقارنة بقدرة إنتاجية تزيد على 11 مليوناً، قد لا تستطيع الصمود طويلاً عند هذا المستوى من الإنتاج، ولا سيما إذا تواصل هبوط الأسعار، نظراً إلى حاجتها إلى استمرار تدفّق «الكاش» لتمويل المشاريع الكبرى.
تدعم ذلك السيناريو أيضاً حرب الأسعار الطاحنة بين روسيا والسعودية، والتي دارت رحاها في بدايات عام 2020، حين رفضت موسكو خفض الإنتاج، فما كان من الرياض إلّا أن أغرقت الأسواق، بحيث تدنّت الأسعار بشكل كبير، قبل أن يطيح وباء «كورونا» بتلك الأسعار إلى ما دون الصفر.
لكن مع خروج العالم من أزمة الوباء، تمكّنت روسيا والسعودية من تنسيق خطواتهما داخل «أوبك بلس»، مستفيدتَين من تقاطع ضدّ الولايات المتحدة والغرب، الأولى بسبب حرب أوكرانيا، والثانية في إطار توتّر في العلاقات مع إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، بما مكّنهما من رفع الأسعار إلى ما فوق المئة دولار.
لكن روسيا الآن مضطرّة لبيع كمّيات أكبر لتعويض الخصومات الكبيرة التي تقدّمها للزبائن بسبب العقوبات الغربية، والحصول على السيولة اللازمة لتمويل الحرب في أوكرانيا، فيما التراجع في الأسعار يُضعف موقف السعودية ويُفقدها بعض المرونة، ويسحب بالتالي من يدها ورقة ضغط في العلاقة مع الولايات المتحدة، على رغم أن الرياض ما زالت تحتفظ بهامش كبير في التأثير على أسواق النفط، باعتبارها عنصر التوازن الأساسي فيها.
وإذ حرص أطراف «أوبك+» على عدم إخراج الخلاف الأخير إلى العلن، وتوافقوا في النتيجة على بيان يعلن خفض الإنتاج بواقع 1.6 مليون برميل يومياً، مليون منها للسعودية وحدها، فمن غير المعروف مدى إمكانية الالتزام بهذا الخفض، خصوصاً أن الدول تتجاوز أحياناً حصصها الإنتاجية بشكل غير رسمي.
وهو ما سعت الولايات المتحدة خلال السنوات القليلة الماضية إلى استغلاله بشكل ثنائي مع دول كثيرة، بما فيها دول غير صديقة لها كإيران وفنزويلا، لتعويض النقص الناجم عن السياسة السعودية. ويبدو أنها نجحت في ذلك جزئياً، نتيجة عوامل موضوعية مثل حاجة تلك الدول إلى بيع نفط أكثر.
لكن ما حصل، إذ يخفّف من ضغط سوق النفط، إلّا أنه لا يلغيه نهائياً. فالأسعار التي تحوم منذ أيام حول السبعين دولاراً لخام غرب تكساس الوسيط، أكثر أو أقلّ قليلاً، لا تُعتبر متدنّية، بل ما زالت تميل إلى أن تكون مرتفعة، وما زالت مجزية لكلّ المنتجين، ومكلفة لاقتصادات الدول غير المنتِجة، وبعيدة جدّاً من المستويات التي تدفع إليها حروب الأسعار، حين يصبح البرميل بعشرين دولاراً.
ولذلك، فإن الدول المنتجة ما زالت تلعب وتتنافس على الأسواق ضمن هامش مقبول بالنسبة إليها، وتعرف أنه ليس من مصلحتها الدخول في حرب أسعار وحصص سوقية شاملة جديدة.
حتى بالنسبة إلى السعودية نفسها، قد يكون المطلوب من إعلان الخفض هو وقعه النفسي وليس نتيجته العملية؛ ذلك أن القرار اتُخذ ليسبق لقاء ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بوزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في جدة، الأسبوع الماضي، في غمرة المساعي الأميركية الحثيثة لإعادة ترتيب العلاقات مع المملكة، حيث يَستخدِم ابن سلمان مسألة إنتاج النفط بالذات لفرض ما يناسبه في حال إعادة صياغة شكل جديد لتلك العلاقات.
لكن قد يكون هذا آخر خفض تنفّذه المملكة؛ إذ تُعتبر مستويات إنتاجها الحالية متدنّية، وأيّ نزول تحتها سيخفّض الإمدادات إلى زبائنها ويدفعهم إلى أحضان منتجين آخرين، ولو جزئياً.