تقرير خاص
انتشر مصطلح الذباب الإلكتروني في منطقتنا عقب بدء فرض دول المقاطعة الخليجية حصارًا على قطر، وفور إعلان الخبر سارعت آلاف الحسابات على تداول وسوم “هاشتاجات” معينة لتتصدر تريندات “المواضيع الأكثر تداولاً” معظم مواقع التواصل؛ مثل “فيسبوك” و”تويتر” و”يوتيوب”.
ومنذ هذه اللحظة بزغ نجم “الذباب الإلكتروني” في السعودية بالتحديد، وانتشر نشاطه ليشمل كافة مناحي الحياة في المملكة، ولكن الأمر لا يقتصر على السعودية فقط؛ فقد قالت دراسة جديدة أجراها باحثون في جامعة أوكسفورد إنّ 70 دولة على الأقل شاركت في حملات تضليل إعلاميّة، مشيرةً إلى أنّها بين سبع دول حاولت التأثير على الرأي العام خارج حدودها؛ وبالطبع على رأسهم السعودية!
ماذا يعني مصطلح الذباب الإلكتروني؟
بداية الذباب الإلكتروني مصطلح استُحدث لوصف الحسابات الآلية أو المُبرمَجة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي عادة ما يكون الهدف منها هدفًا سياسيًا بحتاً، ويُستخدم مُصطلح لجنة إلكترونية أو اللجان الالكترونية لِذات المعنى؛ وهي اتحاد بين مجموعة من الأشخاص أو مجموعة من المنظمات الإلكترونية تعمل على توجيه أو تغيير اتجاه الرأي العام إلى فكر معين سواء كان فكرا أو معتقدا منافيا للحقيقة أو معها.
وتعتبر اللجنه إلكترونية أحد أدوات حروب الإنترنت، ومع ازدهار عصر الشبكات الاجتماعية، بدأت تعمل مجموعات من أجل إنشاء عدد كبير من الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي الشهيرة لتغيير مفهوم المتصفحين حول قضية معينة.
كيفية عمل الذباب الإلكتروني:
قلنا من قبل أن الذباب الإلكتروني هو مجموعة من الحسابات الوهمية التي تنشطُ على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة تويتر الأكثر انتشارًا في الخليج، وتدار تلك الحسابات بشكل آلي من قبل مبرمجين مرتبطين بأجهزة حكومية وأمنية في الدول. تنشرُ هذه الحسابات مئات آلاف التغريدات تأييدا لوجهة نظر كل دولة. كما تعملُ على نشر أخبار مفبركة وإشاعات.
وقد يستخدم المبرمجون البشريون “روبوت ويب” لإدارة تلك الحسابات؛ والذي يقوم بمهام متكررة وتلقائية عبر برمجة تنتهي لوضع عمليات إعجاب أو إعادة تغريد أو تعليق على تغريدات أو لحسابات بعينها في نمط من النشر الغزير يؤدي لنشر وسوم أو هاشتاجات بشكل كبير يجعلها تنافس في قوائم الترند العالمية أو تصدر الترند في الدول المستهدفة.
الهدف من الذباب الإلكتروني:
1- صناعة الرأي العام:
تتمثلُ الوظيفة الأساسية لهذه الحسابات في نشر وإعادة نشر تغريدات في العالم الافتراضي لتصبح وكأنها رأي عام لمستخدمين يبدون وكأنهم مُجمعون على رأي واحد. هذا الأمر يدفعُ مغردين طبيعيين إلى التغريد كذلك والسيرِ في معمعة ما أراد الذباب لباقي المستخدمين الحديث حوله.
2- التأثير على المجتمع:
وهو نتاج للعامل الأول وهو صناعة الرأي العام، وقد ظهر ذلك جليًا في حملة مقاطعة قطر، حيث ظهرت أولى مظاهر التأثير على المجتمع في رفض الشعبين السعودي والإماراتي -وفي بعض الأحيان المصري- لقناة بي إن سبورتس القطرية والتشويش على مراسليها.
وهنا عمل الذباب في الحفاظ على فتيل الأزمة مُشتعلا؛ ففي كل مرّة كانت تتصدر هاشتاجات عدوانية الترند العالمي ثم ما لبث وأن تحول الأمر لصراعٍ وجدالٍ بين الشعبين على كلّ المنصات.
3- إبطال حملات معارضة للنظام:
مثلما حدث في حملة العاطلين عن العمل بالسعودية، فكلما عاد تريند “#تجمع_العاطلين_السعوديين” للصدارة على تريند المملكة، قام الذباب الإلكتروني بالعمل على أن يتصدر وسم “هاشتاج” مغاير للتريند، في محاولة لطمس أي تأثير لأي صوت معارض للنظام على الشبكة العنكبوتية أو مواقع التواصل.
4- صنع أصنام للحكم:
وهو أمر نراه في الدول الديكتاتورية، ومثالها صارخ في المملكة، والأمر هنا يتعلق بأن تأتي بشخص ليس لديه أي مميزات أو إمكانات لكي يتصدر المشهد في دولة ما، ويكون دور الذباب هنا العمل على إضفاء الهيبة والمناعة لذلك الشخص الهش الضعيف.
ومن أكبر الأمثلة على ذلك ما فعله الذباب الإلكتروني السعودي مع شخصية “ابن سلمان”، والتي تعد شخصية ضعيفة غير متمكنة من خطواتها ولا طريقة التفكير، لكي يصبح ولي للعهد، ويطنطن الذباب بالرؤية التي أطلقها والتي أثبتت فشلها، ويتبجح بالتحدث عن إنجازات وهمية، وتجاهل الصعوبات التي يعانيها المواطنين جراء سياسات “ابن سلمان” الاقتصادية والسياسية المتهورة.
كيفية تعامل مواقع التواصل مع الذباب الإلكتروني:
1- تويتر:
عمدت مواقع التواصل الشهيرة لمحاربة سيطرة فكر معين على منصاتها، وقد وضح ذلك الأمر جليًا مع شبكة “تويتر”؛ والذي رغم الجهد الذي تقوم به إلا أن كثير من المعارضين في العالم العربي يروون أن بقاء مكتبها الإقليمي في دبي هو تهديد لحرية التعبير عبر المنصة؛ وهو ما تحاول إدارة تويتر التأكيد عليه دومًا.
وتقوم “تويتر” كل فترة بمراجعة مئات الآلاف من حساباتها عبر بررامج معدة لذلك الأمر، للتأكد من أنها ليست حسابات وهمية تدار من قبل الذباب الإلكتروني التابع لدولة ما في المنطقة؛ وعلى رأسهم السعودية والإمارات.
فبعد أيامٍ قليلة من قضية مقتل “خاشقجي”، أعلن “تويتر” إيقاف شبكة تضمّ عددًا كبيرًا من الروبوتات الإلكترونية bots التي تدافع عن السعودية في قضية اختفاء خاشقجي، بعدما قدّمت شبكة NBC الأميركية دلائل جمعها باحث تُشير إلى ذلك.
كما استمرّ خيط الفضائح بعدها، فكشفت صحيفة “نيويورك تايمز”، أنّ شركة “تويتر” اكتشفت مؤامرة محتملة للتسلل إلى حسابات المستخدمين نهاية عام 2015، عندما أخبرها مسؤولو الاستخبارات الغربية بأن السعوديين كانوا يقومون بتهيئة موظف، وهو علي آل زبارة، للتجسس على المعارضين وغيرهم.
والشهر الماضي، أكد موقع “تويتر” وقف الحساب الشخصي للمستشار السابق في الديوان الملكي السعودي سعود القحطاني، الذي كان يتابعه أكثر من مليون و300 ألف مغرّد. كما أوقف “6 حسابات أخرى مرتبطة بالحكومة السعودية. إذ كانت هذه الحسابات تقدّم نفسها كمنصات إعلامية مستقلة، بينما تقوم في الحقيقة بترويج وجهة نظر الحكومة”.
والقحطاني الذي أُبعد عن دائرة بن سلمان بعد أشهر من اغتيال خاشقجي، إثر اتهامه بالتورط والإشراف المباشر على الجريمة، كان متورّطاً أيضاً بقرصنة حسابات وتهديد ناشطين، وإدارة الذباب الإلكتروني نفسه.
ثم تأتي فضيحة التجسس الأخيرة على “تويتر”، والتي تورط فيها “بدر العساكر” مدير المكتب الخاص لـ”ابن سلمان” لتؤكد أن الذباب الإلكتروني في السعودية يدار من أكبر رؤوس داخل المملكة، وتحت إشراف خاص من “ابن سلمان” شخصيًا وأذرعه المقربة منه.
2- فيسبوك:
في شهر أغسطس/آب الماضي، أعلنت شركة “فيسبوك” إقفال 350 صفحةً وحساباً وهمياً، على ارتباط بالسعودية. وقال مدير سياسة الأمن الإلكتروني، ناثانيال غليتشر: “بالنسبة لهذه العملية (إقفال الحسابات الوهمية)، استطاع محققونا التأكد من أن الأشخاص الذين يقفون وراءها مرتبطون بالحكومة السعودية”.
ورغم سياسة إغلاق الحسابات التي تقوم بها مواقع التواصل، إلا أنها غير كافية لإيقاف عمل الذباب الإلكتروني، بل إنّ “تويتر” ينفي أن تكون بعض حسابات الذباب الإلكتروني قد خرقت معاييره في حال الإبلاغ عنها! بل لن نكون مبالغين إذا قلنا أن هذا الوضع قد يزداد سوءًا في السعودية بالتحديد، وذلك بسبب استمرار شركات استخبارات إلكترونيّة وأمن معلومات عالمية بتزويد السلطات السعوديّة بتقارير تفصيليّة عمّا يكتبه السعوديّون يومياً، حول كلّ ما يتعلّق بالبلاد، ما يؤدّي إلى اعتقالات في كثير من الحالات.