MBS metoo

حقيقة حملة السلطات السعودية على المخدرات

في البيان الختامي الأول المشترك بين النظامين السعودي والسوري، الصادر 13 أبريل/نيسان 2023، عقب الزيارة الأولى لوزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد إلى السعودية منذ 2011، حرص الجانبان على تأكيد تعاونهما بشأن مكافحة تهريب المخدرات والاتجار بها.

وما لبث أن يجف حبر البيان، حتى أعلنت السعودية في 25 أبريل/نيسان، إحباط محاولة تهريب 12.7 مليون قرص من مادة “الأمفيتامين” المخدر عبر ميناء جدة، مخبأة في شحنة فاكهة “رمان”، وكان مستقبليها مقيمان من الجنسيتين السورية واليمنية، وآخران مصريان.

“الأمفيتامين” يندرج في خانة المخدرات وله تأثيرات مدمرة على مراكز نهاية الأعصاب المركزية بالدماغ المسؤولة عن إنتاج الأدرينالين والدوبامين والسيرتونين، وربما ينتج عن تعاطيه إعاقة مؤقتة قد تصل إلى سنوات عدة، أو مستديمة.

وفي 14 أبريل/نيسان 2023، كشفت السلطات اللبنانية عن ضبط شحنة ضخمة من حبوب الكبتاغون أثناء التحضير لتهريبها إلى السعودية مروراً بدولة إفريقية، وتوقيف 5 أشخاص من شبكة تهريب المخدرات.

وفي 28 أبريل/نيسان 2023، أعلنت المملكة إحباط محاولة تهريب أكثر من 4 ملايين و152 ألف حبة كبتاغون مخدر، مُخبأة في إرسالية “أفران للتحميص” واردة عبر منفذ البطحاء.

و”الكبتاغون” مادة مخدرة تسبب الإدمان الشديد يستخدمها المتعاطون في أنحاء الشرق الأوسط، ونسبة 80% من إمدادات العالم من هذه المادة تُنتج في سورية.

وفي غالب الضبطيات المعلنة من قبل النظام السعودي يكون أحد مُتسلّمي شحنات المخدرات من “الجنسية السورية”، وإما يقف خلف تهريبها ومحاولة إدخالها المملكة أحد أذرع إيران أو حلفائها في المنطقة سواء النظام السوري أو حزب الله اللبناني.

وكانت شبكة “سي إن إن” الأميركية قد نشرت تقريراً مطولاً في سبتمبر/أيلول 2022 سلّطت فيه الضوء على عمليات تهريب الكبتاغون من سورية إلى لبنان باتجاه السعودية، مشيرة إلى أن الأخيرة باتت “عاصمة للمخدرات في الشرق الأوسط”.

وسبقتها في ذلك التوصيف مجلة فورين بوليسي، التي قالت في ديسمبر/كانون الأول 2021 إن المملكة أصبحت سوقاً مربحة لتجار المخدرات وظهرت كعاصمة لاستهلاك المخدرات في المنطقة، لافتة إلى أن عمليات ضبط الكبتاغون أضحت شأناً عادياً داخل السعودية.

وأشارت إلى إفادة مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)، بأن أكثر من نصف جميع كميات الكبتاغون التي تم ضبطها في الشرق الأوسط بين عامي 2015 و2019، كان في السعودية، وأن غالبية متعاطيه من الفئة العمرية من 12 إلى 22 عاماً.

 

مصالحة المافيا

كل ذلك لم يمنع المملكة من الركض نحو مصالحة مع دول منبع المخدرات، ومن بينها إيران الداعم الأكبر للنظام السوري في 19 مارس/آذار 2023، واتفقت الرياض وطهران بوساطة بكين على استئناف علاقاتهما، وإعادة فتح السفارتين والبعثات الدبلوماسية.

وجاءت المصالحة بعد قطيعة وفُجر في الخصومة بين الجانبان استمر سبع سنوات، على خلفية مهاجمة محتجين إيرانيين لسفارة المملكة في طهران، مطلع 2016، بعد إعدام السعودية 47 شخص بزعم إدانتهم بتهم إرهابية، في مقدمتهم رجل الدين الشيعي نمر النمر.

وأعقب النظام السعودي المصالحة مع إيران بتطبيع مع النظام السوري أبرز منتجي المخدرات، مع إصدار بيانات رنانة ألمحت إلى ضرورة مجابهة تجارة المخدرات، رغم اليقين بأن تلك الأنظمة -السوري والإيراني- لا عهد ولا ميثاق لهما.

مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، أكدت أن مراكز التصنيع الرئيسية لحبوب الكبتاغون تقع في المناطق الخاضعة لسيطرة رئيس النظام السوري بشار الأسد.

وأشارت في تقرير نشرته في يناير/كانون الثاني 2022، إلى ممارسة حزب الله اللبناني دور داعم لنظام الأسد في تزويد منتجي المخدرات في مناطق سيطرته بالخبرة الفنية والغطاء والحماية في أثناء العبور من سوريا إلى لبنان.

وأكدت المجلة أن سوريا لا تزال مركز المخدرات، والجهات الفاعلة في إنتاجها تكيّفت مع القيود الاقتصادية، باعتمادها بشكل أكبر على الطرق البحرية البديلة عبر البحر المتوسط، والطرق البرية عبر الأردن والعراق، التي توفر الوصول إلى الأسواق الاستهلاكية بالخليج.

فيما قالت “البعثة البريطانية في سورية” إن مادة الكبتاغون أصبحت أكبر صادرات النظام السوري، وتثري خزينته بعشرات المليارات من الدولارات، في وقت يعاني فيه السوريون من ظروف معيشية “مروعة”.

ورغم ذلك دأب آل سعودي على تطبيع علاقتهم مع الأسد والاجتهاد لإعادته لجامعة الدول العربية، وأتبعوه بإعلان حملة على المخدرات، روج لها الإعلام المحسوب عليه بأنها “حرب لا هوادة فيها على المخدرات” -بحسب وصف جريدة سعودي جازيت الصادرة بالإنجليزية-.

وادعت الجريدة أن الحملة تهدف إلى مكافحة انتشار المخدرات وإحباط محاولات تهريب المخدرات والقضاء على مصادر تمويل هذه الآفة التي تستهدف فئات عمرية معينة أغلبها جيل الشباب.

وعّمدت المديرية العامة لمكافحة المخدرات بالمملكة على الترويج لحملتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تحت وسم #الحرب_على_المخدرات، في محاولة لإبراز عزم الدولة من خلال أجهزتها الأمنية على القضاء على هذه الآفة ومصادر التهريب والتمويل.

لكن الحملة انحصرت في ملاحقة المستقبلين للمخدرات والمروجين والمتعاطين، وتجاهلت إيصاد المنبع والتعامل الحاسم مع الدول المنتجة والمهربة لها والمسؤولة عن إغراق دول الخليج وعلى رأسها السعودية بالمخدرات كونها العمود الفقري لاقتصادهم.

 

استهزاء بالحملة

واستهجن ناشطون على تويتر، عبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية ومشاركتهم في الوسم، التضخيم الإعلامي للحملة السعودية على المخدرات، مؤكدين أنها لا تتناغم مع التطبيع السعودي مع الأنظمة الراعية لتجارة المخدرات والمصدرة لها.

ناصر، نجل الداعية الإسلامي السعودي، عوض القرني، قال إن الحملة الحالية على تجار المخدرات مهمة جدًا خصوصًا بعد تفشيها في البلد، لكنها تتناقض مع التطبيع مع أكبر مهرب مخدرات للبلد – النظام السوري-.

وأشار إلى أن الحملة تتناقض أيضا مع اختفاء الرائد تركي الرشيدي منذ ٨ سنوات الذي تكلم عن رؤوس كبيرة تعمل في ترويج المخدرات.

وقال السياسي السوري المعارض جورج صبرا: كثرت بيانات الدول، وتعبت حناجر مندوبيها في مجلس الأمن للتحذير من “إغراق المنطقة بالمخدرات ” من قبل نظام الأسد، غير أن شحنات الكبتاغون لم تتوقف.

واستنكر في تغريدة على حسابه بتويتر، أن شحنات الكبتاغون مازالت تضبط على حدود دول المنطقة القريبة منها والبعيدة، وكأن الأمم المتحدة وإدارات الدول وأصواتها، تغني في طاحون.

ورأى الكاتب الصحفي والإعلامي الدكتور محمد عطري، أن من يريد محاربة المخدرات يحارب ويقاطع نظام المخدرات والكبتاغون مجرد الحرب بشار الأسد، ولا يعمل على تأهيله وتعويمه على جماجم ملايين السوريين ولا يستقبل وزير خارجيته في الرياض.

وأكد أن بشار الكيماوي هو أكبر تهديد للسعودية والخليج بالمليشيات الطائفية الإرهابية والمخدرات.

واستهجن الكاتب والفنان التشكيلي السوري عمار آغا القلعة، تسمية الدول التي تستهدفها تجارة المخدرات القادمة من درة محور الكبتاغون، حملتها على هذه التجارة بـ #الحرب_على_المخدرات، رغم أنها تعيد علاقاتها مع المصنِّع الرئيسي نظام الأسد.

وقال إن الشعب السوري ابتلي بدول وحكومات مصابة بالحًوَل في التفكير والفهم، إذ يضرب الأسد بالكيماوي فيصادرون السلاح ويعفون عن المجرم، ويضربه الأسد بالمخدرات فيصادرون السلاح ويصالحون المجرم.

وخلص المغرد عبدالله الذي يعرف نفسه على حسابه بتويتر أنه “وطنجي تائب”، إلى أن إحدى الضرائب التي دفعتها الحكومة السعودية في مصالحتها مع إيران هي عودة علاقتها مع نظام بشار الأسد المروج الرئيسي للكبتاغون في الشرق الأوسط.

وأضاف: “لو كانت الحكومة السعودية جادة في محاربتها للمخدرات لرفضت عودة العلاقات مع بشار ودمج نظامه إلى الجماعة العربية”.

تغريدات الناشطون تؤكد عدم الثقة في جدية السلطة السعودية في حربها على المخدرات، ونظرتهم إلى حملاتها على أنها مجرد طقسا روتينيا وحدثا موسميا سياسيا بامتياز تغسل به سمعتها وتسوق لقدراتها على ضبط تجار المخدرات وحماية حدودها من عمليات التهريب.

كما تؤشر إلى رؤيتهم أن المملكة أصبحت تعيش حقبة زمنية شاعت فيها المحاربة الشكلية فقط لتجارة المخدرات بينما تغرق فعليا في وحل تطبيع العلاقات مع الأنظمة الراعية لصناعتها، في ترجمة حرفية للمثل الشعبي “مقدرش على الحمار اتشطر على البردعة”.

 

تغيب رائد

كما أعادت تغريدات الناشطون نبش الذاكرة للتذكير بالرائد في جهاز مكافحة المخدرات تركي الرشيدي، الذي اعتقلته السلطة السعودية على خلفية كشفه تورط مسؤولين نافذين وضباط سعوديين بإدارة عمليات لتهريب المخدرات مستغلين موسم الحج لتنفيذ جريمتهم.

وكانت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية، قد نقلت عن الرشيدي قوله إن شبكة من المتنفذين الأقوياء في النظام السعودي جنوا المليارات من نقل المخدرات إلى السعودية بطرق شتى.

وعرض الرائد في جهاز المخدرات، سلسلة فيديوهات على اليوتيوب كشف فيها الأساليب المتبعة في نقل المخدرات خلال موسم الحج، مشيرا إلى أن الأموال التي يتم جنيها من المخدرات تدخل في النظام المالي تحت غطاء مدخول شرعي ناتج عن الحج.

وأكد رشيدي أنه حصل على أدلة تثبت تورط مسؤولين كبار في نظام آل سعود، وأنه عندما قدم أدلة بشأن هذه التجارة غير الشرعية تعرض لحملة ترهيب من السلطات السعودية وتم نقله إلى منطقة نائية على الحدود الجنوبية للبلاد ثم طرده من عمله وتلفيق تهم بحقه.

 

أمير الكبتاغون

وكانت محكمة لبنانية حكمت في مارس/آذار 2019 على الأمير السعودي عبد المحسن بن وليد آل سعود، الذي عرف باسم “أمير الكبتاغون”، بالسجن ست سنوات وتغريمه 10 ملايين ليرة لبنانية، بعد إدانته بتهريب 1900 كلغ من حبوب الكبتاغون من لبنان للسعودية.

وفي 26 أبريل/نيسان 2020، أخلي سبيله لانتهاء محكوميته مع منع السفر”، ورفع النائب العام الاستئنافي ببيروت في 21 يوليو/تموز 2020 منع السفر عن الأمير، وغادر لبنان في 24 يوليو/تموز 2020، ولم تصدر أي أنباء عن محاكمته بموجب القانون السعودي.

وليست هذه المرة الأولى التي يثبت فيها تورط أفراد من آل سعود في تجارة المخدرات وتعاطيها، إذ نقلت رويترز عن مصدر قريب من العائلة أن عزل وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف من ولاية العهد جاء لإدمانه المورفين والكوكايين لدرجة أثرت على أدائه وبدت آثارها عليه.

وفي أعقاب القبض على أمير الكبتاغون، نقلت تصريحات لأحد أمراء السعودية المقيمين في أوروبا دون أن تسميه، أن ولي العهد الحالي محمد بن سلمان، الذي كان إبان ذلك ولي ولي العهد، يمارس التهريب والاتجار بالمخدرات وتعاطي الحبوب المهدئة.

 

الإعدامات والسجون

وتجدر الإشارة إلى أن النظام السعودي يطبق عقوبة الإعدام بحق مرتكبي جريمة الاتجار بالمخدرات، إذ أشارت منظمة القسط لحقوق الإنسان إلى عودة عمليات الإعدام بصورة كبيرة على خلفية الجنايات غير العنيفة المتعلقة بالمخدرات في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

وأوضحت في تقريرها السنوي الصادر في فبراير/شباط 2023، عن الأوضاع الحقوقية في المملكة، أن السعودية أعدمت 148 شخصا خلال 2022، كما وعادت عمليات الإعدام بقوةٍ على خلفية الجنايات المتعلقة بالمخدرات، على الرغم من إعلانٍ سابقٍ عن وقف استخدام تلك العقوبات.

وكشفت القسط في 2019 عن تكرر وضع أدوية مضرة أو مخدرات في خزانات الماء أو في غلايات الشاي داخل السجون السعودية، وتأثير ذلك على حالة السجناء، مؤكدة تردي حالة السجون.

وكانت القسط قد نشرت في 2015، تحقيقاً حول تعاطي المخدرات في السجون السعودية. ونشرت تقريرا مصورا بالفيديو يفند رواية السلطات التي زعمت أن السجناء مرضى سكري ويتعاطون الإنسولين.

وأفادت بأنها تواصلت ببعض سجناء الرأي في مختلف السجون بالمملكة وأخبروها أن كل أنواع المخدرات تباع في هذه المؤسسات وخاصة في سجن بريمان في جدة وسجن ملز بالعاصمة الرياض.

ويستخدم النظام السعودي سجناء المخدرات كأداة للتنكيل والانتقام من الإصلاحيين والحقوقيين وسجناء الرأي المعتقلين كما حدث مع شيخ الحقوقيين السعوديين الدكتور عبدالله الحامد، الذي توفي في أبريل/نيسان 2020، إذ تم إيداعه في عنبر المخدرات.

 

شهادة ضابط

وبدوره، أكد المحلل الأمني والاستراتيجي العقيد رابح العنزي، أن الحملة التي يشنها النظام السعودي على المخدرات “غير جادة” والهدف الأساسي منها إرهاب المواطن بالتواجد الأمني المكثف والاستعراض بالأجهزة الأمنية بذريعة مكافحة المخدرات.

وأشار في تصريحات لـ”صوت الناس” إلى أن إدخال المخدرات للسعودية مدعوم من الدولة، مستدلا على ذلك بما تم ضبطه من المخدرات بعد تطبيع العلاقات مع الأسد.

وكشف العنزي، أن ضباط عاملين في جهاز مكافحة المخدرات أخبروه أن ولي العهد محمد بن سلمان، متورط في قضايا مخدرات، لافتين إلى إعداد محاضر إتلاف مزيفة قبل ترويج المخدرات المصادرة التي تم ضبطها سابقا، مذكرا بالأمير عبدالمحسن آل سعود.

وأكد أن المخدرات موجودة في السجون الجنائية والسياسية على حد سواء وتُباع في السجن بسعر مخفض مقارنة بسعرها في الميدان، وتستفيد السلطات السعودي بمدمني المخدرات والمرضى النفسيين في عدة مجالات كالترويج لثقافة الرقص في موسم الرياض.

وأوضح العنزي الذي كان يعمل ضابط أمن سابق بالمملكة، أن السلطات السعودية تستخدم مدمني المخدرات أيضا في تشجيعهم على الاعتداء على بعض المعتقلين السياسيين في السجون كخيار بديل عن التعذيب المباشر من قبل ضباط الأمن الحكوميين.

Exit mobile version