فجرّت خلافات علنية وكامنة أزمة بين الإمارات والسعودية بعد ود طويل جمعهما، لا سيما خلال الأزمة الخليجية التي انتهت بتقارب سعودي قطري في يناير/كانون الثاني 2021، بعد قطيعة دامت نحو 4 سنوات، كان لأبوظبي الدور الأساس في تسعير نيرانها.
الخلافات التي تعتبر الأولى من نوعها بين بلدين حليفين على مدى عقود من الزمن، فتحت باب التساؤل واسعا بخصوص أصل الأزمة بين الجانبين، وانعكاسها على مستقبل العلاقة بين الرياض وأبوظبي، وإلى أين يمكن أن يصل التصعيد بين الجارتين الخليجيتين.
نقطة الخلاف
التوتر العلني بين السعودية وحليفتها الإمارات، شرارته كانت تصدير النفط، إذ دعا وزير الطاقة السعودي، عبد العزيز بن سلمان، الإمارات، إلى تقديم القليل من “العقلانية والتنازلات” للتوصل لاتفاق بشأن زيادة إنتاج النفط في تحالف “أوبك بلس”.
تصريحات الوزير السعودي، في 4 يوليو/ تموز 2021، جاءت بعد اعتراض الإمارات، على ربط زيادة الإنتاج بتمديد اتفاق “أوبك بلس”، والذي اعتبرته بأنه “غير عادل”.
وزير الطاقة السعودي، أشار للرفض الإماراتي، وقال إن جميع أعضاء التحالف قبلوا المبادرة السعودية-الروسية باستثناء “دولة واحدة”
وأضاف أن تقديم القليل مما وصفها بـ”العقلانية والتنازلات” يساهم في التوصل لاتفاق زيادة الإنتاج بعد فشل جهود سابقة.
وأكد أن “أمثل دولة متوازنة تراعي مصالح الجميع في دورها كرئيسة لأوبك بلس، السعودية، أكبر المضحين، ولولا قيادتها لما تحسنت السوق النفطية”.
وتساءل الوزير السعودي، عن “سكوت” الدول صاحبة التحفظات على الاتفاق، في السابق.
وشدد على أن المبادرة (السعودية-الروسية)، تتضمن نصا صريحا حول “تمديد الاتفاق”، موضحا أن عملية زيادة الإنتاج نقطة إضافية لا نص حولها في الاتفاق.
وأكد أن زيادة الإنتاج بمقدار “400 ألف برميل” شهريا، لن لتكون كافية لإنهاء التخفيضات في أبريل/ نيسان 2022، (موعد انتهاء الاتفاق).
عبد العزيز بن سلمان، قال أيضا: “نحن وروسيا شريكان في اقتراح تمديد اتفاق (أوبك بلس) وزيادة الإنتاج، وهناك آلية متبعة للتظلمات، أما الانتقائية فصعبة، ولا أعرف أن أي دولة اعترضت على حصتها في اجتماع مارس/ آذار 2020”.
وفي المقابل، قال وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي، سهيل المزروعي، خلال تصريحات صحفية في 4 يوليو/ تموز 2021، إنّ “مطلب الإمارات هو العدالة فقط بالاتفاقية الجديدة ما بعد أبريل/ نيسان 2020”.
وأكد أن “هذا حقنا السيادي أن نطلب المعاملة بالمثل مع باقي الدول”.
وحين انخفض الطلب العالمي على النفط بسبب جائحة كوفيد-19، عقدت “أوبك بلس” اجتماعا طارئا في أبريل/ نيسان 2020، هدفه خفض إنتاج الذهب الأسود لمنع سعره من الانهيار، ثم زيادة الإنتاج تدريجيا.
توصل الاتفاق وقتها لخفض إنتاج النفط بين دول “أوبك بلس” 10 ملايين برميل يوميا، بدء من مايو/أيار 2020، ولمدة شهرين، ثم 8 ملايين برميل يوميا لمدة 6 أشهر حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2020، ثم 6 ملايين برميل بداية من 2021 وحتي أبريل/نيسان 2022.
كما توصل الاتفاق أن يجري احتساب التخفيضات مقارنة بإنتاج كل دولة في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، ما عدا روسيا والسعودية اللتين احتسبا نسبة الخفض من 11 مليون برميل.
تصدّع التحالف
وفي قراءة للأزمة الحالية وانعكاساتها على العلاقة بين البلدين، قال خبير النفط، ممدوح سلامة، في تصريحات صحفية يوم 5 يوليو/ تموز 2021، إنه قبل جائحة كورونا كانت حصة الإمارات من إنتاج النفط المحددة لها من “أوبك بلس” تفوق 3 ملايين برميل يوميا، وبعد قرار التخفيض صارت تنتج 600 ألف برميل فقط.
ورأى سلامة أنه حال أعطيت الإمارات الرقم الذي تطالب به من حصة الإنتاج النفطي، فإن دولا أخرى كالعراق ونيجيريا ستطالب أيضا بحصة أكبر، وهذه نقطة الخلاف الرئيسية، على حد قوله.
لكن الخبير النفطي قلل من عمق المشكلة، واصفا إياها بـ”خلاف بين أشقاء”، متوقعا حلها في أسرع وقت ممكن، إلا أنه أشار إلى أن هذا الخلاف سيؤدي إلى ارتفاع في سعر برميل النفط، سواء تم حله اليوم أم لا.
وأوضح قائلا: “أي اتفاق جديد يقابله ارتفاع في الأسعار باعتبار أن السوق العالمي يتوقع من (أوبك بلس) أن ترفع إنتاجها قليلا؛ لأن الرفع يكشف عن ثقة أوبك في ارتفاع الطلب العالمي وبالتالي ارتفاع الأسعار”.
وفي المقابل، رأى المحلل السياسي، جو معكرون، في تصريحات صحفية يوم 7 يوليو/ تموز 2021، أن “هناك تراكمات في العلاقات السعودية-الإماراتية منذ حوالي عامين، وبدأت تظهر علنا في المرحلة الأخيرة، في ظل احتدام التنافس الاقتصادي والتناقض بين البلدين في الخيارات الاستراتيجية”.
ورجح معكرون، بأن “هذا الخلاف سيظل مضبوط الإيقاع، ولكن التنافس سيستمر في المدى المنظور، والتحدي الذي تواجهه الدولتين هو في إدارة الخلاف بينهما بسلاسة أكبر، وفي إعادة بناء الثقة بين قيادة البلدين”.
لكنه المحلل السياسي أكد أن “التحالف بين البلدين دخلت عليه تصدعات؛ نتيجة ما جرى في اليمن والمصالحة السعودية-القطرية، والتطبيع الإماراتي-الإسرائيلي.
وأوضح أنه “بالتالي مصالحهما الاستراتيجية لم تعد مشتركة، بل أحيانا متناقضة، والاتجاه في المرحلة المقبلة أن يكون لكل منهما سياسة منفصلة في القضايا الرئيسية”.
وأكد أن “هذا لا يعني انتهاء التواصل أو التحالف بشكل مطلق بين الطرفين”.
ورجح معكرون بأن الخلافات بينهما “لن تتجاوز الخطوط الحمراء، وستبقى مضبوطة الإيقاع، إلا أن صلابة هذا التحالف اهتزت، ولن تعود إلى ما كانت عليه”.
ولفت إلى أن “السعودية حاليا تهادن خصومها الإقليميين ومنهم تركيا”، مرجحا بأنها ستستمر في هذه المقاربة على المدى المنظور، بغض النظر عما يطرأ في علاقاتها مع الإمارات.
منافسة عميقة
من ناحية أخرى، قالت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، عبر تحليل لها في 5 يوليو/ تموز 2021، إن هذا الخلاف هو إشارة لعمق المنافسة بين البلدين لتأمين أهدافهما الربحية من النفط خلال الـ10 سنوات القادمة.
وأشارت الصحيفة إلى أن “الصراع القوى بين أعضاء أوبك الآن يهدد قدرة المنظمة بالتوحد على المدى الطويل، وتحقيق الاستقرار في أسعار النفط”.
محللون، قالوا للصحيفة الاقتصادية إن هذا هو أول خلاف بين الإمارات والسعودية داخل المنظمة منذ 40 عاما.
في حين أشارت الصحيفة إلى أن الخلاف جزء من منافسة اقتصادية بين البلدين تجسدت بأشكال أخرى في الماضي.
وتحدثت عن قرار السعودية بحرمان الشركات متعددة الجنسيات من الحصول على العقود الحكومية المربحة إذا لم تنقل مقرها الرئيسي إلى الرياض.
واصفة القرار بأنه يعد “هجوما ضمنيا” على دبي، العاصمة التجارية للإمارات، طبقا للصحيفة.
وفي هذا السياق، قال المستشار السابق لمكتب رئيس الوزراء الإماراتي، مروان البلوشي، لصحفية “فايننشال تايمز”، في 5 يوليو/ تموز 2021، إنه في حين كونت الإمارات والسعودية “توافقا إستراتيجيا” في العقد الماضي، فإن “المنافسة الاقتصادية تتصاعد بين دول الخليج”.
وعلى الصعيد ذاته، قال الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، إن “المنافسة الاقتصادية التي تدب في العلاقة بين أكبر اقتصادين عربيين مرشحة بقوة للاشتداد”.
عبد الله- المستشار السابق لولي العهد الإماراتي محمد بن زايد- وفي تصريح صحفي في 6 يوليو/ تموز 2021، أكد أن “الإمارات تجهر برأيها… لكن العلاقة قوية والقيادة تعرف كيف تحل القضايا”.
أما الأكاديمي البريطاني والخبير في شؤون الخليج، كريستوفر ديفيدسون، قال في تصريحات صحفية يوم 6 يوليو/ تموز 2021 إنه “في حين أن القضايا الاقتصادية قد تشهد مزيدا من الخلافات العلنية، فمن المتوقع أن تواصل الرياض وأبو ظبي التعامل بحذر أكبر مع المسائل السياسية للحفاظ على صورة الوحدة”.
خلاف أبعد
ومع اندلاع الأزمة بين البلدين، حذرت السعودية، الشركات الأجنبية من خسارة عقود حكومية إذا لم تنشئ مقرات إقليمية في أراضيها بحلول عام 2024.
وفي تحد آخر لوضع الإمارات كمركز للتجارة والأعمال في المنطقة، عدلت في 1 يوليو/ تموز 2021 قواعد الواردات من الدول الخليجية لاستبعاد السلع المصنوعة في المناطق الحرة، وهي محرك رئيسي لاقتصاد دبي.
وكذلك يبدو أن الأزمة لم يفجرها النفط فحسب، فقد نشرت وكالة “رويترز” تقريرا تحليلا في 16 فبراير/ شباط 2021، بعنوان “السعودية تتطلع لانتزاع التاج من دبي من خلال إنذار لنقل المقر”.
وأوضحت أن “السعودية زادت الرهانات في منافسة مع دبي التي تنطلق بأقصى سرعة لاجتذاب المواهب والأموال الأجنبية”.
ونقلت الوكالة عن وزير المالية السعودي، قوله إنه اعتبارا من 2024، ستتوقف الحكومة السعودية عن منح عقود حكومية لأي شركة أو مؤسسة تجارية أجنبية لها مقر إقليمي بمنطقة الشرق الأوسط في أي دولة أخرى غير المملكة.
الإجراء هو أحدث محاولة من جانب المملكة، وهي دولة محافظة دينيا، لإعادة تشكيل نفسها كمحور مالي وسياحي تحت قيادة الحاكم الفعلي ولي العهد محمد بن سلمان.
لكن لن يكون من السهل تحدي هيمنة دبي في دولة الإمارات المجاورة باعتبارها العاصمة التجارية والمالية للمنطقة، بحسب “رويترز”.
ومع امتلاكها القليل من الثروة النفطية التي لدى جيرانها، بنت دبي اقتصادها على ما تتمتع به من مؤهلات كساحة مفتوحة أمام الأعمال والوعد بنمط حياة براق للمغتربين الأثرياء.
ونقلت “رويترز” عن راشيل زيمبا، من مركز الأمن الأميركي الجديد للبحوث، أنه “تحد جديد للأعمال في الإمارات، لاسيما دبي، رغم أن بيئة التشغيل الفائقة والبيئة القانونية والتسهيلات (هناك) تشير إلى أن الشركات ربما تستمر في أن تكون لديها مكاتب في أرجاء المنطقة”.
لكن الإمارات تأخذ على محمل الجد التهديد القادم من السعودية، أكبر اقتصاد عربي وأكبر مصدر للنفط في العالم.
وتحركت الإمارات بالفعل لجعل البلاد أكثر جاذبية للشركات الأجنبية، بما يشمل السماح للمغتربين بالطلاق، والعيش معا في أماكن السكن، وتناول المشروبات الكحولية دون رخصة.
وقال المدير العام السابق للدائرة المالية في دبي، ناصر الشيخ، إن تحرك الرياض يتناقض مع مبادئ السوق الخليجية الموحدة.
وكتب عبر “تويتر” بعد الإعلان السعودي في فبراير/ شباط 2021: “التجارب العالمية والتاريخ أثبتا أن الجذب القسري غير مستدام”.
وإلى جانب الإنذار، تقدم السعودية أيضا للشركات التي تؤسس مقرات إقليمية في الرياض إعفاء كاملا من الضرائب على الشركات لمدة 50 عاما.
وهو إعفاء مشروط بتوظيف سعوديين لما لا يقل عن 10 سنوات، وأفضلية محتملة في مناقصات وعقود الكيانات الحكومية، وذلك بحسب نشرة (استثمر في السعودية) التي تشرف عليها وزارة الاستثمار.
وأظهرت النشرة أن الشركات ستحصل على خدمات إعادة تموضع وإصدار أسرع للتراخيص وقواعد ميسرة لتصاريح العمل للأزواج.
وزير المالية السعودي محمد عبد الله الجدعان، قال لـ”رويترز” إن بعض القطاعات ستُعفى أيضا من قرار ربط العقود الحكومية بتأسيس مقرات إقليمية. ومن المقرر أن تصدر قواعد مفصلة قبل نهاية 2021.
وامتنعت بنوك أجنبية، تتخذ من مركز دبي المالي العالمي مقرا لها مثل “إتش.إس.بي.سي”، و”جيه.بي مورجان”، و”سيتي جروب”، عن التعقيب.
لكن فتح مكتب في الرياض سيكون له مغزى إستراتيجي لشركات التكنولوجيا التي تتنافس على الأعمال، بينما يمضي ولي العهد السعودي، قدما في خطط لمنطقة أعمال بتكلفة 500 مليار دولار على البحر الأحمر.
ونقلت “رويترز” عن سام بلاتيس الرئيس السابق للعلاقات الحكومية في جوجل لمنطقة الخليج، والرئيس التنفيذي لمينا كاتاليستس للاستشارات، قوله: “التوسع في السعودية طريقة لتحريك قطع الشطرنج لشركة ما في الشرق الأوسط.. إنها إستراتيجية”.