لا أحد ينافس المستشار السعودي تركي آل الشيخ، المسؤول عن الترفيه في المملكة، على تلقي الانتقادات من أبناء جلدته إلا هو ذاته، وكأنه يعيش تحدياً مع نفسه ليحقق رقماً قياسياً في أكبر موجة حقد شعبي يتلقاها شخص واحد!
فهذا الشخص الذي ما إن يلج أحدهم على موقع “جوجل” ويكتب اسمه حتى تتوالى الأخبار التي تتحدث عن ارتباطه بقضايا في محاكم، ومشاكل هنا وهناك، مع رياضيين وفنانين، ووسوم على منصات التواصل الاجتماعي تدينه وتكيل له اتهامات شتى، ليكتشف أن موجات من الكره والحقد السعودية والعربية أيضاً تلاحقه.
آخر موجة كره تلقاها المستشار السعودي المقرب من ولي العهد محمد بن سلمان، ظهرت منذ مساء الأحد (13 أكتوبر الجاري)، حين نشرت ملكة جمال لبنان السابقة، الإعلامية أنابيلا هلال، فيديو لها برفقة تركي آل الشيخ.
ما أثار استياء السعوديين هو تغزل آل الشيخ بـ”أنابيلا”، إذ قال لها: “لو منتي حلوة ما سويت معك إنترفيو”، في وقت توصف فيه نشاطاته الانفتاحية بـ”الانفلات”.
وجود الإعلامية اللبنانية في السعودية كان للمشاركة في فعاليات “موسم الرياض”، ونشرت عبر حسابها في فيسبوك مجموعة من الفيديوات برفقة مشاهير عرب وأجانب.
السبب الذي أثار السعوديين هو أنهم يعتبرون أن مثل هذه العبارة لا يليق بمسؤول مهم في الدول أن ينطق بها، فضلاً عن أنها تعتبر “تحرشاً” بالنساء في معايير الثقافة السعودية، في وقت يتبنون على منصات التواصل ووسائل الإعلام حملة لوقف التحرش وردع المتحرشين.
ويظهر هذا عبر وسم “#متحرش_ياللعار”، إذ يعبر سعوديون وسعوديات، عن رغبتهم في القضاء على التحرش، لكي تنال النساء والفتيات حريتهن في الحركة في الأسواق والمناطق الترفيهية والشوارع من دون أن يتعرض لهن متحرشون بالإساءة اللفظية أو غيرها من ممارسات التحرش.
لكن من هذا الذي يقف بوجه تطلعات السعوديين، وسعيهم لجعل البلد خالياً من المتحرشين؟ هذا السؤال يجيب عنه السعوديون أنفسهم، إذ يرون أن ما يفعله تركي آل الشيخ من خلال الحفلات الموسيقية والغنائية الصاخبة والمختلطة التي يحييها مغنون أجانب هو ما يشجع على التحرش والانفلات.
ما يؤكد أن “آل الشيخ” ينتهج سلوكاً خاصاً لا يتأثر فقط بانتقادات مواطني بلده، بل برغبتهم ومحاولتهم للحفاظ على تقاليدهم وعاداتهم المحافظة، التي تميزوا بها، أنه تلفظ بعبارة تحرش قاصداً ملكة جمال لبنان السابقة أمام الكاميرا، في وقت يحشد السعوديون عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمحاربة التحرش.
مقطع الفيديو هذا كان مثل مقاطع فيديو وصور وعبارات للمسؤول السعودي نفسه، تناولها السعوديون على مواقع التواصل مستنكرين ما تطرحه.
ولكونه يتولى منصباً رسمياً رفيعاً، يجب على تركي آل الشيخ أن يتحلى بأخلاق رفيعة تتناسب ومركزه الحساس. هذا ما يراه بعض المعلقين.
بين السعوديين من دعا لـ”آل الشيخ” بالهداية وحسن الخاتمة، في دليل على اعتقادهم بأنه على ضلال، وآخرون كان استياؤهم يعبرون عنه بأسلوب ساخر.
تراكمات متجددة
مقطع فيديو رئيس هيئة الترفيه، الذي أثار استياء السعوديين، جاء بعد ستة أيام من إعلانه انفتاحاً جديداً في مجال لباس المرأة.
حيث كشف آل الشيخ، المدعوم من ولي العهد محمد بن سلمان، عن موعد أول عرض أزياء نسائي في المملكة خلال “موسم الرياض”، يعتبر قياساً بالزي الرائج في السعودية “غير محتشم”.
ونشر آل الشيخ، الاثنين (7 أكتوبر الجاري)، على صفحته الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، فيديو ترويجياً للإعلان الرسمي عن عرض الأزياء وعلق عليه: “موسم الرياض.. جاهزين يا بنات؟”.
وفي 3 أكتوبر الجاري، برز على منصة “تويتر” وسم حمل عنوان “#اعفاء_تركي_آل_الشيخ_مطلب_الشعب”.
ودُشن الوسم بعد اعتراضات من نشطاء على فعاليات موسم الرياض التي تنظمها هيئة الترفيه، وفي دليل على عدم تأثره بالانتقادات اللاذعة التي تصل إلى حدّ الإهانة، أعاد تركي آل الشيخ نشر بعض هذه التغريدات الواردة على هذا الوسم على صفحته الرسمية عبر “تويتر”!
دعم ولي العهد
وفي محاولته الساعية لإحداث تغيير بالمملكة فرض محمد بن سلمان، منذ توليه ولاية العهد، في يونيو 2017، حالة جديدة غير مسبوقة في المجتمع ببلاده؛ تجسّدت في انفتاح هائل بمجالات الموسيقى والغناء والمرأة، في حين قيّد من جانب آخرَ الأصوات التي ترفض هذا الانفتاح.
وسريعاً كان انتشار حفلات الرقص المختلط في السعودية، التي وصفتها شبكة “بلومبيرغ” الأمريكية، في تقرير سابق لها، بأنها محاولة لإخفاء “الجانب المظلم” لولي العهد السعودي.
المملكة، ومن بين أبرز مشاهد الاختلاط غير المسبوقة، شهدت عدة حفلات صاخبة لنجوم ونجمات غناء أجانب، في حين ظهرت فتيات سعوديات في حالةٍ رَفَضَها السعوديون، بحسب ما عبّروا عنه في مواقع التواصل الاجتماعي؛ إذ كنّ يرقصن ويتمايلن مع الموسيقى.
كل تلك الحفلات والمناسبات الغريبة عن المجتمع السعودي كان يقف خلفها تركي آل الشيخ، الذي يعتبر أحد أبرز المقربين من ولي العهد، والمحقق لطموحاته في الانفتاح.