لِم تقتلون الحُرّ دون جريمة قتلاً بطيئاً دونه الإعدامُ
اعقد مُحاكمتي علانية وقُل هذا المواطنُ مُفسدٌ هدَّامُ
وأقِم لدعواك الدليل ولن ترى بصحائفي يوماً عليه قتامُ
الخير فيَّ وفي الفؤادِ محبة للمسلمين وللجميع سلامُ
هذه أبيات من قصيدة طويلة شجيّة، لفَظَها قلب دامٍ مكلوم بعد أزيد من خمسة عشر عاماً في السجن بلا ذنب. إنها كلمات د. سعود الهاشمي، أول رمز حقوقي نتناوله في هذه السلسة، وهو أحد أبرز الإصلاحيين والمدافعين عن حقوق الإنسان في السعودية وأحد السجناء المنسيين. رمزنا هو أحد الأبطال الذين جهروا بما يريدون ودعوا إليه بوعي ومعرفة بكل نتائج ما قد تؤول إليه الأمور. ولا يخفى على أحد النهج الاستبدادي الذي تتخذه الحكومة السعودية ضد الناشطين الحقوقيين ودعاة الإصلاح السياسي والاجتماعي، وهذا النهج لا يتورع عن انتهاك حرمات الأفراد وخصوصياتهم العائلية والشخصية، ومحاولة تشويه صورتهم في نفس المجتمع الذي كان هؤلاء الناشطين يوما ما يسعون للنهوض به وحماية حقوقه.
في هذا التقرير المفصل، سوف نسعى للتعرف على الدكتور الهاشمي، حياته وشخصيته، وأبرز المحطات في حياته، كما سنلقي الضوء عن الأسباب التي أدت إلى اعتقاله وعن الظروف القاسية التي عايشها وما زال يعاني منها.
حياته وشخصيته
سعود بن حسن بن محمد الهاشمي المعروف بـ سعود مختار، هو داعية ومفكر يرجع نسبه إلى بني هاشم، ولد في شهر مايو 1964 في مدينة جدة. تخرج الهاشمي كطبيب عام بدرجة امتياز عام 1988م من جامعة الملك عبد العزيز بجدة، ثم حصل على درجة الدكتوراه في تخصص طب الأسرة والمجتمع عام 1993م من جامعة الملك فيصل بالخبر. متزوج وله 9 أبناء، معتقل منذ فبراير 2007. كان إماما وخطيباً لجامع عثمان بن عفان في مدينة جدة، وقد مُنع من الخطابة في 2005 قبل اعتقال بسنتين تقريبا. كما كانت خطبه الذي تناول فيها الشأن الحقوقي والإصلاحي –بالإضافة إلى أنشطته الأخرى– أحد الأسباب التي أدت إلى اعتقاله.
يعد الهاشمي أحد أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان، كما اشتهر بمناصرته للقضية الفلسطينية، كما كان على رأس وفد طبي شارك في علاج أطفال العراق إبان الغزو الأمريكي في 2003، وتلقى تكريماً من عدد من الأمراء بعد عودته من بغداد. حصل الهاشمي على شكر خاص من وزير الإعلام آنذاك فؤاد الفارسي بتوصيه من الأمير نايف لمساعدته في حملة جمع التبرعات للشعب العراقي خلال حرب العراق. ولكن المفاجأة أن هذا النشاط كان أحد التهم الموجه له بعد اعتقاله! كما كان للهاشمي مشاركات في مؤتمر الفكر العربي بتنظيم مؤسسة الفكر العربي والذي يشرف عليها الأمير خالد الفيصل، كما شارك الهاشمي في حلقات الحوار الوطني، بالإضافة إلى نشاطاته واتصالاته مع العديد من الشخصيات الحكومية. فنحن لا نتحدث هنا عن شخصية مجهولة أو ناشط يعمل في الخفاء أو معارض يدعو إلى العنف والخروج على النظام، بل نتحدث عن رمز حقوقي فاعل، له حضوره في الأحداث الوطنية والإقليمية، كما أنه لا يخفي ما يدعو إليه عن أعين الحكومة وأجهزتها. كما كان د. الهاشمي من المؤمنين بضرورة المشاركة الإعلامية وحوار العقول والقلوب لصالح قضايا العدل والحقوق. بالإضافة إلى مشاركاته الإعلامية الكثيرة وإدارته لندوات حوارية حول الإصلاح والحقوق بالسعودية.
قصة اعتقاله وقضية إصلاحيي جدة
بعد سلسلة من حملات التشويه والتخويف والتهديد الرسمي وغير الرسمي، وجلسات طويلة من التحقيق والتي كانت استفزازية، حسب الهاشمي، وتنتهك الحقوق الأساسية للفرد من خلال التدخل في شؤونه الخاصة جدا، بعدها اعتقل الهاشمي في مساء الجمعة 2 فبراير 2007 بعد أن اتصل بأهله مخبرا إياهم أنه سيأتي إليهم في الساعة 11 وانقطع به الاتصال بعدها. ولما حاول أخوه السؤال عنه والدفاع عن تفتيش منزل أخيه دون أمر أو مذكرة تفتيش رسمية اعتقل هو الآخر أيضا. ثم اقتحموا منزل الهاشمي عنوة وقاموا بتفتيش البيت ومصادرة الكثير من الأغراض كما هي عادة الأجهزة الأمنية. ولم تتوقف من حينها محاولات تخويف وترهيب أهله من خلال تجاهل اتصالات أهله، أو إنكار معرفتهم بحاله ومكانه.
ويرتبط اعتقال الهاشمي بشكل مباشر بما يسمى بقضية ”إصلاحيي جدة“، حيث اعتقل الهاشمي مع 9 نشطاء حقوقيين آخرين منهم الشيخ موسى القرني، والذي وافته المنية في سجنه مؤخرا بعد إهمال طبي متعمد وقتل بطيء ممنهج. ومنهم القاضي السابق والمحامي سليمان الرشودي ود.عبد العزيز الخريجي ود.عبد الرحمن الشميمري وعبد الرحمن صديق خان وعصام بصراوي وغيرهم في استراحة بمدينة جدة وكانت هذه المجموعة قد التقت بشكل معلن من أجل صياغة بيان إصلاحي حقوقي يوجه مباشرة للملك يطالبون فيه بالحقوق السياسية للشعب السعودي. حينها، قامت وسائل إعلام سعودية حكومية وشبه حكومية بمحاولة تشويه صورة هذه الكوكبة من العلماء والناشطين حيث اتهموا بتمويل أعمال عنف في العراق والتخطيط لإنشاء حزب سياسي! لكن منظمة العفو الدولية أكدت أن اجتماعاتهم كانت لتأسيس جمعية حقوق إنسان ولصياغة عريضة تدعو للإصلاح السياسي فحسب. ويتفق الإصلاحيون المعتقلون على رفض جميع أشكال العنف ضد السلطة، ويرون الحل في توفير حياة سياسية حقيقية في ظل وجود العائلة الحاكمة. وفي نوفمبر 2011 وبعد 35 جلسة محاكمة مع أفراد المجموعة بما فيهم الهاشمي، حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة بإدانتهم جميعا وسجنهم بما مجموعه 228 سنة ومنع السعوديين منهم من السفر بعد انتهاء مدة السجن بنفس المدة وترحيل غير السعوديين بعد انتهائها.
محاكماته وظروف سجنه
في بداية قصة اعتقال د. الهاشمي، تعرض للاخفاء القسري لأكثر من خمسة اشهر من اعتقاله حيث لم يعلم أهله والمقربين منه أي أخبار عنه. كما تعرض للتعذيب طوال فترة اعتقاله. وقد نُشرت رسائل من والدته وزوجته وأخواته وبناته تحكي عظيم المعاناة التي يعيشها هو. وأوضحت منى، شقيقة د. سعود، أن الزيارة منعت عن شقيقها لفترات طويلة، مشيرةً إلى أن والدتها لم تزر نجلها منذ سنتين بسبب تدهور وضعها الصحي، ما اضطرها للخروج بفيديو ناشدت خلاله المسؤولين بالسماح لها برؤية ابنها قبل الموت، الأمر الذي لم يتم الاستجابة له، حيث وافتها المنية في 2014.
ظل د. سعود مختار دون محاكمة مدة طويلة، قضاها في الحبس الانفرادي، ثم تتالت جلسات التحقيق الطويلة والمحاكمات العبثية مع د. الهاشمي، وقد أبلغ القاضي أكثر من مرة بأنه تعرض للتعذيب ولكن القاضي رفض النظر في مزاعم التعذيب، رافضا توجيه أوامره بإجراء تحقيق بهذا الشأن. حكم على الهاشمي في نوفمبر 2012 أي بعد 5 سنوات من السجن بموجب تلك الاتهامات بـ30 سنة سجن ومنع من السفر ثلاثين سنة أخرى ومليونين ريال غرامة.
في 2018 كشفت شقيقة المعارض السعودي المعتقل الدكتور سعود الهاشمي، عن تعرضه لـ“تعذيب نفسي” داخل سجنه. وقالت شقيقته في تغريدة عبر حسابها في تويتر (حُذف الحساب لاحقا): “زرنا أخي اليوم وهو في حالة غير جيدة، ويعاني من التعذيب النفسي، ومضرب عن الطعام“. وحملت في تغريداتها المسؤولية عن حياته للجهات الأمنية في حال حدث شيء له نتيجة إضرابه وسوء معاملته داخل السجن. قضى د. سعود مختار سنين عدة من حكمه في السجن الانفرادي، كما مُنع من زيارة أهله له لأكثر من سنتين بعد اعتقاله، ثم سمحت الزيارة له مرة في الشهر. وقد تردت حالته الصحية في السجن وأجريت له عمليتين جراحيتين خلال اعتقاله نظراً للظروف الصحية المتردية. وقالت تقارير إن الهاشمي، 57 عاما حاليا، أصيب قبل أعوام بجلطة، في السجن سيء السمعة ذهبان بجدة، بعد حرمانه من التغذية الجيدة والرياضة وتلقي العلاج.
ختام
إن حق د. سعود مختار الهاشمي التكريم وأن يكون أحد أعلام هذا الوطن الذي طالما اعتز به كثيرا وناضل من أجل حريات وحقوق. لم يكن د. الهاشمي يوما يدعو للعنف أو العمل ضد أمن واستقرار البلاد، بل كان أحد دعاة العدل والحرية ودولة الحقوق والمؤسسات. إن الإهمال الطبي الممنهج والتعذيب الجسدي والنفسي للمعتقلين، وخاصة د. الهاشمي، هو أحد الطرق التي تحاول بها الحكومة السعودية كتم وقمع أصوات المطالبين بالحرية وحقوق الإنسان. كما تعول هذه الحكومات الاستبدادية على نسيان الشعب السعودي لأبطاله الحقيقين القابعين خلف القضبان من خلال تلك الممارسات. فبعد وفاة د. عبد الله الحامد والكاتب صالح الشيحي، ومؤخرا وفاة الشيخ موسى القرني في السجن قبل أشهر هي ناقوس خطر يهدد بقية المعتقلين في السجون السعودية، وعلى رأسهم د. سعود مختار الذي يقضي في السجن عامه الخامس عشر في ظروف مزرية وإهمال صحي ونفسي ممنهج.