علّق صندوق الاستثمارات العامة السعودي خططا لتأخير سداد قروض حصل عليها من البنوك عام 2019 بقيمة 10 مليارات دولار؛ وهو ما أثار تساؤلات حول سر تراجع الصندوق عن الخطوة.
ووفقا لمصادر صحفية، فإن بعض البنوك الدائنة أبدت تحفظات على الطلب السعودي، بينها “بنك أوف أمريكا” و”إتش.إس.بي.سي” و”جيه.بي مورغان”.
وكان صندوق الاستثمار العام في المملكة قد أعلن في وقت سابق نيته طلب تعليق سداد هذه القروض، بسبب الأزمة الاقتصادية التي يعانيها إثر تعثر صفقة شراء عملاق النفط “أرامكو” لحصة الصندوق في شركة البتروكيماويات السعودية “سابك”.
وكان من المقرر أن تدفع “أرامكو” مبلغ 25 مليار دولار للصندوق هذا العام وفقا لشروط استحواذها على الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)، إلا أن شركة النفط السعودية باتت تتطلع لإعادة هيكلة الاتفاق بعد انخفاض قيمة “سابك” على أثر انهيار أسعار النفط العالمية.
بخلاف ذلك، أنفق صندوق الثروة السعودي مليارات الدولارات هذا العام لشراء أسهم شركات في الخارج، انهارت أسعارها جراء أزمتي النفط وتفشي فيروس كورونا المستجد؛ ما أدى إلى خسارة السعودية نحو 51 مليار دولار من أصولها الاحتياطية خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري.
الأصول الاحتياطية
وكان تفشي فيروس كورونا قد زاد من وطأة الضغوط المالية التي تتعرض لها السعودية، بعدما تسبب في خسائر فادحة لاستثمارات خارجية تبناها ولي عهد المملكة “محمد بن سلمان” خلال السنوات الأخيرة، ليسجل مايو/أيار الماضي وحده تراجعاً في الأصول الاحتياطية للمملكة بنحو 24.8 مليار دولار، وهو تراجع ينذر – في حال استمراره – بخسارة المملكة كل ما راكمته من أموال على مدار عقود في خزائنها في غضون سنوات معدودة.
ومن أبرز هذه الخسائر، ما أعلنته مجموعة “سوفت بنك” اليابانية، في 18 مايو/ أيار الماضي، من تسجيل خسائر تشغيلية سنوية بقيمة 1.9 تريليون ين (18 مليار دولار) لصندوق “رؤية” العملاق التابع لها، الذي تساهم فيه السعودية بحصة كبيرة تقارب النصف، إضافة إلى خسارة بقيمة 7.5 مليارات دولار في استثمارات أخرى بقطاع التكنولوجيا.
بخلاف ذلك، خسر صندوق الاستثمار العام حوالي 10 مليارات دولار أخرى بسبب تهاوي أسهم شركتي “وي ورك” و”أوبر تكنولوجيز”، فيما انخفضت قيمة استثمارات الصندوق البالغة 75 مليار دولار، في 88 شركة ناشئة، إلى 69.6 مليار دولار بنهاية مارس/ آذار.
وفي ضوء هذه الخسائر، فإن تحقيق الصندوق لهدفه بزيادة حجم أصوله المدارة إلى 400 مليار دولار بنهاية هذا العام بات أمرا بعيد المنال، وهو ما يضع المزيد من الضغوط على رؤية ولي العهد الاستراتيجية لتحويل الاقتصاد السعودي.
قروض إضافية
وإزاء ذلك، زادت السعودية من وتيرة الاقتراض الخارجي، وطرحت سندات دولية في أبريل/ نيسان الماضي بقيمة 7 مليارات دولار بفائدة مرتفعة كثيراً عن باقي دول الخليج، وتبنت داخليا إجراءات وصفها وزير المالية “محمد الجدعان” بـ”المؤلمة”، ومنها إيقاف بدل غلاء المعيشة ورفع نسبة ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 15%.
وهناك مؤشرات على أن الإجراءات التقشفية قد تطال رواتب الموظفين السعوديين، حيث كشفت الحكومة عن “تشكيل لجنة وزارية لدراسة المزايا المالية التي تصرف لجميع العاملين والمتعاقدين”، وينتظر أن تعلن اللجنة نتائج عملها خلال أيام.
في ضوء ذلك، اعتبر تحليل أوردته صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، في 1 يونيو/حزيران الجاري، أن مخاطرة “بن سلمان” بالاحتياطات السيادية من أجل موارد غير متيقنة “هي لعبة مقامرة عالية الرهانات لم يلعبها أحد من قبل”، مشيرة إلى أن الاقتصاديين ينصحون بأن تحافظ المملكة على احتياطاتها الأجنبية فوق 300 مليار دولار، للمحافظة على قيمة الريال أمام الدولار الأمريكي.
سياسات متضاربة
ورغم تحذيرات الخبراء وسياسات التقشف، تواصل المملكة الإنفاق بسخاء على مجالات غير ذات أولوية في وقت الراهن، حيث أشارت صحف أمريكية مؤخرا إلى نية المملكة شراء صواريخ موجهة بقيمة 478 مليون دولار من الولايات المتحدة.
في السياق ذاته، نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مشرّعين أمريكيين أن إدارة الرئيس “دونالد ترامب” تتجه لإبرام صفقة الأسلحة الجديدة مع الرياض رغم المعارضة الواسعة لها بالكونغرس.
ويشدد المحلل السابق في الاستخبارات الأمريكية والزميل في مركز القرن الحادي والعشرين للأمن والاستخبارات ومركز سياسة الشرق الأوسط “بروس ريدل”، في مقال نشره بموقع مركز “بروكينغز”، على ضرورة “تخفيف (السعودية) النفقات على جيش لا يستحق كل المال الذي ينفق عليه” في ظل عدم قدرته على حسم أي مواجهة عسكرية يخوضها، كما جرى في اليمن،
من هنا كان تحفظ البنوك الأجنبية على الطلب السعودي لتأخير سداد الـ 10 مليارات دولار، في مناقشات غير رسمية مع صندوق الاستثمارات العامة، حسبما نقلت “رويترز” عن مصادرها.
ورغم أن المصادر أفادت بأن تحفظ البنوك لا يعني الرفض، إلا أن آثاره السلبية دفعت صندوق الاستثمارات العامة للتراجع عن الطلب؛ تفاديا لتداعيات قد تفضي إلى تأثير سلبي على علاقات السعودية بأسواق التمويل الدولية.