قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حسن نافعة، إن “الأمور تبدو مهيأة الآن لنهوض عربي جديد، لكن شروطه لم تنضج بعد، وملامحه لم تتضح بشكل جلي”، لافتا إلى أن المحاولات الرامية لتشكيل “الناتو العربي” في مواجهة إيران وتصفية القضية الفلسطينية تتعثر بشدة، ويبدو أنها في طريقها للفشل.
ورأى نافعة، في الحلقة الثانية من مقابلته الخاصة مع “عربي21” أن قضية خاشقجي سيكون لها تأثيرات على النظم الملكية في منطقة الخليج العربي قد تضاهي أو تتجاوز التأثيرات التي تعرضت لها النظم الجمهورية في العالم العربي عقب إقدام البوعزيزي على إحراق نفسه في ميدان عام بتونس.
وذكر أنه “لم يعد هناك أي شك في أن محمد بن سلمان هو من أمر بقتل خاشقجي، وأن ترامب سيستميت لإنقاذه لأسباب تتعلق بإسرائيل أكثر مما تتعلق بالابتزاز المالي، لكني على يقين أنه سيفشل في النهاية. وإذا لم تسارع أسرة آل سعود بتنحية ولي العهد فستصبح المملكة في مهب الريح”.
وأكد نافعة أن “انتخابات التجديد النصفي الأمريكية سيكون لها تداعيات مؤكدة على الأوضاع بمصر، ولكن بطريقة غير مباشرة، خاصة بعد تفجر قضية خاشقجي”، مضيفا :”إذا نجحت الأسرة المالكة بالسعودية في تغيير ولي العهد الحالي فمن المؤكد أن مجمل السياسات الخارجية السعودية، ومن بينها سياستها تجاه مصر، ستشهد تغييرا كبيرا وإن بطريقة متدرجة”.
وفيما يلي نص الحلقة الثانية من المقابلة:
هل انتخابات التجديد النصفي الأمريكية وما جرى مع الصحفي السعودي جمال خاشقجي قد يكون لها تداعيات على الأوضاع بمصر؟
سيكون للنتائج التي أسفرت عنها هذه الانتخابات تداعيات مؤكدة على الأوضاع في مصر، ولكن بطريقة غير مباشرة، خاصة بعد تفجر قضية خاشقجي التي سيكون لها تداعيات خطيرة بالنسبة لنظام الحكم في السعودية.
صحيح أن الحزب الجمهوري احتفظ بأغلبيته في مجلس الشيوخ، بل وعززها بعض الشيء، لكنه فقد الأغلبية التي كان يتمتع بها في مجلس النواب، لذا أصبحت قدرة ترامب على حماية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعد انتخابات التجديد النصفي أقل مقارنة بما كان عليه الحال قبل تلك الانتخابات.
ومع ذلك لا يمكن التنبؤ بردود أفعال ترامب لأنه شخصية غير تقليدية، ومن ثم فليس من المستبعد أن يتمسك بولي العهد الحالي حتى النهاية، لكن هل يستطيع؟ أشك كثيرا؛ فجريمة اغتيال خاشقجي تثير غضب الكثيرين داخل صفوف الحزبين الجمهوري والديمقراطي معا، ومن ثم فمن المتوقع أن تتعرض السعودية بسبب هذه الجريمة لضغوط كبيرة يصعب التكهن بحجمها وتأثيراتها منذ الآن، فإذا نجحت هذه الضغوط في إزاحة محمد بن سلمان وتولية ولي عهد جديد فسيكون لذلك تداعياته على مجمل السياسات السعودية تجاه المنطقة، ومن بينها سياستها تجاه مصر بطبيعة الحال، حيث أنها ستشهد تغيرا كبيرا وإن بطريقة متدرجة.
لكن يتعين في الوقت نفسه أن نضع في الاعتبار أن الدولة السعودية ستظل في النهاية- أيا كان شكل التغيير الذي سيطال الأسرة المالكة- حليفا استراتيجيا مهما للولايات المتحدة، الأمر الذي قد يحد من التأثيرات السلبية بالنسبة للنظام الحاكم في مصر، وهو أيضا نظام حليف للولايات المتحدة.
ومع ذلك فليس من المستبعد أن تنفلت هذه التداعيات وأن تذهب في اتجاهات شتى، خصوصا إذا أدى التغيير في نظام الحكم السعودي إلى تغيير كبير وحقيقي في السياسات المتبعة حتى الآن، وهنا فقد يطال التأثير أيضا الأوضاع الداخلية في مصر.
إلى أي مدى تأثرت الأوضاع في السعودية بما حدث في قضية خاشقجي؟ وما هي سيناريوهات الإطاحة بمحمد بن سلمان أو بقائه في منصبه؟
ما تزال قضية خاشقجي، حتى لحظة الادلاء بهذا الحديث على الأقل، تتفاعل بشدة في أرجاء العالم كله، أما في السعودية نفسها فما يزال هذا التفاعل مكتوما إلى حد كبير لا أحد يعلم عنه شيئا.
لذا، من الصعب التعرف على طبيعة الحوارات التي يعتقد أنها تدور الآن بشدة داخل أوساط البلاط، لكن يبدو من ظاهر الأمور أن ما يجري في الداخل السعودي من حوارات حول التأثيرات المحتملة لهذه الجريمة الشنيعة على النظام الحاكم وعلى مصالح الأسرة المالكة ككل لا يتجه نحو مقاربة عقلانية مدروسة تأخذ في اعتبارها أسباب ما جرى وتساعد على انتقال سلس للسلطة يسمح للأسرة الحاكمة بتجاوز تلك الكارثة بأقل قدر من الضرر.
لذلك لا استبعد شخصيا أن تؤدي هذه الجريمة إلى زعزعة أركان الحكم في السعودية في المستقبل المنظور، خاصة إذا ظل العناد سيد الموقف ونجح بن سلمان في استمرار إحكام قبضته على مفاصل السلطة. ففي هذه الحالة قد تتطور الأمور في اتجاه المطالبة بتشكيل محكمة دولية وممارسة ضغوط متصاعدة على المملكة السعودية للقبول بتشكيل هذه المحكمة، وهو إن حدث فقد يؤدي ذلك إلى اهتزازات شديدة ليس فقط داخل نظام الحكم السعودي وربما على مستوى منطقة الخليج برمتها.
بعبارة أخرى يمكن القول إنه ليس من المستبعد إطلاقا أن يكون لقضية خاشقجي تأثيرات على النظم الملكية في منطقة الخليج العربي تضاهي أو تتجاوز التأثيرات التي تعرضت لها النظم الجمهورية في العالم العربي، أو بالأحرى تلك التي كانت أقرب ما تكون إلى “نظم جملوكية” بالنظر إلى مشروعات توريث السلطة فيها، وذلك عقب إقدام البوعزيزي على إحراق نفسه في ميدان عام بتونس، وبالتالي فقد نشهد “ربيعا خليجيا” أخطر من “ثورات الربيع العربي”؛ فجريمة خاشقجي ليست من النوع الذي يمكن طي صفحته بسهولة أو ببساطة.
ففي تقديري، وتقدير الكثيرين أيضا في مختلف أنحاء العالم، أنه لم يعد هناك أي شك في أن محمد بن سلمان هو من أمر بقتل خاشقجي، وأن ترامب سيستميت لإنقاذه لأسباب تتعلق بإسرائيل أكثر مما تتعلق بالابتزاز المالي، لكني على يقين أنه سيفشل في النهاية. وإذا لم تسارع أسرة آل سعود بتنحية ولي العهد فستصبح المملكة في مهب الريح. ونجاح ترامب معناه انتصار الشر نهائيا، وهو أمر مستحيل ولا أتصوره.
لماذا تحرك المجتمع بقوة في أزمة “خاشقجي” بينما لم يتحرك في أزمات أكثر صعوبة في مصر أو غيرها؟
لأنها جريمة مختلفة تماما عن كل جرائم قتل الصحفيين أو اغتيال المعارضين من قبل. صحيح أن صحفيين كثيرين قتلوا أو يقتلون أو يتم اغتيالهم بدم بارد في مناطق كثيرة من العالم، لكن جريمة اغتيال خاشقجي فريدة. فخاشقجي استدرج عمدا إلى قنصلية بلاده في دولة كبيرة ليست على علاقة ودية بالنظام السعودي، وتم اغتياله هناك بدم بارد، أي داخل قنصلية وظيفتها الأساسية حماية المواطنين وتقديم يد العون لهم وليس اغتيالهم.
وجرى هذا الاغتيال بطريقة بشعة لا تدور إلا في أذهان عقول مريضة؛ فقد تم تقطيع جثته بواسطة خبراء، ولا أحد يعرف حتى الآن أين هي هذه الجثة التي لم يتمكن ذووه من دفنها حتى الآن وفقا للتقاليد الإسلامية التي ترى أن “إكرام الميت دفنه”؛ إذ تقول بعض التقارير الصحفية إنها أذيبت بواسطة حامض لا يترك أثرا، وفي تقارير أخرى أن رأسه قُطعت ونُقلت وسُلمت إلى من أمر باغتياله في النظام السعودي.
بل إن هذه الجريمة البشعة نُفذت بواسطة فرقة إعدام جاءت من السعودية خصيصا لهذا الغرض، وتضم أفرادا يعملون ضمن طاقم حراسة ولي العهد نفسه وعلى صلة مباشرة بأقرب مستشاريه؛ فإذا أضفنا إلى ذلك أن الدولة المضيفة، وهي تركيا، تملك دلائل قاطعة على كيفية ارتكاب الجريمة، وربما من أمر بها أيضا، وأن المعلومات التي نشرت حتى الآن ليست هي كل ما لديها، وأن الصحفي المغدور كان يقيم في الولايات المتحدة نفسها، وكان يكتب بانتظام في واحدة من أهم الصحف الأمريكية، إن لم يكن أهمها على الإطلاق، لتبين لنا أن جريمة اغتيال خاشقجي تبدو مختلفة من زوايا كثيرة عن كل الجرائم السابقة.
ولأن صحيفة “الواشنطن بوست” التي كان يعمل خاشقجي لا تحمل أي مشاعر ودية تجاه ترامب وتعتبر أن جريمة الاغتيال اُرتكبت في حق أحد أفراد أسرة تحريرها، لا أظن أنها ستصمت أبدا.
لذا، أتوقع أن يصبح النظام السعودي، بل وترامب نفسه إن لزم الأمر أو حاول التغطية والتواطؤ، عرضة لمدافعها الثقيلة إلى أن يتم الكشف عن حقيقة ما حدث، ولن يكون بمقدور أحد إسكاتها بالإرهاب أو شراء ذمتها بالمال.
أما الأزمات المصرية التي أشرت إليها في سؤالك، وغيرها من الأزمات المشابهة التي قد تُنتهك فيها حقوق الإنسان بشدة، فيرى فيها المجتمع الدولي أنها أزمات ناجمة عن صراعات سياسية بين أطراف مختلفة متباينة المصالح، فيها القوي والضعيف والغالب والمغلوب، وما يقع من جرائم في سياق هذا النوع من الصراعات السياسية لا يكون له عادة نفس التأثير الذي تحدثه جرائم الاغتيال السياسي التي تضبط فيه الدول متلبسة مباشرة وتشير أصابع الاتهامات إلى أعلى مستويات السلطة فيها.
ما هي التداعيات المحتملة للانتخابات النصفية الأمريكية على سياسة ترامب الخارجية بشكل عام؟
ستكون إدارة ترامب أضعف نسبيا عما كانت عليه من قبل، وبالتالي لن يستطيع ترامب شخصيا أن يمرر من التشريعات إلا ما يسمح به التوافق بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي. لذا أعتقد أن السياسة الداخلية الأمريكية ستتأثر بدرجة أكبر من تأثر السياسة الخارجية التي تعد يد الرئيس فيها شبه مطلقة.
ومع ذلك يستطيع مجلس النواب تقييد حرية حركة الرئيس حتى في مجال السياسة الخارجية، خاصة في الأمور التي يحتاج فيها تنفيذ سياساته إلى اعتمادات مالية إضافية.
هل تعتقد أن هناك مراجعات في المواقف الدولية بعد حادث خاشقجي وانتخابات التجديد النصفي؟
نعم ستكون هناك مراجعات عميقة لمواقف كثيرة، خصوصا تلك المتعلقة بالعلاقة مع السعودية، والتي أصبحت صورتها في العالم كله مشوهة إلى حد كبير. وسينعكس أثر هذه المراجعات على قضايا جوهرية مثل حرب اليمن، والتي أعتقد أنها في طريقها للتوقف تماما بصرف النظر عن الوقت أو المسار الذي يمكن أن تتجه إليه الأحداث بعد بدء المفاوضات السياسية.
وقد تتأثر كذلك الجهود الرامية إلى تشكيل ما أصبح يُعرف إعلاميا بـ “الناتو العربي”، أي الجهود الرامية لإحكام الحصار على إيران من خلال العقوبات، كما قد تتاثر مبيعات الدول الغربية من الأسلحة إلى السعودية، وربما مبيعات الولايات المتحدة نفسها من الأسلحة للسعودية,.. إلخ.
كيف ترى حملة التطبيع الجديدة التي تشهدها المنطقة؟ وهل إسرائيل ناجحة إلى حد كبير في مخطط التطبيع؟
الأنظمة الرسمية العربية تبدو في أشد حالاتها ضعفا وارتباكا، والانقسامات بينها ما تزال محتدمة على أشدها، ومن ثم تبدو هذه الأنظمة أكثر عرضة للابتزازات الإسرائيلية والأمريكية من أي وقت مضى، ومع ذلك لا أعتقد أن محاولات التطبيع مع إسرائيل يمكنها أن تذهب بعيدا، فالشعوب العربية ما تزال ترفض التطبيع مع إسرائيل وما تزال تؤمن بأنها، وليس إيران، هي مصدر التهديد الرئيسي ليس فقط للأمن القومي العربي، وإنما أيضا للأمن الوطني لكل دولة عربية على حدة، قريبة من حدودها أم بعيدة.
لكن المرحلة التي يمر بها العالم العربي، شعوبا وحكومات، ما تزال صعبة ومليئة بالتحديات، وبالتالي قد تشهد قريبا مفاجآت، نأمل أن يكون بعضها على الأقل سارا وقادرا على وضع حد لمرحلة طالت أكثر مما ينبغي كان العالم العربي ينتقل فيها دوما من السيء إلى الأسوأ.
قلت في مقابلة سابقة مع “عربي21” إنه بنهاية العام الحالي سيتضح ما إذا كانت المنطقة قد بدأت تلمح ضوءا في نهاية النفق أم أنها على العكس قد تستيقظ فجأة على دقات طبول حرب مدمرة جديدة.. فهل هناك ضوء في نهاية النفق أم لا؟ وإلى أين تتجه المنطقة؟
حين قلت هذا الكلام كان العامل الخاص بتأثير العقوبات الأمريكية على إيران هو ما يدور في ذهني، وقد تم فرض هذه العقوبات بالفعل يوم 4 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، وأظن أنه بنهاية العام سيتضح أكثر ما إذا كان بمقدور إيران أن تصمد وما إذا كان البديل الوحيد المتاح بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل هو التصعيد العسكري في مواجهتها.
كما كان في ذهني أيضا احتمال قيام إدارة ترامب في نهاية العام بممارسة ضغوط إضافية على الدول العربية لحملها على القبول بما يطلق عليه “صفقة القرن” التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية.
ومنذ ذلك الحديث طرأ عاملان إضافيان، سيحدان من قدرة ترامب سواء على الاندفاع نحو بدء الاستعدادات للقيام بعمل عسكري ضد إيران أو لممارسة ضغوط أكبر لتمرير صفقة القرن، العامل الأول كان متوقعا إلى حد ما ويتعلق بحصول الحزب الديمقراطي على أغلبية في مجلس النواب الأمريكي.
أما العامل الثاني فلم يكن متوقعا على الإطلاق ويتعلق بجريمة مقتل خاشقجي التي أدت إلى تشويه صورة السعودية تماما في العالم كله، وهو عامل ما تزال تأثيراته تتفاعل بشدة وستتوقف نتائجها إلى حد كبير على الطريقة التي ستدير بها الدولة السعودية هذه الأزمة التي قد تزلزل كيانها كله، غير أن الارتباك ما يزال سيد الموقف بالنسبة للأسرة السعودية، وستتضح الأمور أكثر خلال الأسابيع القليلة القادمة.
غير أنه يمكن القول منذ الآن، مع ضرورة توخي بعض الحذر في جميع الأحوال، أن المحاولات الرامية لتشكيل “الناتو العربي” في مواجهة إيران وكذلك المحاولات الرامية في الوقت نفسه لتصفية القضية الفلسطينية وتدمير فصائل المقاومة المسلحة تتعثر الآن بشدة، ويبدو أنها في طريقها للفشل.
لذا، فليس من المستبعد إطلاقا أن تصبح مهيأة الآن بصورة أفضل قليلا لنهوض عربي جديد لكن شروطه لم تنضج بعد، وملامحه لم تتضح أيضا حتى الآن.