في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، اعتقلت السلطات السعودية الطبيب وليد فتيحي واحتجزته في فندق الريتز كارلتون بالرياض مع عشرات من الأمراء ورجال الأعمال والوزراء السابقين، لكن أغلبهم خرج طليقا بعد عدة أسابيع، بينما نُقل فتيحي إلى سجن دائم.
كان خبر اعتقال فتيحي -الذي لم تتداوله المصادر السعودية إلا في يناير/كانون الثاني 2018- صادما للكثيرين، إذ ليس بين هذا الطبيب الذي يحمل الجنسيتين الأميركية والسعودية وبين أغلب معتقلي الريتز كثير من القواسم المشتركة.
لكن الصدمة لم تدم طويلا، فقد تبين أن فتيحي قريب الشبه بمجموعة سابقة من المعتقلين، تتألف من دعاة بارزين وعلماء وأكاديميين ساقتهم السلطات إلى السجون ابتداء من سبتمبر/أيلول 2017، لأنهم على ما يبدو لم ينسجموا مع واقع المملكة الجديدة التي يؤسس لها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
لا يزال فتيحي يقبع في زنزانته منسيا منذ ما يزيد على العام، وقد تساءلت صحيفة نيويورك تايمز قبل أيام لماذا لا يطالب الرئيس الأميركي دونالد ترامب السلطات السعودية بالإفراج عن هذا المواطن الأميركي.
معتقلون أميركيون ومواقف مختلفة
وقالت الصحيفة إنه عندما تفجرت قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، كانت حجة ترامب في تعامله البارد مع القضية أن “الأمر وقع في تركيا، وهو ليس مواطنا أميركيا”، فما حجته في تجاهل قضية فتيحي كما تتساءل الصحيفة.
وتعجّب الكاتبان في نيويورك تايمز ديفد كيركباتريك وبن هابرد من موقف ترامب الذي لطالما افتخر بمعاركه من أجل إطلاق سراح أميركيين محتجزين في الخارج، مثل القس أندرو برونسون الذي فرضت الإدارة الأميركية من أجله عقوبات على تركيا حتى تطلق سراحه.
لكن الكاتبين أضافا -في مقالهما المنشور يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني- أن ترامب أوضح في بياناته الأخيرة بشأن السعودية على خلفية قضية مقتل جمال خاشقجي، أنه يضع مسائل حقوق الإنسان في الخارج في مرتبة متأخرة عن اهتمامات أميركية أخرى، مثل العقود العسكرية السعودية وأسعار النفط.
من هو وليد فتيحي؟
وسعت نيويورك تايمز لتعريف الجمهور الأميركي بالدكتور وليد فتيحي، الذي أمضى بعضا من سنوات حياته المفعمة بالنشاط في الولايات المتحدة، فحصل على شهادته من جامعة جورج واشنطن، ثم أكمل دراسته العليا وتدريبه الطبي في جامعة هارفارد ومستشفياتها قبل أن يغادر الولايات المتحدة عام 2006.
كان فتيحي مواطنا أميركيا نموذجيا وفق ما ترويه عنه الصحيفة، التي أشارت إلى أن اسمه كان مسجلا في قوائم الناخبين بولاية ماساتشوستس.
لكن ذلك لم يشفع له في السعودية، فقد انتزعته أجهزة الأمن من بين أهله في مدينة جدة في جوف الليل، واحتجزته في فندق ريتز كارلتون عدة أسابيع، ثم ألقت به في سجن الحاير، ومر عليه أكثر من عام دون محاكمة أو اتهام رسمي بأي جريمة.
اضطرت عائلته في وجل لطلب المساعدة من السفارة الأميركية بالسعودية، بعدما قامت أولا بمساع هادئة لإطلاق سراحه، فهي تخشى أن تجرّ عليه مزيدا من العقاب، وفقا لما نقلته نيويورك تايمز عن أصدقاء فتيحي.
السبب الحقيقي وراء الاعتقال
ووفقا لناشطين في الدفاع عن حقوق الإنسان، يكمن السبب الحقيقي لاعتقال فتيحي في كونه إصلاحيا ناشطا مهموما بقضايا الإنسان السعودي ونهضته ورفاهيته، وفق منظومة تختلف عن تلك التي يتبناها محمد بن سلمان، ولذلك وجب اعتقاله.
لم يكن فتيحي معارضا، بل لم يكن يتحدث في أمور السياسة، لكنه طبيب لامع وإداري ناجح تولى إدارة عدد من المؤسسات الطبية في المملكة، ثم اتجه إلى الإعلام فصار وجها معروفا ببرنامجه “وَمَحياي” الذي بث فيه رسائل للارتقاء بالإنسان صحيا وروحيا.
ويذكر حساب “معتقلي الرأي” السعودي على تويتر أن الدكتور فتيحي كُرّم عدة مرات لإنجازاته في المجالين الطبي والاجتماعي، وأن مجلة أريبيان بزنس اختارته في أحد الأعوام ضمن قائمة أكثر الشخصيات تأثيرا في السعودية، وأشار الحساب إلى أنه قبل اعتقاله “كان ممنوعا من السفر ويخضع لعدة قيود على نشاطه الدعوي”.
تعاطف كثيرون مع فتيحي في محنته، وكان منهم الصحفي السعودي المغدور جمال خاشقجي الذي كتب في تويتر -بعدما ذاع خبر اعتقاله- “ما الذي أصابنا؟ كيف يعتقل شخص كالدكتور وليد فتيحي وما مبررات ذلك؟ وبالطبع الجميع في عجز وحيرة، لا أحد تذهب إليه فتشفع، ولا نائب عام يجيبك فتتحقق، الله المستعان”.