بقلم/ وطن الحامد
اليوم نرتق جراح امرأة سعودية قديرة، مناضلة دؤوبة، أكاديمية مثابرة وناشطة بارزة في مجال حقوق الإنسان، بيّضت أحد أسوأ الأشخاص في تاريخ البلاد بتسلّقه على احتجاجها وثوراتها ومسيرتها الممتدة من عشرات السنوات، المرأة التي بيّضت سيرته العنيفة، ابتدأ عهده باعتقالها وضربها وتعنيفها ومنعها من مزاولة الحياة بطريقة طبيعية، المرأة التي سُرق صوتها ومزجه في أهازيجهم النكراء كي يتصدّر المشهد كبطل مناصر للمرأة مقاوم للباطل صادعًا بالحق داعمًا لتمكين مواطنتهن بينما هو عدو حقير خوّن صاحبات الفضل في قبول الغرب فيه كحاكم فعلي للملكة العربية السعودية ومناصر للنساء، قمع المرأة التي لطالما رآها الغرب نقطة سوداء في تاريخ البلاد واعتقدوا أن يديه غلّت الظلم! بينما هاتان اليدين الملطخة في دماء عبدالله الحامد قد طالت الناشطات في قمعهن بأسوأ الأحكام الجائرة والمحاكمات الظالمة والتعذيب النفسي والجسدي والتحرش الجنسي الذي تمت ممارسته عليهن من قبل رجاله كأمثال المتحرش سعود القحطاني وصلاح الجطيلي، ومن بين الناشطات التي اعتقلن عزيزة اليوسف التي أبتدأ خطابها بـ “لو كان هناك امرأة واحدة تعاني لكفى للمطالبة برفع الظلم عنها” واليوم هي أحدى النساء اللاتي كانوا بالأمس أول بسملة في خطاباتها عن اضطهاد المرأة.
حيث ساهمت بالأمس دفاعًا عن حق مشروعٍ وجعلت من صوتها الواحد عشرات الآلاف من الأصوات، واستطاعت جمع أكثر من أربعة عشر ألف توقيع على عريضة المطالب، مطالبة فيها بحق المرأة للمواطنة بشكل كامل في بلادنا.
إحدى الناشطات اللاتي قمن برفع خطاب عن موضوع الولاية لمجلس الشورى والملك عبدالله، بعد دراسة إثبات أنها ليست من الشرع وإنها قوانين حكومية، سعت سعيًا حثيثًا على أن لابد أن تزال قيودها عن المرأة.
واليوم عزيزة اليوسف من الأسماء المتصدرة التي طالتها السلطة بالقمع بأبشع الطرق التي لا يخيل للإنسان أنها تقع على إنسان آخر، اليوم لها الفضل في إسقاط أحد أهم ركائز الولاية وهو السفر، كرمتها السلطة بعد سلسلة تعنيف فظيعة بمنعها عن السفر بعد ما خرجت من السجن مقيدة برزمة قيود تعاني منها.
اتهمت بالخيانة على إثر قرار بإنشاء إيواء للفتيات المعنفات، سجنوها، عذبوها، ولم تقف أيديهم الباطشة في حقها حتى اعتقلوا إبنها، وحين حاسبهم الغرب على ذلك خرج ولي العهد محمد بن سلمان في لقاء بصحيفة بلومبيرج في 2018 وقال لمن لم يصدق تدليسه ولمن لم يبرر له إجرامه: “لدينا مقاطع فيديو تُدين بعضًا منهُن. يُمكنُنا إطلاعُكِ عليها. غدًا سنُريكِ تلك المقاطع”.. ولم يخرج إلى الآن وبعد حديثه بـ 3 سنوات ما يدينها هي وشقيقاتها بالنضال بل خرج ما يزيد رصيدها الحقوقي المشرف الذي أنقض عليه هذا الطفل المجنون لتزيين صورته التي لا تزال بشعة مخيفة، تُمرض من يطيل النظر بها وتشعره بالاشمئزاز.
وفي رصيدها الممتلئ والمميز ليس فقط على صعيد المرأة فحسب بل المجتمع كاملًا، طالبت فيه بإشراك المجتمع في القرارات السياسة وأن يمارس حقه في الرفض والقبول وأن يرتفع سقف حرية الرأي عاليًا، أن لا يُقمع ولا يقابل بيدٍ من حديد لو خالف فيما تطرحه الدولة من أفكار معادية لكرامته وسلب مواطنته.
ألا يجعل المجتمع شماعة لقوانين صاحب القرار السياسي وأن لا يكون الوطن ساحة صدام لفئات المجتمع الذي تم شيطنته وتمرير أفكار على أنه نابعًا من ثقافته وليست الدولة المتورطة في زرعها ومحاربة من يرفضها، ورفضت عزيزة جملةً وتفصيلًا إدخال المجتمع في لعبة التناحر وتأليب الأطراف وتمزيق النسيج الاجتماعي ونشر خطاب الكراهية وإشعال الحروب الوهمية بين الرجل والمرأة بدلًا من مواجهة تطرف الدولة بقوانينها ومحاسبتها على ذلك.
كانت بالأمس عزيزة تستنكر اعتقال أصحاب الرأي وتقول:”لا يعتقل الإصلاحيين بل يستفيد منهم لبناء الوطن”.. كانت تنظر أنهم رؤية مشرقة في وطن طالت عتمته وزادت رجعيته، كانت ترفض هذا القمع والاستبداد بحق الناشطين حتى أصبحت اليوم من الذين كتبت هي عنهم: “كيف سنحكي للأجيال القادمة لماذا عبد الله الحامد ومحمد القحطاني استحقوا أن يقبعون في السجن عشر سنوات بتهمة تعطيل التنمية؟”
استشهد عبد الله الحامد ومحمد القحطاني قابعًا في براثن الظالمين، وعزيزة اليوسف خرجت بألف قيد يثقل كاهلها، والوطن الذي سعت هذه الأسماء لتمهيد طريقه مازال مشيد بالشبوك.