وصلت الأمريكية، “كارلي موريس”، إلى السعودية صيف 2019 برفقة ابنتها لتتعرف الطفلة على عائلة أبيها، لكنها لا تزال منذ ذلك الحين عالقة هناك ودخلت في صراع قانوني في المملكة، حيث يمنح نظام الولاية الآباء سلطة مطلقة على أطفالهم.

وتتشابه قصة “موريس” البالغة 34 عاما وابنتها “تالا” (8 سنوات) مع قصص أمهات أجنبيات أخريات يواجهن بعد طلاقهن في السعودية خيارا صعبا بين حريتهن الشخصية والبقاء بجانب أولادهن، بحسب محامين وحقوقيين.

وتعرفت “كارلي” التي اعتنقت الإسلام بعمر 17 عاما، عبر الإنترنت على طليقها السعودي المبتعث في الولايات المتحدة في 2013 وأحبت كونه “مسلما ومحافظا”.

انفصلا في 2018 وعاد لبلاده حين كانت ابنتهما تبلغ 4 أعوام، لكنه عاد وأقنعها بالسماح للطفلة بزيارة عائلته لشهر واحد فقط.

وقالت الأم المقيمة بمدينة بريدة في اتصال هاتفي مع وكالة فرانس برس، إنّ طليقها صادر كافة أوراقهما الثبوتية بعد أيام من وصولهما للمملكة الخليجية.

وتابعت بحسرة: “بنهاية 2019 حصلت ابنتي على الجنسية السعودية لتبدأ مأساتي”.

وبين ليلة وضحاها باتت الصغيرة “تالا” مواطنة سعودية تخضع لنظام الولاية الذي يمنح الأب سلطات مطلقة على أطفاله وخصوصا في مسألة السفر خارج البلاد.

ورغم حصول “موريس” على حضانة ابنتها من محكمة سعودية في مايو/أيار 2022، باتت الأم عالقة في السعودية، حيث لا تتكلم العربية ولا يحق لها العمل.

كما لم تحصل على وثيقة هوية ابنتها السعودية، ما يمنعها من تسجيلها بالمدرسة أو الحصول على الرعاية الصحية اللازمة لها.

وبعدما انفقت مدخراتها وتخطت الحد الأقصى لبطاقتها الائتمانية، اضطرت “موريس” لطلب المساعدة عبر الإنترنت، حسب تغريدات تابعتها فرانس برس قبل أن تحذفها.

وقالت باكية: “أعيش في وضع غير إنساني … إنني مضطرة لاقتراض المال من الغرباء وقبول تبرعات” بعدما توقف زوجها عن توفير الطعام لهما مؤخرا مكتفيا بدفع الإيجار الشهري للشقة التي تقيمان فيها.

وهي تعتقد أنّ زوجها يضغط عليها ليجبرها على الرحيل دون ابنتها لكنها تؤكد بنبرة تحدّ “لن أغادر هذا البلد دون ابنتي”.

 

“اليد العليا” للرجال

منذ تسلّم الأمير “محمد بن سلمان” منصب ولي العهد في 2017، تشهد السعودية انفتاحا اجتماعيا بعد عقود من الإغلاق والقيود المشدّدة التي فُرضت خصوصا على النساء.

وقلّصت المملكة خلال السنوات الأخيرة قواعد “الوصاية” التي تمنح الرجال سلطات واسعة على النساء من عائلاتهم، فسمح لهنّ بالعمل والسفر.

لكنّ منظمات حقوقية تشير إلى أن النساء ما زلن يحتجن إلى إذن أوليائهن الرجال للزواج ويواجهن تمييزا فيما يتعلق بالطلاق وخلافات الحضانة.

وقالت الباحثة الزائرة بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن، “هالة الدوسري”، إنّ “الإصلاحات لم تحد من قدرة الرجل أن يكون له اليد العليا فيما يتعلق بالأسرة”.

وتابعت الباحثة السعودية لفرانس برس “المعضلة أن السلطة المطلقة على الأطفال تمنح للأب حق تقرير مكان المعيشة والتعليم والسفر وليس للأم حتى ولو كانت حائزة للحضانة”. وقد تواجه “موريس” قريبا مزيدا من المشكلات القانونية.

فالاسبوع الماضي، تلقت استدعاء من النيابة السعودية لمواجهة اتهامات “بالإخلال بالنظام العام”، وهو تطور تعتقد “موريس” أنّه مرتبط بتغريدات انتقدت فيها نظام الولاية السعودي. ولاحقا، حظرت السلطات سفرها بحسب مذكرة إلكترونية اطلعت عليها فرانس برس.

ولم ترد أسرة طليق “موريس” على اتصالات فرانس برس للتعليق على الأمر.

وقالت المسؤولة في مؤسسة حقوق الإنسان ومقرها نيويورك، “بيثاني الحيدري”، إن “حالة كارلي وتالا للأسف ليست حالة منعزلة”. وتابعت: “هناك عدد لا يحصى من النساء والأطفال العالقين في ظروف مهينة مماثلة في السعودية”.

وقالت المصرية، “فاطمة” (36 عاما)، المتزوجة من سعودي منذ 15 عاما، مفضلة استخدام اسم مستعار بسبب حساسية المسألة، إنها “سجينة من أجل أطفالي”. وأوضحت الأم لثلاثة أطفال أنها لم تتعرض للإساءة لكنّ زواج رجلها مجددا همّشها تماما.

وتابعت: “أردت الطلاق والعودة لبلدي لتربية أبنائي لكنّ زوجي اشترط عودتي بمفردي”. وأكّدت باكية “لن أترك أبدا أطفالي وأغادر”.

 

السعودية  “تحمي أبناءها”

تحدثت فرانس برس  مع والدتين أمريكيتين تواجهان نفس معضلة “موريس”، وقد اشتكت النساء الثلاث من تعقيد إجراءات التقاضي المتعلقة بالأسرة في السعودية.

وأفادت السفارة الأمريكية في الرياض فرانس برس بأنها تتابع قضية “موريس” عن كثب وأنها “على اتصال دائم مع موريس والحكومة السعودية”.

وأوضحت، “هالة الدوسري”، أنّ الأمر يزداد سوءا بالنسبة للنساء العربيات والأفريقيات والآسيويات أو المنتميات لدول تشهد نزاعا، بسبب “عدم تقديم كل السفارات هذا الدور الداعم”.

وأشارت على وجه الخصوص إلى عاملات المنازل بصفتهنّ “يمثلن أكثر فئات النساء الأجنبيات عرضة للإساءة”.

وأرجعت المحامية السعودية، “نسرين الغامدي”، قرار بلادها عدم السماح للأمهات الأجنبيات بحضانة أطفالهن في بلادهن إلى أنّ “الدولة تحمي أبناءها السعوديين لتجنب تعرضهم لمشكلات بالخارج”.

ومن أصل 139 ألف زواج في 2020، سجلت السعودية حسب الأرقام الرسمية 4500 حالة زواج أحد طرفيها أجنبي وهو أمر يتطلب الحصول على تصريح رسمي خاص.

كما سجلت في العام ذاته نحو 4200 حالة طلاق أحد طرفيها أجنبي من أصل 50 ألف حالة طلاق بالإجمال، وارتفعت حالات الطلاق في السعودية بنسبة 12,7 بالمئة مقارنة بالعام السابق.

ولم ترد هيئة حقوق الإنسان السعودية على طلبات فرانس برس للتعليق على قضية “موريس” وغيرها. وللهرب من مصير “موريس” المجهول، تقرر بعض النساء الاستسلام والعودة لبلادهن دون أطفالهن.

واضطرت الأمريكية، “ماديسن راندولف”، لاختيار حريتها وترك ابنها الرضيع البالغ آنذاك 9 أشهر خلفها للنجاة بنفسها وجنينها في مطلع 2021. وروت “راندولف” (23 عاما) أنها “شعرت كأنها حيوان محبوس” خلال زواجها من رجل سعودي “متحكم”.

وحين علمت أنها حامل بطفلها الثاني، تفاوضت “راندولف” مع زوجها للسماح لها بالسفر لبلدها لمدة شهر بدون ابنهما.

لكنها قررت السفر بلا عودة، وقالت عبر الهاتف من الولايات المتحدة “كان قرارا صعبا”، لكنّها استدركت “أردت إنقاذ نفسي والجنين الذي أحمله”.