تتزايد الضغوط الأميركية على المملكة العربية السعودية لتحسين ملف حقوق الإنسان المتدهور، لا سيما في ظل إدارة الرئيس الجديد الديمقراطي جو بايدن التي تعهدت بممارسة ضغوط على الدول التي تنتهك حقوق الإنسان، وإعادة تقييم علاقتها بالمملكة.

لكن ثمة تحول كبير في العلاقة بين واشنطن والرياض، جعل الأخيرة تبدأ مباشرة في الإفراج عن عدد من معتقلي الرأي، كان آخرهم الناشطة الحقوقية لجين الهذلول في 10 فبراير/ شباط 2021.

يأتي ذلك في ظل ضغوط أخرى تطالب بالإفراج عن ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف (تم إعفائه في 21 يونيو/حزيران 2017) المعتقل منذ أكثر من عام، بالإضافة إلى تقارير تتحدث عن احتمالات الإطاحة بمحمد بن سلمان من ولاية العهد.

أسئلة كثيرة ثارت في الآونة الأخيرة، تمحور أغلبها حول عملية التغيير في المملكة، وهل بايدن سيدعم الأمراء السعوديين المعارضين في حال عزمهم الإطاحة بابن سلمان من الحكم عبر انقلاب؟

 

مخطط الإطاحة

وفي ظل استياء الإدارة الأميركية الجديدة من نهج ابن سلمان، كشف موقع “سباي توك” الأميركي، المتخصص في الشؤون الاستخباراتية، عن مخطط لعدد من الأمراء السعوديين المعارضين لسياسة ولي العهد للإطاحة به.

وأشار الصحفي الأميركي المتخصص في السياسة الخارجية والدفاع بالشرق الأوسط جوناثان برودر، في تقرير له بالموقع، إلى قيام مبعوث لبناني (لم يذكر اسمه) من طرف الأمراء السعوديين بلقاء رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ويليام بيرنز، لاستكشاف موقف إدارة بايدن من الانقلاب على ابن سلمان.

ووصف برودر في تقريره، الذي نشره في 21 يناير/ كانون الثاني 2021، رئيس المخابرات الأميركية بأنه لم يتفاجأ تماما “لكن وجهه ظل فارغا مثل سمكة ميتة” ووعده بأنه سيرد عليه إذا كان لديه شيء آخر ليقوله.

ونقل برودر، عن المحلل السابق لوكالة المخابرات المركزية في الشرق الأوسط بروس ريدل، ترجيحه أن يتعامل الرئيس الأميركي بحذر شديد مع أي مؤامرة من هذا القبيل، مشيرا إلى أن بايدن من المحتمل أن يستمع لأعضاء الوكالة لكنه في النهاية سيحتفظ بأي إجراء سيقوم به.

وقال برودر إن اشمئزاز بايدن من ابن سلمان واضح، وسبق أن وصفه بـ”البلطجي” بعد اكتشاف الاستخبارات المركزية بأنه أمر بقتل خاشقجي وتقطيع أوصاله، وأن انتقاد ولي العهد أصبح سهلا الآن لأن واشنطن لم تعد تعتمد على النفط السعودي.

وأشار برودر إلى أن العديد من الأمراء السعوديين يحتقرون ابن سلمان بسبب ما عانوه بعد صعوده إلى ولاية العهد في 2017 واحتجازه مئات الأمراء والمليارديرات وكبار المسؤولين الحكوميين والوزراء داخل أحد الفنادق في سبتمبر/ أيلول من العام نفسه

ابن سلمان أجبر هؤلاء الأمراء والمسؤولين على التنازل عن أغلب ممتلكاتهم والتي قدرتها الحكومة حينها بـ106 مليارات دولار، ما أثار استياء عميقا داخل العائلة الحاكمة.

لذلك يرى الكاتب أنه في حال اقترح أي من الأمراء السعوديين المعارضين عقد اجتماع مع وكالة الاستخبارات لمناقشة تنفيذ انقلاب ضد ابن سلمان فإن بعض مسؤولي المخابرات السابقين يقولون: “لا شك في أن الوكالة يجب أن تأخذ ذلك”.

ويرى الجنرال المتقاعد في الجيش الأميركي “جيمس كلابر”، الذي شغل منصب مدير الاستخبارات الوطنية في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، أنه بقدر ما قد يحدث، إلا أن الصورة معقدة بسبب العديد من الاعتبارات اللوجستية والدبلوماسية والسياسية.

وقال كلابر: “بعض الأمراء أكثر نفوذا من الآخر، ويجب على وكالة الاستخبارات أن تزن اعتبارات مثل ما إذا كان يمكن تنفيذ مؤامرة انقلاب في تكتم ومكان الاجتماع ومن سيكون أفضل مبعوث أميركي وغيرها من الأسئلة التي يجب الإجابة عليها”.

وأضاف: “إذا كانت النية هي شكل من أشكال تغيير النظام فهذه دعوة سياسية ثقيلة للغاية ويجب على صانعي السياسة في الولايات المتحدة مناقشة هذا الأمر ودراسته بعناية فائقة ليشمل الطوارئ إذا ساءت الأمور”.

 

اغتيال ابن سلمان

ويرى ريدل أن التخلص من ابن سلمان يمكن أن يكون بإحدى طريقتين، الأولى بأن يقنع بايدن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بأن سلوك ولي العهد شوه سمعة المملكة وجعل مكانتها تتضرر بشدة أمام العالم وخاصة الولايات المتحدة.

أما الطريقة الأخرى التي يراها ريدل فهي أن الأمراء المنشقين قد يرغبون في اغتيال ابن سلمان بدعم أميركي أو بدونه، لكنه يرى أن هذه العملية سيكون من الصعب للغاية تنفيذها حيث يحيط ولي العهد نفسه بالحرس الخاص ويقضي كل وقته في مدينة نيوم شبه الشاغرة التي يبنيها بالقرب من مدينة جدة.

وكشف ريدل عن تقارير موثوقة، لكنها غير مؤكدة تشير إلى تعرض ابن سلمان لثلاث محاولات اغتيال سابقة إلا أنها فشلت جميعا.

وتشير تقارير صحفية إلى أن أولى هذه العمليات كانت في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، بعد أيام من بدء حملة الاعتقالات الواسعة التي شنها ابن سلمان ضد العديد من الأمراء ورجال الأعمال والدعاة وغيرهم.

وقالت الداخلية السعودية حينها إن مسلحا ببندقية كلاشينكوف و3 قنابل يدوية قتل اثنين من الحرس وجرح 3 آخرين عند بوابة قصر ملكي في مدينة جدة على ساحل البحر الأحمر، وأشارت العديد من المصادر حينها أن العملية كانت تستهدف اغتيال ولي العهد.

أما العملية الثانية فكانت في 21 أبريل/ نيسان 2018، بحي الخزامي بمدينة الرياض عندما جرى إسقاط طائرة مسيرة فوق الحي الذي يضم قصورا ملكية.

ونقل موقع “الخليج أونلاين”، عن مصادر مطلعة لم يحددها، أن الواقعة كانت محاولة انقلابية قادتها مجموعة مسلحة متمرسة على استخدام السلاح، مشيرا إلى اشتباكات وقعت بين قوات حماية القصور والمجموعة المسلحة استمرت نحو ساعة.

وفي مارس/آذار 2019، تحدث الكاتب الإسرائيلي آساف غيبور، في تقرير بصحيفة “مكور ريشون” العبرية، عن نجاة ابن سلمان من محاولة اغتيال، رتب لها شقيقه بندر بن سلمان، واستعان فيها بأحد ضباط الحرس الملكي.

ولم يتحدث غيبور عن المدى الزمني الذي وقعت فيه محاولة الاغتيال، إلا أن تقارير صحفية أخرى قالت إن ابن سلمان أصدر قرارا حينها باعتقال شقيقه بندر في أعقاب التورط بهذه المحاولة.

وعلى الطرف الآخر، استبعد الخبير الإيراني في شؤون السعودية رضا ميرابيان، احتمال حدوث انقلاب ضد ابن سلمان بدعم من واشنطن.

وقال في تصريحات لوكالة أنباء العمل الإيرانية، في 27 يناير/كانون الثاني 2021: “الرئيس الأمريكي الجديد (جو بايدن) موجود في البيت الأبيض منذ أسبوع ويبدو أن مؤامرة الانقلاب ضد محمد بن سلمان غير مرجحة، لكن اللهجة السعودية تظهر أنهم يشعرون بالخطر”.

وأشار ميرابيان إلى التكهنات بأن وكالة المخابرات الأميركية تسعى إلى الإطاحة بولي العهد بعد انتقال السلطة في واشنطن واعتبر أن هذه التكهنات كانت مدفوعة بسبب الخلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين في دعم ابن سلمان وأن هذه البيانات مبالغ فيها.

وأضاف: “أعتقد أنه إذا كانت الولايات المتحدة تعتزم القضاء على ابن سلمان، فإنها ستهمشه تدريجيا”، لكن ميرابيان عبر عن اعتقاده بأن الديموقراطيين والهيكل السياسي والأمني ​​للولايات المتحدة يدركون جيدا أن ولي العهد السابق محمد بن نايف يمكن أن يكون الرجل المناسب لخدمة مصالح الولايات المتحدة.

ويتفق مع ميرابيان، الدكتور سعد الفقيه المعارض السعودي المقيم خارج البلاد بقوله: “لدي معلومات مؤكدة بأن إدارة بايدن لا ترغب في إزاحة ابن سلمان بشكل مباشر لأن ذلك يتعارض مع القانون الأميركي”.

وأكد الفقيه في تصريحات لموقع “الحقيقة بوست” في 11 فبراير/ شباط 2021 أن واشنطن “ستعمل على الضغط من أجل الإفراج عن ابن نايف وأحمد بن عبد العزيز (الشقيق الأصغر للملك سلمان) وباقي الأمراء ومنحهم حصانة لعدم تعرض ابن سلمان لهم مرة أخرى”.

وأضاف أن “الخطة الأميركية ستعتمد على قيام هؤلاء الأمراء بإزاحة ابن سلمان تلقائيا عن الحكم في حال منحتهم الإدارة الأميركية الحصانة والحماية”.

 

الرجل الأول

يعتبر الأمير محمد بن نايف من أكثر الشخصيات المقربة من واشنطن حيث تعتبره الإدارة الأميركية الرجل الأول في محاربة تنظيم القاعدة خلال العقدين الأخيرين.

بروس ريدل الذي انضم لمعهد بروكينغز الأميركي المعني بالسياسات العامة عام 2006، نشر تقريرا في هذا الإطار في 21 يناير / كانون الثاني الماضي مطالبا إدارة الرئيس بايدن بالضغط على السلطات السعودية من أجل إطلاق سراح ابن نايف.

وخدم بروس ريدل في وكالة الاستخبارات المركزية 30 عاما عمل خلالها مستشارا أول لشؤون الشرق الأوسط وجنوب آسيا لآخر 4 رؤساء ضمن طاقم موظفي مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض.

وطالب ريدل في تقريره المجتمع الدول بتبني قضية الإفراج عن ولي العهد السابق مؤكدا أنه لم يحتجز بسبب أي جريمة ارتكبها ولكن لأنه يمثل مشكلة لولي العهد الحالي محمد بن سلمان.

وأضاف: “قد تكون ممارسة الضغط على القيادة السعودية بشأن قضيته خطوة غير عادية، لكن يجب أن تكون مهمة عاجلة، حيث إن حالته خاصة بالنظر إلى مساهماته الكبيرة في الأمن الأمريكي، علاوة على ذلك فإن حياته في خطر كبير”.

وأشار التقرير إلى أن ابن نايف هو رمز بديل قابل للتطبيق وفعال لولي العهد “المتهور والخطير”، وأن ابن سلمان يريد القضاء على المرشح الرئيس لقيادة المملكة بعيدا عن مسارها الحالي “المحفوف بالمخاطر” والعودة إلى كونه شريكا مسؤولا.

وطالب التقرير فريق بايدن وخاصة قيادته الاستخباراتية الجديدة بالضغط من أجل حرية ابن نايف معتبرا أن الولايات المتحدة مدينة له بنفس القدر.

وفي أبريل / نيسان 2016، صعد الملك سلمان، محمد بن نايف وليا للعهد لتتم إقالته من منصبه بعد 14 شهرا لصالح محمد بن سلمان، الذي أصدر قرارا باعتقال ابن نايف في مارس/ آذار 2020 بتهمة الخيانة، ومنذ ذلك الحين لم يتم تقديمه للقضاء وهو محتجز في مكان غير معلوم.