في ظل الأزمة المستمرة بين الرياض وأوتاوا منذ أغسطس/آب 2018، على خلفية انتقادات بشأن احترام حقوق الإنسان، سلط موقع “مدنية” الضوء على وقوف كندا في وجه الانتهاكات السعودية، باعتبارها أول بلد غربي يكسر قاعدة المملكة المتمثلة بـ”الصمت مقابل المال”.

وقال الموقع الناطق بالفرنسية في تقرير له، إن المعادلة التي تستخدمها السعودية تؤدي إلى الترتيب التالي: “إغلاق عينك على كل ما عندي من تجاوزات، في مقابل صفقات باهظة لتعزيز الاقتصادات الغربية”.

دبلوماسية كندا الأخلاقية

وأوضح التقرير، أن كندا التي تحدّت السعودية بسب العديد من التجاوزات، ومن بينها اعتقال 150 من أمراء العائلة المالكة وإجبار رئيس الوزراء اللبناني على الاستقالة، استخدمت في مواجهة النظام السعودي وغيره من الأنظمة الاستبدادية، “دبلوماسية أخلاقية”: تشجيع تسويق النفط المنتج من الدول الديمقراطية على حساب النفط الذي تنتجه دول غير ديمقراطية.

وأشار إلى أن البداية كانت من وزيرة الخارجية الكندية كريستينا فريلاند، التي أعربت عن قلقها علنا بشأن مصير ناشطين سعوديين، رائف بدوي، المحتجز منذ عام 2012 بسبب تعليقات انتقادية على مدونته، وأخته سمر، التي سجنت أيضا بسبب دفاعها عن شقيقها المدوّن.

وتابع الموقع: في تحد للوصاية المفروضة على المرأة السعودية، استنكرت سمر بدوي، في عام 2010، موقف والدها الذي منعها من الزواج من الرجل الذي تختاره. بسبب عصيانها، سجنت ولكن تم نقل الوصاية عليها إلى أحد أعمامها.

ووصفت منظمة “هيومن رايتس فيرست سوسيتي”، اعتقال السعودية لسمر بأنه “احتجاز غير قانوني وفاضح” وفي عام 2012، حصلت على “الجائزة الدولية للمرأة الشجاعة” لنضالها من أجل حقوق المرأة في بلدها.

وأشار الموقع إلى أن السعودية نظرت إلى انتقادات كندا على أنها تدخل غير مبرر في شؤونها الداخلية، وردت المملكة في اليوم التالي (5 أغسطس/آب 2018) بطرد سفير كندا من الرياض، واستدعاء نحو 5 آلاف طالب سعودي بالجامعات الكندية وتجميد العلاقات التجارية بين البلدين.

وبيّن التقرير، أن هذه الإجراءات المبالغ فيها، كانت رسالة حزم تجاه الغربيين لمحاولة ثنيهم أن يحذوا حذو كندا، وبالفعل نظر إليها على هذا النحو من الغربيين، حيث كانوا سعداء أيضا من التخلص من منافس مرهق، على الرغم من عضويته في الناتو ومشاركته في جهود الحلفاء خلال الحربين العالميتين (1914-1918; 1939-1945).

وذكر “المدنية” أنه بجانب ذلك، بدا أن القرارات السعودية تخدم أغراض واشنطن في ذلك الوقت، والتي جاءت في خضم مواجهة مع أوتاوا حول اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية التي تضم (كندا، الولايات المتحدة، والمكسيك).

ولفت إلى أن “الدبلوماسية الأخلاقية” الكندية مكنتها من التحرر من عقد بيع المركبات المدرعة إلى السعودية، التي باعتها كندا في أبريل/نيسان 2016، لكن تم شراؤها بغرض تعزيز العلاقات التجارية.

ونوه الموقع إلى وزير الخارجية السعودي حينئذ، عادل الجبير، بغرور وغطرسة، ومبالغة في تقدير قوة بلاده، رفض عرض مصالحة قدمته نظيرته الكندية، كريستينا فريلاند، في سبتمبر/كانون الأول الماضي، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة ورد: “ماذا تقولين لو أن المملكة أيدت استقلال كيبيك؟” واختصر المقابلة.

وأكد التقرير، أن الاختفاء المروع للصحفي السعودي جمال خاشقجي، في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018 ، في القنصلية السعودية في إسطنبول، أي بعد شهرين من الأزمة الدبلوماسية بين الرياض وأوتاوا عزز دور كندا الريادي.

ولتذوقها انتصارها الأخلاقي، أكدت كندا علنا، في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أنها تمتلك نسخة من التسجيلات التي جمعتها المخابرات التركية خلال قتل جمال خاشجي، وبالتالي تحييد مناورة فرنسا التي شككت في التصريحات التركية، بحسب الموقع.

تدخل في شؤون كندا

وتطرق الموقع إلى تدخل السعودية في شؤون البلدان الأخرى، بالقول: إنه رغم أن الرياض في الانتقادات الكندية الأخيرة رفضت تدخلا في شؤونها الداخلية، وتسييسا لملف حقوق الإنسان، وخرقا للسيادة، فهي في المقابل، لا تتوانى بلا مبرر في التدخل بالشؤون الداخلية للبلدان الأخرى من خلال الدولار النفطي، وخاصة المجتمعات الإسلامية، والمقدسات داخل أراضيها والتي تستخدمها كأداة ضغط.

وأوضح، أن صحيفة “الأخبار” اللبنانية خصصت مقالة طويلة عن التدخل السعودي في الشؤون الكندية، بحسب ما تكشفه وثائق لـ”ويكيليكس”.

وذكرت “الأخبار” أنه من بين الأدوات التي تستخدمه السعودية، مركز البحوث حول العولمة ومؤسسة “نافيجيتور” المتخصصة في مجال العلاقات العامة والإعلام، حيث أكدت أن الأول هو أحد الأدوات السوداء للمملكة السعودية الذي يقوم بمواجهة أي نشاط عدائي ضد السعودية، حيث يقوم بالاتصال بأعضاء الحكومة الكندية ومكاتب المحاماة للتعامل مع حملة مقاطعة المنتجات السعودية.

ولفت إلى أن شركة “نافيجيتور” تعمل من أجل تحسين صورة المملكة، من خلال تطوير العلاقات التجارية مع الشركات الكندية وبالتالي مواجهة الدعاية المعادية للسعودية.

وتشير إحدى البرقيات الصادرة في 8 يناير/كانون الثاني 2013، إلى تقديم السعودية مساعدات مالية لعدة مؤسسات إسلامية في الخارج، ومن ضمنها “الجمعية الإسلامية في كندا”، وهي من أكبر الجمعيات الإسلامية في البلد، ولها قرابة 33 فرعا منتشرة في أنحاء البلاد (تمت مساعدتها بـ500 ألف ريال سعودي)، وكذلك “جمعية السُّنة الإسلامية”، التي مُنحت ثلاثة ملايين و500 ألف ريال، بحسب برقية أخرى صادرة عن وزارة المالية إلى وزير الخارجية السعودية ووزير الشؤون الإسلامية والأوقاف، بحسب “الأخبار”.

وبيّن موقع “مدنية” أن كندا لم تغير موقفها من السعودية بمقدار بوصة واحدة رغم ذلك، وفي تحد هادئ، استقبلت وزيرة الخارجية كريستينا فريلاند بمطار تورنتو، في 12 يناير/كانون الثاني 2019، رهف القنون، اللاجئة السعودية الشابة التي رفضت أستراليا طلب لجوئها.

وتابع: “ومع ذلك، تعاني الدبلوماسية الأخلاقية لكندا بسبب فضيحة شركة (إس إن سي-لافالين)، حيث تم توجيه الاتهام إلى جاستن ترودو بالتدخل في دعوى قضائية ضدها”.

وأشار إلى أن رئيس الوزراء يواجه الآن أسوأ أزمة سياسية، منذ توليه السلطة في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، منذ قرار أوتاوا تسليم المسؤول المالي الأول لشركة هواوي إلى الولايات المتحدة، والتي اعتقلتها الشرطة الكندية في ديسمبر/كانون الأول 2018.

وأعلنت رئيسة مجلس الخزانة الكندية جين فيلبوت في 4 مارس/آذار الماضي، استقالتها من الحكومة، تضامنا مع زميلتها، جودي ويلسون رايبولد، وزيرة العدل السابقة، التي استقالت أيضا في فبراير/شباط الماضي، احتجاجا على ممارسة مكتب ترودو ضغوطا على الوزيرة وذلك من أجل التدخل في المحاكمة الجنائية لشركة “إس إن سي-لافالين” الهندسية.

وأكد الموقع، أن الشركة التي توظف حوالي 50 ألف شخص في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك 9 آلاف في كندا، تتهم منذ عام 2015 “برشوة موظفين عموميين” و”الاحتيال” في ليبيا، وقت حقبة الديكتاتور معمر القذافي. وتم اتهام الشركة بدفع 48 مليون دولار كندي (32 مليون يورو) في شكل رشاوى للمسؤولين الليبيين مقابل الحصول على عقود بين عامي 2001 و 2011.

ورأى “المدنية” في نهاية تقريره، أنه قبل الانتخابات الفيدرالية في كندا، هناك اتهامات ضد جاستن ترودو، ولكن مصداقيته “الدبلوماسية الأخلاقية” لا يمكن أن تنحرف.