كان من الغريب أن يتم التوصل فجأة إلى اتفاق بين المملكة العربية السعودية والكويت المجاورة بشأن حقول النفط والغاز التي تشتركان فيها فيما يعرف بـ “المنطقة المحايدة”، بعد نزاع مرير لم يُظهر أي علامة على نهايته بعد ما يقرب من 5 أعوام؟ وبصرف النظر عن الخصوصية الخالصة لهذا الإعلان المفاجئ، فيجب الإشارة إلى حقيقة أن الاتفاق سيدفع ما بين 500 ألف إلى 600 ألف برميل يوميًا من النفط إلى سوقٍ مشبعٍ بالفعل، في ظل تراجع الطلب على النفط، في وقت تحتاج فيه السعودية لأن يصل سعر النفط إلى نحو 84 دولارًا أمريكيًا للبرميل للسماح لميزانية هذا العام بالانتعاش.

أضف إلى ذلك حقيقة أنه سيتم إضافة نصف الإنتاج الجديد إلى إجمالي إنتاج السعودية والنصف الآخر إلى الكويت، في وقت من المفترض أن تكون فيه السعودية قدوة في الامتثال لأحدث اتفاق لخفض إنتاج النفط وفق آخر اجتماعات “أوبك +”. حسنًا، يبدو أننا في عالم “أليس في بلاد العجائب”، حيث لا يوجد شيء أبدًا كما يبدو. وفي الواقع، هذا صحيح، إن الأمر ليس كما يبدو على الإطلاق، لكن موقع “أويل برايس” يعرف السبب.

ويعود الجزء الأول من السبب إلى 14 سبتمبر/أيلول، عندما تم مهاجمة اثنتين من المنشآت النفطية الرئيسية في المملكة العربية السعودية، وهما مصفاة “بقيق” وحقل “خريص” النفطي، بواسطة طائرات دون طيار أطلقها الحوثيون (أو إيران). وتسبب هذا في تعليق 5.7 مليون برميل يوميًا من إنتاج النفط.

وسارع حينها وزير النفط السعودي الجديد، الأمير “عبدالعزيز بن سلمان”، بعد الهجمات مباشرةً، بذكر أن المملكة تخطط “لاستعادة طاقتها الإنتاجية إلى 11 مليون برميل يوميًا بحلول نهاية سبتمبر/أيلول، أي خلال أسبوعين بحد أقصى بعد الهجمات، واستعادة طاقتها الكاملة البالغة 12 مليون برميل يوميًا خلال شهرين”.

وكما أوضح “ريتشارد مالينسون”، كبير المحللين في مجال الطاقة بشركة “إنيرجي أسبكتس”، في ذلك الوقت: “لقد كان أمرًا بالغ الأهمية أنه تحدث عن القدرة، وبعد ذلك عن المعروض للسوق، حيث هذه هي المصطلحات التي يميل السعوديون إلى استخدامها من أجل تجنب الحديث عن الإنتاج الفعلي، حيث إن الطاقة الإنتاجية والمعروض ليسا هما الشيء نفسه على الإطلاق”.

وأضاف: “ما تحاول السعودية فعله بعدم الكشف عن الصورة الحقيقية هي حماية سمعتها كمورد للنفط يمكن الاعتماد عليه، خاصة لعملائها المستهدفين في آسيا”.

وفي الواقع، لم تتمكن السعودية، في تاريخها بالكامل، من الحفاظ على إنتاج يتجاوز 11 مليون برميل يوميًا لأكثر من بضعة أيام عابرة، ولكن أيضًا بالحديث عن طاقة إنتاجية إجمالية ضمنية تتراوح ما بين 12 إلى 12.5 مليون برميل يوميًا، استنادًا إلى ادعائها التاريخي بوجود 2.0 إلى 2.5 مليون برميل يوميا من الطاقة الفائضة، لم يتم التحقق منه.

وقالت المملكة حتى إنها ستحتاج إلى 90 يومًا على الأقل لنقل الحفارات لحفر آبار جديدة ورفع الإنتاج إلى مستوى أسطوري يبلغ 12 مليون برميل يوميًا أو 12.5 مليون برميل يوميًا، في حين أن تقييم الأثر البيئي يعرّف القدرة الاحتياطية على وجه التحديد على أنه الإنتاج الذي يمكن جلبه إلى السوق خلال 30 يومًا، وبشكل مستمر لمدة 90 يومًا على الأقل.

وربما كان الأمر الأكثر إثارة للسخرية، الادعاء السعودي بأنه سيتم استعادة الإنتاج الكامل في مثل هذا الوقت القصير. وبغض النظر عن السعة الفعلية للإنتاج السعودي، لا توجد طريقة على الإطلاق لإمكانية قيام الدولة بإجراء أي تقييم دقيق للمدة التي قد تستغرقها للعودة إلى أي مستوى معين من السعة أيضًا.

وقال “مالينسون”: “لقد تحدث المهندسون الذين تحدثنا معهم عن أنه بعد حادثة كهذه، سيستغرق الأمر عدة أسابيع فقط لتقييم الأضرار، دون اعتبار البدء في فعل أي شيء حيال ذلك، وليس إصلاح كامل الأمر في الأيام القليلة التي أعلن عنها السعوديون، فقد كان جدولًا زمنيًا قصيرًا للغاية لإعادة مختلف مراحل القدرة الإنتاجية”.

لذلك، فإن المملكة بحاجة إلى سد الثغرات الفعلية التي تنشأ بين أكاذيبها والحقيقة، مما يعني شيئين. الأول، هو أن تكون قد شغلت كل منشأة نفطية أخرى بكامل طاقتها دون انقطاع منذ ذلك الحين، الأمر الذي من المفهوم أن يضع ضغطًا هائلًا على المعدات وعلى الحقول المعنية. وللقيام بذلك لفترة طويلة، قد يؤدي إلى مزيد من الضرر لهذه المنشآت والحقول أيضًا.

والثاني، كما أوضح “أويل برايس” في ذلك الوقت، هو أن السعوديين قد وجدوا أنفسهم عن غير قصد في هذا الموقف، لأنهم لا يعرفون شيئًا عن كيفية عمل أسواق النفط، وأنهم ربما قاموا بشراء براميل النفط من نفس الطرف الذي اعتقدوا أنه هاجمهم في المقام الأول، وهو إيران على وجه التحديد، من أجل سد الثغرات في عقود التوريد لعملائها الآسيويين. وجدير بالذكر أن السعودية كانت قد راجعت أسعار النفط العراقي بشكل متكرر واستخدمته عند الضرورة. وكانت “إعادة تسمية” النفط الإيراني بالنفط العراقي، على البراميل أو على جانب الشاحنات أو حاويات الشحن، طريقة مفضلة منذ زمن طويل لطهران لتفادي العقوبات الأمريكية.

وسمحت هاتان الطريقتان للسعوديين على الأقل بالوفاء بالمتطلبات الدنيا لمعظم العقود طويلة الأجل، وشراء بعض الوقت لإصلاح منشأتي “بقيق” و”خريص”، لكن على الرغم مما يقول السعوديون، لا يزال هناك فجوة في قطاعي النفط والتكرير لديها. وبالتالي، لم يكن أمامها خيار سوى التوقيع في النهاية على تلك الصفقة مع الكويت لإنهاء النزاع حول الحقول المشتركة في المنطقة المحايدة. وقد أثبت هذا أيضًا أنه “حل عملي لمعضلة استمرار مستويات الإنتاج للسعوديين”، التي تضغط لأجلها الولايات المتحدة، وفقًا لمصادر سياسية أمريكية رفيعة المستوى في واشنطن تحدث معها “أويل برايس” الأسبوع الماضي.

ووفقًا لهم، على الرغم من أن سياسة الولايات المتحدة الآن هي الانسحاب من مجالات الصراع في الشرق الأوسط وآسيا، إلا أنه لا يزال من مصلحة واشنطن أن تقف إلى جانب السعودية، وحليفتها الكويت، لحمايتها من مزيد من الهجمات و/أو التوغل الإقليمي من قبل إيران وحلفائها. ويعود هذا التفاهم الأساسي بين الولايات المتحدة والسعودية إلى 14 فبراير/شباط 1945، بين الرئيس الأمريكي آنذاك “فرانكلين روزفلت” والملك السعودي في ذلك الوقت، “عبد العزيز آل سعود”، في أول اجتماع لهما وجهًا لوجه على متن طراد البحرية الأمريكية “كوينسي”، في البحيرة المرة في قناة السويس.

وتم احترام الاتفاق الذي اتفقوا عليه تمامًا حتى أزمة النفط عام 1973، ولكن تم استئنافه بعد ذلك. ووفقًا للاتفاق، كانت الولايات المتحدة تحصل على جميع إمدادات النفط التي تحتاجها طالما كان لدى السعودية نفط مكان تلك الإمدادات، في مقابل ضمان الولايات المتحدة لأمن كل من البلاد وأسرة آل سعود الحاكمة.

والآن، في البيئة المتصدعة الحالية في الشرق الأوسط، توجد شركة واحدة فقط من شركات النفط التي كانت تسمى “الأخوات السبع” لا تزال تملك امتياز في نفط المملكة، وتسيطر عليها الولايات المتحدة، وهي “شيفرون”. وتقوم “شيفرون”، إلى جانب شركة نفط خليج الكويت، بإدارة الحقول البرية في “الوفرة” الجزء الكويتي في المنطقة المحايدة.

كما أن شركة نفط الكويت الخليجية، على اتصال وثيق مع “شيفرون”، هي التي تدير الحقول البرية في “الخفجي”، الجزء السعودي من الحقول، إلى جانب شركة “أرامكو”، من خلال شركة “الخفجي” للعمليات المشتركة. علاوة على ذلك، تسمح العمليات الفعلية لشركة “شيفرون”، أي الولايات المتحدة هنا، بتأكيد سلطتها في كلا البلدين، على الرغم من أنه من الناحية الجغرافية، يتم تعيين الحقول بوضوح بواسطة الحدود السيادية لكل بلد، إلا أن الخزانات النفطية تحت الأرض تتداخل تحت الأراضي السيادية للبلدين.

ويعني هذا أن أي هجمات أخرى على السعوديين، أو حتى الكويت، من قبل الحوثيين، أو إيران، يمكن أن تعتبرها الولايات المتحدة هجومًا على إحدى شركاتها الكبرى وموظفيها الأمريكيين، تحت اسم “شيفرون” وعلى الأرض التي توجد فيها للولايات المتحدة مصالح تجارية مستمرة. ويجب أن يتم تأسيس هذا على الفور عبر استئناف نحو نصف الإنتاج المعتاد من المنطقة المحايدة، مع عودة النصف الآخر خلال الأشهر الـ 6 المقبلة.