MBS metoo

إخضاع السعودية للقيم الأمريكية.. “المهمة المستحيلة” لإدارة بايدن

بانتقادات حادة في الولايات المتحدة، قوبل قرار إدارة الرئيس “جو بايدن” بالإفراج عن تقرير يتهم ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” بالتورط في قتل الصحفي “جمال خاشقجي”.

إذ اعتبر نشطاء حقوقيون ومدير سابق لوكالة المخابرات المركزية وأعضاء بالكونجرس من كلا الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) أن هذه الخطوة كانت قليلة التأثير وتفتقر إلى فرض عقوبات على الأمير الشاب.

وحتى مع اقترانها بالقرار الأخير القاضي بتعليق مبيعات الأسلحة إلى السعودية، نُظر إلى إصدار التقرير في الولايات المتحدة على أنه لا يفي بتعهد “بايدن”، خلال حملته الانتخابية، بمعاملة المملكة، الحليف القديم لأمريكا، على أنها “دولة منبوذة”.

لكن في المملكة، كان يُنظر إلى تلك الإجراءات على أنها تذهب بعيدا، فالرئيس “بايدن” يقوض ويتدخل صراحة في خط الخلافة بالسعودية المشحون بالفعل من خلال “إحراج” ولي العهد علنا، كما يقول أنصار المملكة.

وفي ظل الرؤية السعودية للمملكة كدولة مستقلة وشريك متساو يسعى إلى التحرر الاجتماعي لأسبابه الداخلية الخاصة، تواجه الإدارة الأمريكية الجديدة تحديات تفعيل سياستها الخارجية القائمة على الانتصار للقيم الأمريكية، والتأثير على سلوك الحليف (السعودية).

ومع تقديم الإدارة توضيحات، هذا الأسبوع، بأنها تسعى إلى “إعادة تقويم” العلاقة مع السعودية لتتماشى مع القيم الأمريكية، فقد اعترفت بمعادلة التوازن الصعبة الذي واجهها كل رئيس جديد للولايات المتحدة: نسج علاقات مع شريك لدى واشنطن مصالح استراتيجية مشتركة واسعة معه، مع القليل جدا من القيم المشتركة.

 

“رسالة صريحة”

وجاء الإفراج عن تقرير “خاشقجي” ضمن سلسلة تحركات للإدارة الجديدة تهدف إلى التعبير عن استيائها من الرياض.

والشهر الماضي، شدد الرئيس “بايدن” على أنه لن يعمل إلا مع الملك “سلمان بن عبد العزيز”، رافضا التعامل مع ولي العهد، الذي يعد الحاكم الفعلي للمملكة، بخلاف نهج سلفه “دونالد ترامب”.

وإضافة إلى تعليق مبيعات الأسلحة الهجومية للسعودية، جمدت الإدارة صفقات الأسلحة الحالية المبرمة مع المملكة لإجراء مراجعة دقيقة لها، وتم إرسال مبعوث خاص لتسهيل محادثات إنهاء الحرب السعودية في اليمن.

كما أصدرت الإدارة الأمريكية قرارا بمنع 76 فردا سعوديا متورطين في عمليات قمع للمعارضين من دخول الولايات المتحدة، واستندت إلى قانون “ماجنتسكي”، الذي يستهدف منتهكي حقوق الإنسان، لمعاقبة أعضاء ما يسمى بـ”قوة التدخل السريع”، وهي وحدة منبثقة عن الحرس الملكي السعودي، وتشارك في عمليات ملاحقة المنشقين.

وقالت الإدارة إن هذه الإجراءات بعثت “رسالة صريحة” إلى قادة المملكة تحدد “توقعات” جديدة للعلاقة بين البلدين.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية “نيد برايس”، في مؤتمر صحفي الإثنين: “نسعى إلى شراكة (مع السعودية) تعكس عملنا المهم معا ومصالحنا وأولوياتنا المشتركة، ولكن أيضا شراكة يتم إجراؤها بمزيد من الشفافية والمسؤولية وتتوافق مع قيم أمريكا”.

وأضاف أن “الخيارات التي تتخذها الرياض سيكون لها تداعيات كبيرة على المنطقة وتداعيات كبيرة على دول في المنطقة ودول خارج المنطقة، بما في ذلك الولايات المتحدة”.

وتابع: “نسعى لإنجاز الكثير مع السعوديين، لكن لا يسعنا إلا مواجهة هذه التحديات العديدة المهمة في شراكة مع المملكة تحترم قيمنا”.

 

ثنائية القيم والمصالح

في الواقع، ذكر مسؤولو وزارة الخارجية والبيت الأبيض “القيم” الأمريكية في هذا السياق ما يقرب من 12 مرة

لكن، تقليديا، لم تتم مراعاة هذه “القيم” إلا قليلا في تحالف ضمنت فيه السعودية استمرار إمدادات النفط للولايات المتحدة ودعم مبادراتها الإقليمية، مقابل التمتع بالحماية الأمريكية من التهديدات الخارجية.

ويشير البيت الأبيض إلى أن المصالح المشتركة مع السعودية كثيرة ومنها: الاستقرار الإقليمي، وإنهاء الحرب في اليمن، وإعادة إيران إلى طاولة المفاوضات (بشأن برنامجها النووي)، وتحقيق السلام بين إسرائيل من جانب والفلسطينيين والعالم العربي الأوسع من جانب آخر.

ورغم أن الولايات المتحدة نجحت – إلى حد كبير – في فطام نفسها عن النفط السعودي، لكن الحفاظ على نفوذها على أكبر منتج للوقود الأحفوري وأكبر مورد للنفط إلى الصين لا يزال يمثل مصلحة استراتيجية لواشنطن.

ومع ذلك، فإن هذه المصالح الاستراتيجية لم تفعل شيئا يُذكر لتقليص الفجوة في القيم مع مملكة استبدادية لديها وجهات نظر مغايرة حول الحقوق الفردية، ونظام قانوني مختلف تماما، ونظام ولاية سمح للرجل بالتحكم في حياة النساء لعقود.

ووفقا لمصدر دبلوماسي أمريكي لديه خبرة في الشأن السعودي ومطلع على الجدل السياسي في واشنطن، فقد وزنت إدارة “بايدن” الدعوات لمعاقبة ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” في مقابل الدعم السعودي لجهودها الإقليمية والعالمية، وخصوصا إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات، ومواجهة نفوذ الصين.

وأضاف المصدر: “لإعادة بناء قيادة عالمية (للولايات المتحدة)، أنت بحاجة إلى شركاء في كل منطقة من العالم، والسعودية في نهاية المطاف شريك قوي رغم أنه قد تكون بيننا خلافات ووجهات نظر مختلفة حول حقوق الإنسان”.

 

مملكة مستقلة

يقول مراقبون ودبلوماسيون إن القيود المفروضة على نفوذ الولايات المتحدة على السعودية – والتوقعات الكبيرة من الكونجرس وبين الجمهور الأمريكي (لمعاقبة النظام السعودي) – مرتبطة بمفاهيم خاطئة حول العلاقة نفسها.

فعلى عكس الغالبية العظمى من الدول العربية، لم يتم احتلال المملكة من قبل الغرب.

إذ جاء مؤسس المملكة، الملك “عبدالعزيز آل سعود”، إلى السلطة من خلال خوض حروب وعقد تحالفات (مع القبائل)، بدلا من أن يتم اختياره من قبل القوى الأوروبية لحكم دولة تابعة بالنيابة عنها.

وعندما أبرم الملك “عبدالعزيز” والرئيس الأمريكي “فرانكلين روزفلت” اتفاقا في الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية عام 1945، فعلا ذلك كشريكين متساويين، وكدولتين مستقلتين أقامتا تحالفا قائما على المصالح المشتركة.

وعلى عكس مصر أو الأردن، لا تتلقى السعودية مساعدات مالية أو عينية من الولايات المتحدة، وعوضا عن ذلك، غالبا ما تمول المملكة المشاريع التي تقودها الولايات المتحدة في المنطقة.

وتدفع المملكة مليارات الدولار من أجل التسلح والتمتع بالحماية العسكرية الأمريكية.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تدفع السعودية منذ فترة طويلة لتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان، فإن ذلك غالبا ما كان يحدث خلف الأبواب المغلقة لأسباب ثقافية وسياسية.

وعن ذلك، يقول الدبلوماسي السابق الرفيع المستوى في السفارة الأمريكية لدى الرياض مؤلف كتاب “رؤية أم سراب.. السعودية على مفترق الطرق”، “ديفيد رونديل”: “يُحسب للعلاقات الشخصية أهمية كبيرة في المملكة، وهناك حدود للخطاب العدائي دون الإضرار بمصالحك الخاصة، ونحن نقترب من تلك الحدود”.

 

التحرير الاجتماعي

لاحظ البيت الأبيض خطوات إيجابية أخيرة من الرياض، والتي شملت إطلاق سراح الناشطة في مجال حقوق المرأة “لجين الهذلول”، ومواطنين سعوديين أمريكيين، وتحسين وصول المساعدات الإنسانية إلى اليمن، والتعاون مع المبعوث الأمريكي المعين حديثا إلى اليمن “تيموثي ليندركينج” لإنهاء الحرب هناك.

وتقول الإدارة إن المملكة تسعى للإفراج عن نشطاء آخرين، وإصلاح مؤسسي، ومواصلة الإصلاحات الاجتماعية بعيدة المدى.

ومع ذلك، كان للولايات المتحدة تأثير ضئيل على التقدم الدراماتيكي في مجال حقوق المرأة والإصلاحات الاجتماعية الأخرى التي تتجذر حاليا في المملكة، والتي ولدت من رحم المصلحة الذاتية السعودية.

فمنذ أن اعتلى الملك “سلمان” العرش، وتصعيد نجله “محمد بن سلمان” (بتعيينه وليا للعهد)، غير الرجلان المملكة من خلال السعي إلى تحقيق هدفين متناقضين في بعض الأحيان لتدعيم الاستقرار وهما: تعزيز السلطة وتحرير المجتمع.

إذ ينظر حكام السعودية إلى تحرير المرأة، وفتح المجالات الاجتماعية والترفيهية، وتحييد وتهميش المؤسسة الدينية، على أنها أمور ضرورية لتمهيد اقتصاد المملكة لمرحلة ما بعد النفط.

وفي حين واجهت النساء السعوديات في السابق العديد من العراقيل للانخراط في قوة العمل، أصبحن الآن يعملن كرئيسات تحرير صحف ونائبات لوزراء الحكومة، ويتواجدن كذلك في مهن أخرى مثل العمل كمضيفات في الفنادق، وفي السنوات الأخيرة، تم منحهن الحق في قيادة السيارة، بجانب حريات قانونية أخرى.

هذه الحريات، إلى جانب الانفتاح على سبل الترفيه والفعاليات الرياضية والفنية، تستهدف مئات الآلاف من السعوديين الذين درسوا في الغرب، وباتوا طبقة جديدة متوسطة وفوق المتوسطة، كما أنها تجعل المملكة وجهة مرغوبة أكثر للاستثمار الأجنبي.

وعن ذلك، يقول “نجاح العتيبي”، وهو محلل سعودي مقيم في لندن: “لسنوات وسنوات، ضغطت أمريكا والغرب على المملكة بشأن قضايا مثل قيادة المرأة للسيارة، وتحرير المجتمع، وإصلاح التعليم الديني، لكن لم يحدث شيء”.

وأضاف: “ثبت أن هذا الضغط غير فعال، وأن هذه الإصلاحات حدثت فقط عندما قرر السعوديون أن الوقت قد حان لتنفيذها”.

وأوضح أن المملكة “تعرف مجتمعها، وإرثها الثقافي، وعقدها الاجتماعي، وكان عليها أن تقرر ما هو مناسب لها ولشعبها، والإطار الزمني لذلك”.

 

توطيد السلطة

كان الوجه الآخر لهذه التغييرات هو المركزية الاستبدادية، القاسية في بعض الأحيان، للسلطة التي تتعارض مع القيم الأمريكية.

فقد حول الملك “سلمان” خط الخلافة، وقلص عملية صنع القرار من المشاورات البطيئة بين المئات من أفراد العائلة المالكة، إلى وضع تلك السلطة في يد رجل واحد هو نجله “محمد بن سلمان”.

وفي الطريق نحو ترسيخ هذه المركزية، تم سجن منشقين وأمراء منافسين.

يقول المراقبون إنه من خلال الدبلوماسية الدقيقة، وليس الضغط، يمكن لواشنطن أن تأمل في التأثير على الإصلاحات الاجتماعية التي تتماشى مع القيم الأمريكية. ومع ذلك، قد تكافح الولايات المتحدة لدفع السعوديين إلى كبح جماح الإجراءات الاستبدادية، التي تم تبنيها لدفع التغييرات السريعة.

يقول “رونديل”: “بدلا من مجرد المعاقبة، يتوجب عليك تشجيع الإصلاحات الإيجابية التي شرع فيها السعوديون بشكل مستقل تماما عنا”.

ويضيف: “يمكننا التأثير على السعوديين في تحرير المرأة، ومعالجة الفساد، وإصلاح التعليم، والحريات الدينية. هذه هي المجالات التي تتطابق فيها اهتماماتنا ويمكن أن تغير الأشياء”.

Exit mobile version