جاءت الضربة المدمرة للعلاقات السعودية الباكستانية عندما اقتطعت السعودية “جيلجيت بالتستان” وكشمير من الحدود الباكستانية الموضحة في خريطة العالم المطبوعة على ظهر الورقة النقدية فئة 20 ريالا التي أصدرتها المملكة احتفالا برئاستها لقمة مجموعة العشرين في الفترة من 21 إلى 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

وفي وقت سابق، هدد وزير الخارجية الباكستاني “شاه محمود قريشي” السعودية، بأن بلاده ستنضم إلى كتلة أخرى إذا لم تثر السعودية قضية كشمير في منظمة التعاون الإسلامي. وكان يعني بذلك الكتلة التي تقودها الصين وتحتل فيها إيران، خصم السعودية، مكانة بارزة.

ولم تتجاهل الرياض هذا التهديد وردَّت بمطالبة باكستان بسداد مبلغ مليار دولار كانت السعودية قد قدمتها لإسلام آباد قرضا فوريا لدعم احتياطيها من النقد الأجنبي.

ولتدارك الأزمة، سافر رئيس أركان الجيش الباكستاني “قمر جاويد باجوا” إلى الرياض. لكن ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” رفض الاستماع إلى رئيس الجيش الإسلامي الوحيد الذي يمتلك أسلحة نووية. وكانت هذه إهانة لقائد الجيش القوي بشكل لا يمكن إصلاحه.

والسؤال الآن هو لماذا ابتعد البلدان عن بعضهما البعض؟ هل كان تصريح “قريشي” غير المرغوب فيه مسؤولا عن كل هذه العداوة المفاجئة بين البلدين؟ أم أن الأسباب كانت تتراكم منذ فترة طويلة؟ وهل ستعود العلاقات في يوم من الأيام إلى نفس الحرارة السابقة أو تصبح طبيعية على الأقل؟ حسنا، تحتاج الإجابات على هذه الأسئلة إلى وصف عميق وتحليل وتقييم لأسباب ومدى تدهور العلاقات في الأساس.

 

لماذا ابتعدت السعودية عن باكستان؟

تاريخيا، كانت العلاقة دافئة بين السعودية وباكستان. والأهم من ذلك، استثمرت السعودية قدرا كبيرا من التمويل في برنامج الأسلحة النووية الباكستاني وفي قطاع الدفاع العام هناك. وكان لدى السعودية النية لمواجهة إيران وجميع التهديدات الأخرى بالأسلحة النووية الباكستانية وجهازها الدفاعي التقليدي.

وفي الواقع، لم تختف التهديدات التي تتعرض لها مصالح السعودية، لكن المملكة توصلت إلى نتيجة مفادها أنها لا تحتاج إلى أسلحة نووية قبل فترة طويلة من حدوث الانهيار المفاجئ في علاقاتها مع باكستان.

وكان على السعودية السنية مواجهة وكلاء إيران الشيعة في الشرق الأوسط، خاصة بعد الربيع العربي. وأثبتت الحرب في الشرق الأوسط أنها “حرب شوارع” بين الوكلاء. وفي “حرب الشوارع” يعيش الأصدقاء والأعداء معا. لذلك، في هذا الوضع المعقد للغاية، فإن السلاح الخفيف مثل الكلاشينكوف وما إلى ذلك تبقى هي الأسلحة الأكثر فعالية من سلاح الجو والمدفعية وأي سلاح ثقيل، فضلا عن الأسلحة النووية.

وتنفق باكستان 2.5 مليار دولار سنويا على صيانة ترسانتها النووية، وفقا لمبادرة التهديد النووي. لكن هذه الترسانة الكاملة لا يمكن أن تساعدها في القضاء على الإرهاب والتمرد العرقي. وبالتالي، في حالة تشبه الحرب الأهلية، فإن الأسلحة المدمرة للغاية مثل الأسلحة النووية تصبح غير مجدية.

علاوة على ذلك، حتى لو نجحت إيران في بناء أسلحة نووية، فمن المستبعد أن تستخدمها ضد السعودية. لذلك، ترى المملكة أنه من الأفضل الاستثمار في أسلحة أخرى بدلا من الأسلحة النووية، التي هي مجرد نموذج لردع عدوك المتفوق في الأسلحة التقليدية. علاوة على ذلك، وجدت السعودية مصدرا جديدا للقوة في (إسرائيل).

وبالرغم من نشر نحو 30 ألف باكستاني متقاعد وأفراد في الخدمة لحراسة النظام الملكي في البحرين، رفضت باكستان طلب الرياض المشاركة في الحرب في اليمن. وقبل ذلك، تلقت السعودية صدمة عندما تم اكتشاف أن تاجر الأسلحة النووية الباكستاني “عبدالقادر خان”، كان يقوم بتصدير المعرفة والمواد النووية إلى إيران.

كذلك لا يمكن للسعودية أن تتسامح مع علاقة الصداقة بين باكستان وتركيا، وهي عثرة أخرى في العلاقات بين البلدين. وهكذا، فإن تصريحات “قريشي” كانت مجرد القشة التي قصمت ظهر البعير.

 

لماذا ابتعدت باكستان عن السعودية؟

وكانت باكستان بحاجة إلى السعودية لتأمين الدعم السياسي والدبلوماسي والمالي وتزويدها بالنفط. وعندما هزمت باكستان في الحرب الباكستانية الهندية عام 1971، كان العالم الإسلامي، وخاصة الملك “فيصل”، هو الذي ساعد باكستان على استعادة الثقة المفقودة.

وسهلت السعودية استضافة باكستان قمة منظمة المؤتمر الإسلامي في لاهور عام 1974. وبالإضافة إلى ذلك، مولت المملكة النقد الباكستاني واستوردت العمالة الباكستانية غير الماهرة بالملايين. وتلقت باكستان تحويلات مالية وفيرة من السعودية ودول إسلامية أخرى. وساعدت السعودية باكستان في إنشاء وتأسيس أجهزتها النووية.

ومع ذلك، فإن السعودية اليوم ليست هي المملكة نفسها التي اعتادت باكستان التعامل معها. والاقتصاد السعودي ليس قويا اليوم كما كان سابقا، و”بن سلمان” ليس الملك “فيصل”. ولدى ولي العهد رؤيته الاقتصادية الخاصة لتحويل الاقتصاد من الاعتماد على النفط إلى بعض مصادر الدخل الأخرى. لذلك فإنه غير مستعد لتقديم النفط إلى باكستان دون مقابل.

ومن ناحية أخرى، وجدت باكستان في الصين الدعم السياسي والدبلوماسي والمالي، خاصة فيما يتعلق بقضية كشمير ومن خلال الممر الاقتصادي الباكستاني. وتملك الصين حق النقض في مجلس الأمن. وهي تساعد باكستان دبلوماسيا أكثر مما تستطيع السعودية.

 

هل يمكن أن تعود العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها مرة أخرى؟

واحتاجت السعودية إلى باكستان لأسباب أمنية، وعندما اتضح أنه لا يمكن تحقيق هذه الأهداف عبر باكستان، تخلت السعودية عن باكستان. وبالمثل، احتاجت باكستان إلى السعودية لأغراض سياسية ودبلوماسية ومالية. وعندما وجدت باكستان أن الصين قادرة على تحقيق مصالحها، تخلت باكستان عن السعودية.

وبصرف النظر عن كل الاختلافات في المصالح المذكورة أعلاه، فإن باكستان تقع في مدار النفوذ الصيني، بينما تقع السعودية في فلك النفوذ الأمريكي. علاوة على ذلك، تقع إيران أيضا في تحالف الصين، وتقع (إسرائيل) في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.

ومع ذلك، يمكن لكلا البلدين الحفاظ على الود، لكن العامل الإيراني أكثر إثارة للانقسام من أي عامل آخر. وفي الماضي، كان هناك الكثير من الخلافات بين إيران وباكستان، لكن البلدين أدركا الآن أنهما بحاجة إلى الصداقة.

وتجد باكستان أعداء على حدودها الشرقية والشمالية الغربية. لذلك، لا يمكنها تحمل عدو آخر على حدودها الآمنة الوحيدة، أي الحدود الإيرانية الباكستانية. وتجد إيران نفسها أيضا في نفس الوضع إلى حد ما. لذا فهي ترغب في جار ودود على حدودها الشرقية.

وهناك أيضا مشكلة في كل من بلوشستان باكستان وسيستان بلوشستان في إيران. ومع تكثيف تمرد عرق البلوش الممتد عبر الحدود الباكستانية الإيرانية، يجد البلدان نفسيهما أقرب وأقرب.

لذلك، ليس للسعودية الآن مكان لدى باكستان. وفي العلاقات الدولية، لا توجد صداقة أو عداء دائم. ويمكن أن تعود العلاقات الطبيعية أو حتى الود في العلاقات بين باكستان والسعودية، لكن التقارب القديم يصعب استعادته.