يرى مراقبون في الأمر الملكي الذي صدر في 27 من الشهر الماضي بشأن اعتبار يوم 22 فبراير من كل عام يوم ذكرى تأسيس السعودية، باسم (يوم التأسيس) بأنه تطور خطير يمهد لإرساء قوانين وتشريعات خطيرة.

ووفق الأمر الملكي جاء تحديد يوم 22 فبراير “اعتزازاً بالجذور الراسخة لهذه الدولة المباركة، وارتباط مواطنيها الوثيق بقادتها منذ عهد الإمام محمد بن سعود قبل ثلاثة قرون، وبداية تأسيسه في منتصف عام 1139هـ (1727م) للدولة السعودية الأولى التي استمرت إلى عام 1233هـ (1818م)، وعاصمتها الدرعية”.

ويشار إلى أن المملكة تحتفل باليوم الوطني في 23 سبتمبر من كل عام. وهذا التاريخ يعود إلى المرسوم الملكي الذي أصدره الملك المؤسس عبد العزيز بن سعود عام 1932، والذي قضى بتحويل اسم الدولة من مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها إلى المملكة العربية السعودية.

لكن المراقبون يبرزون أن قرار يوم التأسيس يحمل دلالات كثيرة وخطيرة في نفس الوقت، بحيث لا ترتبط بتاريخ تأسيس المملكة فحسب بل بمستقبلها، خصوصًا أن إعلانه تزامن مع قرارات أخرى لها دلالاتها وأهدافها.

إذ شهدت المملكة خلال أربعة أيام عددًا من القرارات، قد لا تبدو مترابطة مع بعضها للوهلة الأولى. ولكن بنظرة عميقة للموضوع، تكشف لنا زوايا أخرى، خصوصًا مع تزامنها، وما رافقها مع ترويج إعلامي قادهُ الإعلام الرسمي والذباب الإلكتروني، لإضفاء هالة إعلامية عليها وإبراز الفرح الشعبي بها.

وعلى الرغم من أن هذه الأحداث (كلًا على حدا) تبدو بسيطة أو اعتيادية لا تستحق الوقوف عليها طويلًا.

إلا أن هذه القرارات تحمل في طياتها بُعدًا آخر يمكن اختزاله بأنه تمهيد لأدلجةٍ جديدةٍ للمملكة، تتنصّل فيه من تاريخ أجدادها وتفتح صفحة جديدة تحتمل تغييرات كبيرة.

ويذكر أن كل كتب التاريخ تذكر أن تأسيس الدولة السعودية الأولى بدأ عند اتفاق محمد بن سعود مع محمد بن عبدالوهاب عام 1744.

لكن الأمر الملكي أرجع تأسيس الدولة لعام 1727 لحظة وصول محمد بن سعود، رغم أنه كان يحكم الدرعية فقط ولم يفكر بتوسيع ملكه أو إعلان الدولة السعودية الأولى.

الملك سلمان كان قد ذكر في محاضرته “الأسس التاريخية والفكرية للدولة السعودية” في 2012، أن الاتفاق بين محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود هو انطلاقة تأسيس الدولة السعودية الأولى.

فما الذي دعا الملك الغائب عن ممارسة نشاطه واستقبال الملوك والرؤساء لإصدار القرار في هذا التوقيت؟!

بل حتى أن ولي العهد محمد بن سلمان كان قد أقر بذلك عام 2018، في حديثه لـ “بلومبيرغ”، حين أكد أن عام 1744 هو تاريخ تأسيس الدولة السعودية.

ولذا، فإن من الواضح أن إعلان يوم التأسيس لم يصدر لتمحيص تاريخ الدولة السعودية، بل لتغيير مستقبلها، عن طريق فك ارتباطها بدعوة الشيخ محمد عبد الوهاب.

وفك ارتباط الدولة بأي “جذور إسلامية”، سيمهّد الطريق أمام بن سلمان لتنفيذ مشروعيه التغريبي، الذي بدأ به بخطوات متسارعة، كتغيير مناهج التعليم واعتقال العلماء والدعاة وإشاعة اللهو والفساد وإقامة الحفلات الماجنة وتبديل القيم والأخلاق العربية والإسلامية بأخرى دخيلة.

والأخطر، أنه سيمّهد لإرساء قوانين وتشريعات جديدة للدولة سواء على الصعيد الداخلي كتشريعات السماح بالخمور والسكن بدون زواج والقضاء وغيرها.

وكذلك على الصعيد الخارجي، كإعلان التطبيع رسميًا مع إسرائيل ومغازلة الغرب بمزيد من الانفتاح والتحرر بتعزيز الانقلاب على المجتمع السعودي المحافظ.

وفي 30 يناير أعلن اتحاد الغرف التجارية عن تغيير اسم “القهوة العربية” لتصبح “القهوة السعودية”!

ومعلوم أن اليمن هو موطن القهوة الأصلي، وحتى المملكة تستورد معظم قهوتها منه، كما أشار تقرير النمو الاقتصادي الصادر عن البنك الدولي في 1999 أن %85 من صادرات اليمن من القهوة كانت للمملكة.

كم أن قناة (العربية) الحكومية السعودية كانت إلى عهد قريب تتغنّى بالقهوة اليمنية وأنها (لا تغيب عنها الشمس) وتذكر (كيف احتكر اليمن زراعة القهوة).

فيما ذكرت صحيفة (مكة) قبل سنوات أن أحد أسباب ارتفاع سعر القهوة في المملكة هو الأوضاع اليمنية المضطربة والضرائب التي يفرضها الحوثيون على المزارعين.

القرار الثالث صدر في 31 يناير، عن مجلس الشورى بتعديل نظام “العلم والشعار والنشيد الوطني”.

وعلى الرغم من أن علم المملكة مر بعدة مراحل وأشكال عبر ثلاثة قرون وهذا جزء طبيعي من مراحل تطور أي دولة، إلا أن توقيت التغيير وتزامنه مع قرارات مماثلة هو الذي يدعو للاستغراب.

القرار الثالث صدر في 31 يناير، عن مجلس الشورى بتعديل نظام “العلم والشعار والنشيد الوطني”.

وعلى الرغم من أن علم المملكة مر بعدة مراحل وأشكال عبر ثلاثة قرون وهذا جزء طبيعي من مراحل تطور أي دولة، إلا أن توقيت التغيير وتزامنه مع قرارات مماثلة هو الذي يدعو للاستغراب.

وعللت السلطات السعودية سبب التعديل بمواكبة الحراك الكبير الذي تشهده المملكة في السنوات الأخيرة وتحديدًا منذ تولى الملك سلمان، وولي عهده صاحب رؤية المملكة 2030، والتي تسعى لمراجعة وتطوير العديد من الأنظمة، والنصوص التشريعية الداعمة لأهداف ومبادرات رؤية المملكة 2030.

ويشير مراقبون إلى أن هذه القرارات لم تصدر بالتأكيد عن الملك (المغيّب) ولا عن مجلس الشورى (المنزوع الصلاحيات) ولا اتحاد الغرف التجارية، خصوصًا تزامن إصدارها في أربعة أيام، وما رافق ذلك من احتفاء مبالغ فيه.

والمؤكد أنها بأوامر من ابن سلمان، الذي يروّج لنفسه كصاحب رؤية ملهمة!

والقرارات هي محاولة من بن سلمان لتقديم نفسه كمجدّد للدولة السعودية، في المضمون والجوهر بعد أن روّج سابقًا أنه مهندس النهضة والتطوير.

فهو الذي أعاد كتابة تاريخ تأسيس المملكة وغيّر علمها ونشيدها الوطني، وصنع مجدًا للدولة السعودية بـ (القهوة السعودية) بدل (القهوة العربية)!

ويحذر المراقبون من أن تغيير يوم التأسيس سيمهد مستقبلًا لدولة سعودية بلباس جديد تتنصّل فيه من أي مرجعية إسلامية مما يمهّد لتشريعات وقوانين ترضي المشروع الأمريكي والإسرائيلي في محاولة من بن سلمان لتثبيت نفسه في الحكم، وتمرير مخططات إسرائيلية، التي بدأت إرهاصاتها تتجلى يومًا بعد يوم.