للمرة الثالثة خلال 18 شهرا، رفعت السعودية أسعار الوقود بنسبة وصلت إلى 6 بالمئة بالمرة الأخيرة في 14 يوليو/ تموز الجاري، وبررت المملكة قرارها بأنه يأتي ضمن حزمة خططها للإصلاح الاقتصادي الذي بدأته منذ عام 2017، على يد ولي العهد محمد بن سلمان.
ورغم أن الزيادة الأخيرة لم تكن هي الأولى، إلا أنها كانت الأكبر والأكثر قسوة على المواطن السعودي، الذي بات على قناعة بأنه يدفع فاتورة تورط السعودية في عدد من الملفات السياسية والعسكرية بمنطقة الخليج العربي والشرق الأوسط.
السعوديون الذين علّقوا على قرار حكومتهم برفع أسعار الوقود، سخروا من كونهم الدولة الأكبر في إنتاج النفط على مستوى العالم، ومع ذلك تتقافز فيها أسعار الوقود بشكل سريع، في ظل إجراءات تقشفية أخرى اتخذتها الحكومة، أدت محصلتها لتضييق الخناق على المواطن بحجة الإصلاح الاقتصادي.
ردود الأفعال الغاضبة للسعوديين على مواقع التواصل الاجتماعي من ارتفاع أسعار الوقود، كشفت عن أزمة حقيقية تعيشها المملكة على يد بن سلمان، الذي جعل بلاده بمثابة خزانة أموال مفتوحة للرئيس الأمريكي يأخذ منها ما يشاء وفي أي وقت يريد، من أجل ضمان وصوله لمقعد الملك بعد رحيل والده المسن، أو حتى في أثناء حياته.
تبريرات وردود
الاقتصاديون الذين علقوا على الارتفاعات الأخيرة في أسعار الوقود، رفضوا تبريرات المسؤولين السعوديين بأنها خطوة مطلوبة لتصحيح أسعار منتجات الوقود، وتقليص النمو المتسارع في الاستهلاك المحلي، وضمان الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية الوطنية وتعزيز استدامتها، مؤكدين أن السبب الأساسي وراء القرار الأخير، هو رغبة الحكومة في الحد من النزيف المالي للمملكة، في ظل زيادة الإنفاق الحكومي، خاصة العسكري، وضخامة كلفة حرب اليمن وتراجع الإيرادات النفطية خلال الفترة الأخيرة مع انخفاض أسعار النفط.
وتحدثت العديد من التحليلات الصحفية، عن أن هذا الغلاء الأخير في الوقود، يأتي في وقت تراكمت فيه الأعباء على المواطنين والمقيمين بالمملكة، بسبب الإجراءات التقشفية التي اتخذتها الحكومة لوقف عجز الموازنة وتعويض تراجع الإيرادات النفطية في السنوات الأربع الماضية، مع انخفاض أسعار النفط مقارنة بمنتصف عام 2014.
وتتوقع السعودية أن يبلغ العجز في ميزانية العام الجاري 131 مليار ريال (35 مليار دولار)، بما يعادل 4.2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، كما أنه من المتوقع أن يزيد الدين العام إلى 678 مليار ريال (نحو 180 مليار دولار) في 2019.
غضب سعودي
ناشطون سعوديون انتقدوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، القرار الحكومي الأخير، وترحموا على أيام الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز الشهير بـ “أبو متعب”، مؤكدين أنه كان أولى بأولي الأمر وقف إنفاق المليارات على هيئة “الترفيه” وغيرها، مما لا تأتي بالنفع على المواطنين، مقابل إثقال كاهل الأخير برفع الأسعار والعقارات، وعدم إيجاد فرص عمل، ما اعتبروه كارثة حقيقية تهدد بلادهم، وأرجع ناشطون آخرون القرار بأنه محاولة من الحكومة لتعويض ما أنفقته على حرب اليمن، ولكن من جيوب المواطنين.
الأكبر نفطا واقتراضا
ورغم أن المملكة السعودية تعد هي الأكبر والأغنى من حيث إنتاج النفط على مستوى العالم، إلا أنها أيضا تعد الأكبر اقتراضا للديون بين الدول العربية، وهو ما أشارت إليه وكالة “ستاندرد آند بورز” العالمية للتصنيف الائتماني، بأن السعودية وتليها مصر، هما أكبر الدول المقترضة عربيا على التوالي.
وأشارت الوكالة إلى أن السعودية ستكون أكبر مقترض في العام الحالي بما قيمته 29 مليار دولار، أو ما يعادل 22 بالمئة من إجمالي الاقتراض التجاري الطويل الأجل في المنطقة كلها، تليها مصر بـ28 مليار دولار أو 20 بالمئة من الإجمالي.
وفي إطار ليس بعيدا عن تقرير “ستاندرد آند بورز”، تحدثت صحيفة “وول ستريت جورنال” في دراسة مفصلة عن الاقتصاد السعودية في مارس/ آذار الماضي، وقالت بأن السحب السوداء بدأت تتراكم في سمائه، وأن خطة ولي العهد محمد بن سلمان التي أطلق عليها اسم “خطة إصلاح الاقتصاد السعودي وتنويع مصادر الدخل” أو رؤية 2030، بدأت تتحول إلى كابوس حقيقي يقض مضاجع المواطنين السعوديين وشركات القطاع الخاص، التي سجلت أرباحها نتائج مخيبة للآمال عام 2018، وآخرها “المراعي” و “صافولا”.
ووفق الصحيفة الأمريكية المختصة في مجال الاقتصاد، فإن البيانات الرسمية السعودية تشير إلى أن غلاء المعيشة وضعف المرتبات وضعا الكثير من مواطني المملكة تحت نيران الفقر والغلاء، حيث وصل متوسط إنفاق الأسرة السعودية الشهري المكونة من 4 إلى 6 أشخاص يُقدر بنحو 14 ألف ريال، بينما يوجد في المملكة قرابة مليون سعودي رواتبهم 3500 ريال أو أقل، وهنالك قرابة مليون سعودي مسجلين في الضمان الاجتماعي، تتراوح مخصصاتهم بين 850 إلى ألفي ريال، وأكثر من ربع مليون سعودي في التقاعد لا تتجاوز مخصصاتهم الشهرية 4 آلاف ريال.
وأوردت الصحيفة أراء لمواطنين سعوديين، قالوا إنهم “غير راضيين عن برنامج الإصلاح الاقتصادي؛ لأن كل ما رأوه من الإصلاح هو زيادة في أسعار الوقود وتعريفة الكهرباء.
ووفق تحليل الصحيفة، فإن خطة “الإصلاح الاقتصادي 2030″، التي من المفترض أن تحول الاقتصاد السعودي من الاعتماد على النفط إلى الاعتماد على القطاعات غير البترولية، وتنوع الاقتصاد ومصادر الدخل الحكومي، انتهت إلى إلحاق أضرار بالاقتصاد الخاصّ وشركاته، وجعلت المواطن أشدّ حرصا في الإنفاق، حيث ضربت أرباح المتاجر والشركات.
البطن المفتوح
ورغم الجهود الذي يبذلها ولي العهد محمد بن سلمان في تحسين صورته، وإخراجه للمجتمع الدولي بأنه صاحب العصا السحرية التي سوف تجعل من المملكة كيانا اقتصاديا عالميا، إلا أن التحليلات السياسية والاقتصادية على حد سواء، أكدت أن ما يقوم به ولي العهد يأتي في إطار محاولاته للفت أنظار المجتمع الدولي عن الحرب التي تديرها بلاده باليمن، والأخرى التي كانت تحاول إدخال منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط فيها بسبب إيران، وثالثا الإغداق غير المحدود على الثورات المضادة للربيع العربي، وخاصة في مصر والسودان واليمن.
وتشير العديد من التقارير التي صدرت في مارس/ آذار الماضي، بمناسبة مرور 4 سنوات على الحرب السعودية باليمن، تحت غطاء التحالف العربي، تشير إلى أن هذه الحرب لم تحرق فقط الشعب اليمني، وتحوله لشعب جائع ومريض ومشرد، وإنما حرقت أيضا المملكة العربية السعودية التي تقود التحالف ضد جماعة الحوثي.
وتشير التقارير إلى أن حرب اليمن انعكست سلبا على السعودية، ورغم أنه لا يوجد أرقاما محددة عن تكلفة هذه الحرب، إلا أن التقديرات تشير إلى وصلوها لـ 30 مليار دولار خلال الأيام الأولى للحرب، بينما قدرت مجلة “فوربس” الأمريكية الخسائر بنحو 120 مليار دولار خلال الأعوام الاربعة، وهي الخسائر التي لا تشمل الخسائر غير المباشرة التي تكبّدتها السعودية مثل تراجع الاستثمارات، والنقص في الاحتياطي الأجنبي، وزيادة الإنفاق العسكري.
وبحسب المجلة، فإن تكاليف استخدام هذا العدد الكبير من الطائرات في الطلعات شبه اليومية، لا يقل عن 175 مليون دولار شهريا، ودللت المجلة على رأيها بما أعلنته مؤسسة النقد العربي (البنك المركزي السعودي) بأن الحكومة سحبت ما يزيد على 25 مليار دولار من أرصدتها الاحتياطية خلال الفترة من 2015 وحتى نهاية 2018.
ووفق دراسة أخرى نشرتها جامعة هارفارد الأمريكية، فإن تكلفة الحرب تصل إلى 200 مليون دولار في اليوم الواحد، بينما قدرت صحيفة “الرياض” الحكومية تكلفة تشغيل الطائرات السعودية المشاركة بالحرب بنحو 230 مليون دولار شهريا، متضمّنة تشغيل الطائرات والذخائر المُستخدمة والاحتياطية، وثمن كافة قطع الغيار والصيانة وغيرها.
وتشير التقارير السابقة إلى أن حرب اليمن أجبرت السعودية على رفع إنفاقها العسكري، لتحتل المركز الأول عالميا في هذا المجال، وهو ما كان له تأثير سلبي على الاقتصاد السعودي، حيث رفعت المملكة قيمة إنفاقها العسكري في العام 2015 إلى 82.2 مليار دولار، بعد أن كان قد بلغ في 2013، 59.6 مليار دولار فقط.
كما أعلنت شركة “آي إتش إس” للأبحاث والتحليلات الاقتصادية أن مشتريات السعوديّة من السلاح قفزت بمعدل كبير، لتصبح المملكة المستورد الأول للسلاح على وجه الأرض منذ عام 2015، بقيمة 65 مليار دولار.
وفي مقابل زيادة النفقات العسكرية واستيراد السلاح، تراجع احتياطي النقد الأجنبي لدى المملكة بشكل غير مسبوق؛ فبعد أن كان 737 مليار دولار في 2014، انخفض إلى 487 مليار في يوليو 2017.
العم ترامب
ويرى المتابعون، أن الحرب التي تورطت فيها السعودية باليمن، ليست هي الكارثة الوحيدة التي تهدد الاقتصاد السعودي، حيث ترافقها كارثة أخرى وهي حالة استنزاف شبه يومي يمارسه الرئيس الأمريكي ترامب ضد المملكة، وهو ما كان له تأثير مباشر على الموقف الرسمي الأمريكي في حادثة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وتورط ولي العهد في العملية، إلا أن ما يقدمه بن سلمان من أموال للعم ترامب، جعل الأخير يتخذ موقفا داعما لـمحمد بن سلمان.
وبحسب تصريحات ترامب الشهيرة في أبريل/نيسان الماضي، والتي قال فيها: “دفعنا 7 تريليونات دولار خلال 18 عاما في الشرق الأوسط وعلى الدول الثرية دفع مقابل ذلك”، وقال أيضا: “هناك دول لن تبقى لأسبوع واحد دون حمايتنا، عليهم دفع ثمن لذلك”.
ولم يتأخر بن سلمان في الرد، وكاد أن يورط المنطقة العربية والخليجية في حرب ضد إيران، وفي النهاية خرجت منها واشنطن وطهران فائزتين، بينما تحمّل بن سلمان وحده تكلفة تحريك الأسطول الأمريكي للمياه الخليجية، في نزهة لم تستمر كثيرا.