MBS metoo

إيكونوميست: على السعودية أن تستمع لمنتقديها بدلاً من أن تسجنهم

داخل قاعة مؤتمرات منمقة، تحدث رئيس صندوق مخصص للتقنية قيمته 100 مليار دولار مع صفوف من الكراسي الفارغة، ثم سقط لفترة وجيزة نائما.

خارج القاعة كانت هناك شركة أمريكية تروج لباقات الطيران الخاصة بها، وروبوت يرجو من المارين أن يربتوا على رأسه لأن هذا “سيجعله يشعر بحال أفضل”، على حد قوله.

كانت هذه أهم معالم الدور الثالثة لمبادرة مستقبل الاستثمار، وهو مؤتمر الأعمال الرائد في السعودية.

استقطب الحدث، الذي اختتم أعماله في الرياض يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول، حوالي 6000 ضيف، ما جعل المسؤولين السعوديين يشعرون بتحسن.

وكانت أول دورات مبادرة مستقبل الاستثمار في عام 2017 بمثابة عرض أولي لبرنامج الإصلاح الاقتصادي لولي العهد “محمد بن سلمان”، لكن مقتل الصحفي “جمال خاشقجي” على يد عملاء سعوديين طغى على الدورة الثانية للمبادرة في العام الماضي، ما دفع العديد من كبار المديرين التنفيذيين للإحجام عن الحضور.

لكن هؤلاء المديرين أنفسهم لم تكن لديهم أي تحفظات بشأن حضور حدث هذا العام، حيث جادل العديد من الضيوف بأن المملكة قد تعلمت درسًا من الضجة حول “خاشقجي”.

صحيح أن العملاء السعوديين لم يقطعوا أوصال أي صحفيين خلال الـ12 شهرا الماضية، لكن هذا ليس بسبب أن المملكة ندمت على تصرفها، ولأنها نجحت بالفعل في إجبار المنتقدين على الصمت.

وفي السادس من نوفمبر/تشرين الثاني، تم اتهام اثنين من موظفي “تويتر” في الولايات المتحدة باستخدام قدراتهما على الوصول للبيانات لمساعدة السعودية في التجسس على المعارضين.

ومع عقد المملكة العزم على خنق المعارضة في الداخل، في الوقت الذي تبيض فيه صورتها في الخارج، فإنها حرمت نفسها من مشاركات قيمة في أجندتها الإصلاحية الجريئة، والمعيبة في الوقت نفسه.

 

أجندة إصلاح عاجزة

بالتأكيد هناك علامات إيجابية في المملكة، حيث زاد نمو القطاعات غير النفطية وانخفضت معدلات البطالة، وكان المسؤولون في مبادرة مستقبل الاستثمار متحمسين للحديث عن القفزة التي حققتها المملكة في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال التجارية للبنك الدولي (ارتفعت 30 مركزًا وصولًا إلى المرتبة رقم 62).

وقد خففت العاصمة الصارمة الرياض من حدة القيود فيها بطرق لم يكن يتم تخيلها قبل 5 سنوات، وتستضيف البلاد الآن المهرجانات الفنية والعروض السينمائية، وفي سبتمبر/أيلول، بدأت المملكة في إصدار تأشيرات سياحية لمواطني عشرات البلدان.

وقد وقعت المملكة العربية السعودية صفقات بقيمة 20 مليار دولار خلال مبادرة مستقبل الاستثمار، لكن أكثر من نصف تلك القيمة جاءت من مشروع مشترك بقيمة 11.5 مليار دولار لبناء محطات توليد للطاقة في مدينة جازان الغربية، وتميل مثل هذه المشاريع إلى خلق وظائف قليلة للمواطنين السعوديين.

وعلى الرغم من أن الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الداخل قد زاد أكثر من الضعف في العام الماضي، ليصل إلى 3.2 مليار دولار، لكنه لا يزال أقل بكثير من مستوياته منذ عقد مضى، حيث حرص العديد من الحاضرين في مبادرة مستقبل الاستثمار على الفوز بعقود مع الدولة، بدل من تقديم أموالهم للاستثمار فيها.

وبعد فترة انكماش للاقتصاد السعودي خلال عام 2017، بدأ اقتصاد البلاد ينمو من جديد، حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بنسبة 2.9% في الربع الثاني من هذا العام (على الرغم من أن إيرادات النفط الضعيفة تركت النمو الإجمالي عند 0.5%). لذلك، تقول وزارة المالية إنها ستتوقف عن الدفع بإجراءات لتشجيع النمو وأنها ستخفض الإنفاق بنسبة 3% في عام 2020.

لكن من الصعب القول ما هو النمو “غير النفطي” في بلد تعتمد فيه حتى قطاعات مثل البناء على الإنفاق الحكومي الممول من النفط.

ويبقى خلق فرص عمل للمواطنين من أهم أولويات المملكة، وهي تحقق تقدما في ذلك لكنه بطيء، يرحب الشباب السعودي بالضيوف في الفنادق ويعدون القهوة في المقاهي، في مشاهد لم يكن من الممكن تصورها في معظم دول الخليج، لكن البطالة بين المواطنين لا تزال فوق 12%.

يتذمر المديرون التنفيذيون من الرسوم التي زادت عن أي وقت مضى لقاء استخدام العمالة الأجنبية، وفي سبتمبر/أيلول، تنازل مجلس الوزراء عن هذه الرسوم لمدة 5 سنوات في قطاع التصنيع، الذي يوظف 645 ألف مهاجر، أي 10% من إجمالي القوى العاملة الأجنبية.

وكان هذا الامتياز علامة على أن العديد من الشركات السعودية لا يمكنها تحقيق ربح اعتمادا على توظيف العمالة المحلية المكلفة.

 

رهانات سيئة

وفي حين أن الاستثمار الأجنبي المباشر المتجه إلى الداخل السعودي كان متواضعا، فإن أكثر من 21 مليار دولار تدفقت من السعودية إلى الخارج في العام الماضي، معظمها من خلال صندوق الاستثمار العام، الذي يسيطر عليه حليف لولي العهد السعودي.

ويأمل صندوق الاستثمار في كسب عوائد كبيرة في الخارج واستخدامها لتمويل عمليات تنويع الاقتصاد في الوطن، لكنه راهن بعض الرهانات السيئة، خاصة استثماراته البالغة 45 مليار دولار في “صندوق فيجين” الخاص بـ”سوفت بانك”، ففي السادس من نوفمبر/تشرين الثاني، أعلنت الشركة عن خسارة فصلية قدرها 8.9 مليار دولار للصندوق، معظمها بسبب مشكلات لدى شركة ناشئة لتأجير المكاتب تدعى “وي وورك”.

وقد يتلقى صندوق الاستثمار العام قريبًا ضخًا جديدًا لرأس المال من الطرح العام الأولي لشركة “أرامكو”، وهي شركة النفط الحكومية العملاقة.

وفي 3 نوفمبر/ شرين الثاني، تمت الموافقة بشكل مبدئي على الطرح، ويتم تشجيع السلوك على توفير السيولة لتمويل مشتريات الأسهم، على الرغم من المخاوف من أن هذا سيؤدي إلى تقييد السيولة في أماكن أخرى.

 

النقد المحرم

ويبدو أن الكثير من السعوديين متحمسون لشراء أسهم “أرامكو”، ويرون أنها فرصة مربحة وواجب وطني في الوقت نفسه، لكن هذا يمكن أن يحول “أرامكو” إلى مشكلة سياسية لولي العهد السعودي الذي يعتقد أن قيمة الشركة يجب أن تبلغ 2 تريليون دولار، بينما تعتقد البنوك العاملة في الاكتتاب العام أنها تستحق أقل بكثير.

ويمكن أن يكون هناك رد فعل عنيف إذا قام السكان المحليون بشراء الأسهم بأسعار مرتفعة وحققوا خسارة في المدى القريب، لكن القليل من السعوديين يجرؤون على إثارة مثل هذه المخاوف في العلن، وقد تم سجن اقتصادي سعودي بسبب تشكيكه في الاكتتاب العام العام الماضي.

يقول رجل أعمال: “لا يمكنك القيام بعمل تجاري هنا إذا لم يروا أنك مخلص لهم، لا يمكنك التشكيك في سردية الحكومة بأي شكل”.

Exit mobile version