تقرير خاص

في مشهد يذكرنا بأفلام المافيا الإيطالية التي اشتهرت بها هوليود في سبعينيات وثمانينيات القرن المنصرم، ظهر “سعد الجبري” ضابط المخابرات السعودي السابق، على الساحة السياسية الدولية ليكشف لنا على أننا نحكم من قبل عصابات لا تقل ضراوتها وضررها عن عصابات المافيا!

فمشهد كمشهد إعلان “الجبري” على أنه قد سجل مقطع فيديو يمتد لساعات يفضح فيه انتهاكات وفضائح لولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”، وأبيه، هو مشهد لم يكن من المكن أن تراه إلا داخل فيلم أمريكي قديم، ينتهي بجملة “في حالة لو حدث شيء لي، سيخرج شريط الفيديو هذا للملأ!”.

ولكن كل ما يحدث وسيحدث في تلك القضية، هو مؤشر خطير على أننا نُحكم من قبل عصابة، لم يفتضح أمرها إلا حين تشاكل أعضاؤها مع بعضهم ، لتخرج مسروقاتهم التي سرقوها من قوت الشعب السعودي للعلن.

– أخطر من “خاشقجي”:

يرى الكاتب البريطاني، ديفيد هيرست، أن سعد الجبري لواء الأمن، والذراع اليمنى لولي العهد السعودي السابق محمد بن نايف، تحول إلى أمر أكثر خطورة على ولي العهد محمد بن سلمان من قضية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي.

وقال “هيرست” في مقال له نشر بموقع “ميدل إيست آي”، إن “المعركة التي بدأها محمد بن سلمان بالإطاحة بمحمد بن نايف قبل ثلاثة أعوام، لم تضع أوزارها بعد. لعل محمد بن سلمان يعتقد أنه تمكن من دفن محمد بن نايف داخل المملكة، إلا أنه لم ينجح في قطع علاقاته مع المؤسسة الأمنية في الولايات المتحدة، فها هم المسؤولون فيها يعربون عن انحيازهم للجبري وعائلته ولابن نايف في محبسه”.

وتابع: “سيخوض الجبري حربًا مع محمد بن سلمان حتى النهاية، فهو حتى الآن، وبعد العديد من المحاولات لإسكاته، ما زال محمد بن سلمان يرسل العملاء إلى تورنتو لإتمام المهمة. يعيش الجبري حاليًا تحت حراسة مشددة من قبل ضباط مسلحين تابعين لشرطة الخيالة الملكية الكندية، بالإضافة إلى حراس خاصين، كما ذكرت صحيفة ذي غلوب أند ميل”.

– استدعاء هو الأول من نوعه:

جاء إصدار محكمة واشنطن الفدرالية أوامر استدعاء قضائية بحق “ابن سلمان”، و13 شخصًا آخرين، للرد على اتهامات سعد الجبري لهم بمحاولة اغتياله، كسابقة هي الأولى من نوعها في عالم السياسة الدولية.

وقد أضعف ذلك الاستدعاء قدرة “ابن سلمان”، في وقت كان يسعى فيه لاعتلاء عرش المملكة، بعد تدهور حالة أبيه الملك “سلمان” الصحية، كما أنه أعطى فرصة كبيرة للمتربصين به من داخل الأسرة المالكة نفسها، للسعي بجدية نحو عزله باعتباره وصمة عار في جبين الأسرة الحاكمة في المملكة.

– تسجيل فيديو أربك “ابن سلمان”:

بعد محاولات عديدة لاغتيال “الجبري” في الولايات المتحدة وكندا، كان آخرها منذ أسبوعين فقط، جاء إعلان “الجبري” بتسجيله مقطعا مصورا لشهادته حول الأوضاع في المملكة، وما واجهه عقب خروجه منها، كضربة قاصمة لأحلام “ابن سلمان” وأمنياته التي كانت تعتمد على إبقاء الوضع بينه وبين “الجبري” في طي الكتمان، بعيدًا عن أعين الإعلام وأمن الدول التي يقيم فيها “الجبري”.

فالأمر الآن صار لعبا على المكشوف، كما يقولون، وعلى كل طرف أن يظهر قوته، ويشهر أسلحته أمام خصمه حتى لا يأكله الطرف الآخر بسهولة، ولم يعد هناك خيارات أمام “ابن سلمان” سوى التسليم بالأمر الواقع، وترك “الجبري” وشأنه والإفراج عن والديه، وإلا صار الأمر مشاعًا أمام جميع العالم، وعلى مرأى ومسمع من أفراد شعبه، الذي يحاول طمس الحقائق الظاهرة للعيان أمامهم.

 

ولكن يبقى تدخل القوى الأخرى سواء الداخلية أو الخارجية، إما لإذكاء النزاع بين الطرفين من أجل مكاسب لأطراف آخرى، مثل تدمير سمعة “ابن سلمان” وأبيه أمام الرأي العام تمهيدًا للإطاحة بهما، أو تدخل خارجي متوقع من أطراف اللعبة الدولية، لمحاولة إنهاء الخصومة المباشرة بين الطرفين، وإبقاء اللعبة سرية كما كنت دومًا، ما يعني مزيدا من التحكم والسيطرة في أفعال “ابن سلمان” وإجباره على مزيد من التنازلات لمصالح دول وأطرف دولية آخرى.