لم تكتف السلطات السعودية بقراراتها التعسفية بحق معتقلي الرأي، بل صعدت إجراءاتها وأصدرت قرارات عدة لمنع ذوي المعتقلين من السفر، لتستخدم ذلك الإجراء الذي طال حتى الأطفال كآلية للضغط على المعتقلين، في انتهاك مفضوح للحقوق وتقييد متعمد للحريات.
وسبق لمنظمات حقوقية دولية أن نددت بذلك التصعيد الذي ليس له أي سند قانوني، وأكدت أنه يمثل جريمة حقوقية كبرى تدفع بها السلطات السعودية أهالي المعتقلين لتقديم طلبات اللجوء السياسي في بلدان أوروبية هربا من بطش السلطة وترصدها لهم.
وفي ظل ارتفاع أعداد المتضررين من الإدراج المتعمد لهم على قائمة الممنوعين من السفر، أطلق القائمون على صفحة معتقلي الرأي المعنية بالتعريف بمعتقلي الرأي السعوديين على تويتر، حملة #إنقاذ_رهائن_منع_السفر، حظيت بتضامن واسع من الناشطين.
وأشاروا عبر تغريداتهم إلى ما يتعرض له المعتقلون وذووهم من إجراءات تعسفية فقط لأنهم كانوا يحملون أفكارا إصلاحية ترى السلطة الحاكمة أنها لا تتوافق مع سياستها في الوقت الذي أعلن فيه أصحابها عن أفكارهم، ولا يزالون رهن الاعتقال التعسفي.
أما القائمون على صفحة معتقلي الرأي فأكدوا أن منع السفر التعسفي يخرق المادة رقم 27 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي صادقت المملكة على الالتزام به منذ سنة 2009، وعليه فإن السلطات مُطالبة فورا برفع حظر السفر عن جميع عائلات وأطفال الناشطين ومعتقلي الرأي.
وأشاوا إلى أن المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تتيح حرية التنقل للأفراد طالما أنهم لم يخرقوا قوانين البلد، والسلطات السعودية تخرقها وتمنع أطفالا ونساء لا علاقة لهم بأي جرم من السفر فقط على خلفية أن رب الأسرة معتقل رأي أو ناشط في الخارج.
معتقلون متضررون
ورصد القائمون على صفحة معتقلي الرأي أبرز الحالات التي تضرر ذووهم من تطبيق قرارات المنع من السفر، منهم عائلة الداعية السعودي المعتقل الشيخ سلمان العودة، وعائلة الدكتور المفرج عنه مؤقتا وليد فتيحي، وعائلة الناشطة السعودية لجين الهذلول.
وسبق لتقارير صحفية وحقوقية أن كشفت تعرض المذكورين للتعذيب داخل السجون السعودية، منها الجلد والصعق بالكهرباء والحبس الانفرادي والتحرش الجنسي وغيرها.
والمذكورون جرى توقيفهم في حملات اعتقال متتابعة بدأت بعد أشهر قليلة من تنصيب الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد في يونيو/حزيران 2017، بدأها بحملة طالت الدعاة والمعارضين الإسلاميين والإصلاحيين، ثم أتبعها بأخرى طالت الأمراء والوزراء ورجال الأعمال، ثم صب اهتمامه نحو الناشطين وأصحاب الرأي والمثقفين والعلماء.
وكان “العودة” من بين الموقوفين في الحملة الأولى التي أمر بها “ابن سلمان” في سبتمبر/أيلول 2017، أي بعد ثلاثة أشهر من تنصيبه وليا للعهد، وطالته هو وآخرون، بدعوى اتهامه بـ”الإرهاب والتآمر على الدولة”.
وهي التهم التي وصفتها المنظمات الحقوقية بالكيدية والزائفة والمعلبة وطالبات بإطلاق سراحه، إلا أن محكمة سعودية قضت بحكم عليه حكم أولي بالإعدام، وتم الطعن عليه وما زالت الجلسة النهائية للنطق بالحكم تتأجل، في خطوة يعتبرها نجله عبد الله العودة تلاعب بالمحاكمة.
أما الطبيب الأمريكي السعودي وليد فتيحي، فاعتقل تعسفيا بعد “العودة” بشهرين أي في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، في حملة عرفت بـ”الريتزكارلتون”، والتي نفذت أيضا بأوامر من “ابن سلمان”، واستمر احتجازه لمدة 20 شهرا، وأفرجت عنه السلطات السعودية مؤقتا في أغسطس/آب 2019.
وخلال فترة احتجازه، دعا الكونغرس الأمريكي الرئيس دونالد ترامب للضغط على الحكومة السعودية لإطلاق سراح “فتيحي”، خاصة بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وتعرض “ابن سلمان” لانتقادات حادة من الكونغرس الأمريكي على خلفية سلسلة الاعتقالات التي شنها على معارضيه والدعاة والناشطين البارزين في الدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة ومن بينهم “لجين الهذلول”.
واعتقلت “الهذلول” في مايو/أيار 2018، ضمن حملة اعتقالات شملت ناشطين وناشطات في مجال حقوق الإنسان، وأفاد الإعلام المحلي أن سبب الاعتقال هو “تجاوز الثوابت الدينية والوطنية، والتواصل مع جهات أجنبية مشبوهة”.
وعرفت “الهذلول” بتضامنها مع حملة قيادة المرأة للسيارة في السعودية قبل أن تصدر الحكومة قرارا يسمح بذلك بعد أن كانت تسن قانونا يمنع قيادة المرأة للسيارة.
وكشف أهل “الهذلول” عن تعرضها للتحرش الجنسي، وبعد تصاعد الأحداث وتبني منظمات حقوقية لحملات تطالب بالإفراج عنها ومحاسبة المتورطين في تعذيبها، رفضت عرضا بالإفراج عنها مقابل بيان مصور بالفيديو تنفي فيه تعرضها للتعذيب أثناء احتجازها.
رهائن النظام
وأشار القائمون على صفحة معتقلي الرأي إلى أن جميع أفراد عائلة #لجين_الهذلول، وفي مقدمتهم والدها ووالدتها ما زالوا يقبعون رهن منع السفر التعسفي منذ قرابة السنتين، ولا سبب لذلك إلا نشاط ابنتهم الحقوقي، مطالبين بالحرية من السجن للجين، والحرية من منع السفر لعائلتها.
ولفتوا إلى أن جميع أفراد عائلة الشيخ #سلمان_العودة، وفي مقدمتهم اثنين من أبنائه، وأحفاده.. كلهم رهن المنع التعسفي من السفر بلا أي مبرر قانوني.
وأوضح القائمون على صفحة معتقلي الرأي أن جميع أفراد عائلة د. وليد_فتيحي بمن فيهم زوجته رهن المنع التعسفي من السفر منذ اعتقل في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وحتى مع الإفراج المؤقت عنه، لا يزال هو وأسرته عاجزون عن السفر.
وقالوا: إن على السلطات وقف هذه الجريمة فورا والسماح لهم بحرية التنقل، فهي حق مكفول وفق جميع القوانين.
وقال أعضاء حملة #الحرية_لفتيحي الذين يديرون الحساب الرسمي للدكتور وليد فتيحي على تويتر: إن أسرته كاملة رهن المنع من السفر منذ ٢٠١٧ بلا سبب يذكر أو رد مقنع، مؤكدين أن حرية التحرك حق أساسي من حقوق الإنسان المعترف بها دوليا والمحفوظة بالنظام الأساسي للحكم في المملكة.
السعودية تنتهك مواثيق حقوق الإنسان الدولية بمنعها مواطنيها من السفر تعسفيًا وبلا حكم قضائي، مرضى وأطفال ونساء تمنع من حق التنقل أو السفر للعلاج فقط بسبب تعبير ذويها عن رأيه أو معارضته للسلطات.
عقلية عصابات
وتحدث الناشطون عن أن السلطات السعودية تتخذ قرارات ضد أهالي المعتقلين بالرغم من أنهم لم يرتكبوا أي جرم أو إدانة توجب ذلك، إذ قال القائمون على صفحة “وطنيون معتقلون”: “بلا ذنب يتم حرمان عائلة وأطفال الشيخ #سلمان_العودة من السفر”، متسائلين: “أي ظلم هذا!”.
وقال المغرد محمد: “ما أدري من المجرم منزوع الكرامة صاحب فكرة منع أهالي المعتقلين من السفر؟ عقلية عصابات بامتياز “.
وتساءل ناشطون عن هدف السلطة من استهداف ذوي المعتقلين، وقال مغرد: “أيش الحكمة من منعهم عن السفر هم وعائلات المعتقلين جميعا؟”.
وجزم الناشطون بأن ما ترتكبه السلطات السعودية هو انتهاك حقوقي يستوجب المساءلة، إذ أكد الصحفي السعودي المعارض تركي الشلهوب أن منع عائلات معتقلي الرأي وأطفالهم من السفر جريمة حقوقية خطيرة، وانتهاك واضح وفاضح لأبسط حقوق الإنسان.
وتساءل: “ما ذنب الأطفال؟ ما ذنب النساء؟ ما ذنب الأبناء؟ هذه الجريمة لا يُقدِم على ارتكابها إلا أقذر الطغاة، وأشدهم قمعا وظلما، ووضاعة”.
واستغل ناشطون حالة التأييد والتفاعل مع حملة إنقاذ رهائن المنع من السفر ودعوا إلى الحرية لجميع معتقلي الرأي، وطالب أحمد خالد عبد الرحمن بـ”الحرية للمناضلات المعتقلات وجميع #معتقلي_الرأي #نسيمة_السادة #لجين_الهذلول #سمر_بدوي #نوف_عبدالعزيز #إنقاذ_رهائن_منع_السفر”.
وتبنى ناشطون الرؤية ذاتها التي أعلنتها منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان، بشأن الأوضاع الحقوقية والإصلاحية داخل المملكة، والتي قالت: إن “الإصلاحات الاجتماعية المهمة التي نُفذت تحت حكم ولي عهد السعودية ترافقت مع تشديد القمع وممارسات مسيئة تهدف إلى إسكات المعارضين والمنتقدين”.
وأفاد المغرد جاسم بأن النظام مازال يصمم على قتل أي مجال يدعو لرأي يناقض سيرهم وإن كان صحيحا، مضيفا: “ما عدت أدري أي تطور يريده النظام السعودي؟”.