حالة من الترقب تسود الشارع اليمني مع ظهور أنباء عن التوصل إلى اتفاق بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، برعاية مباشرة من السعودية.

وفي ظل سعي أبوظبي لتمكين حلفائها في المناصب الحكومية، تكشف التسريبات حول مسودة الاتفاق عن تحقيق مكاسب للمجلس الانتقالي، وسط تحذيرات مسؤولين يمنيين من أن الاتفاق يجب ألا يساعد على تثبيت الانقلاب الذي نفذه أتباع الإمارات، في أغسطس من العام الماضي، في عدن.

لكن من الواضح أن الشرعية اليمنية أصبحت هذه المرة أكثر مرونة في التعاطي مع “الانتقالي الجنوبي”، مع بقاء تحفظها تجاه بعض المسائل، خصوصاً المتعلقة بانفصال الجنوب أو شرعنة التمرد الذي ترعاه الإمارات في عدن، وهو ما يضع تساؤلاً حول ما إن كانت السعودية ستسهم عبر حوار جدة في شرعنة انقلاب عدن، وإعطاء الصلاحيات للانتقالي بالمشاركة في حكم اليمن.

 

التوصل إلى اتفاق

في الـ24 من أكتوبر 2019 توصلت الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، إلى اتفاق يتقاسم من خلاله الجانبان السلطة وتعود الحكومة الشرعية إلى العاصمة المؤقتة عدن جنوب البلاد.

ونقلت وكالة “الأناضول” عن مصدر حكومي يمني قوله: إنه “سيتم خلال الأيام القادمة التوقيع على الاتفاق بين الحكومة والانتقالي، الذي وافق عليه الطرفان، برعاية سعودية”، بعد مشاورات بدأت في مدينة جدة، وانتقلت الأسبوع الماضي إلى العاصمة السعودية الرياض.

وذكر مصدر آخر مقرب من المشاورات أن نقاط الخلاف التي تسببت في تأخير إعلان الاتفاق، الأسبوع الماضي، قد حُسمت، دون أن يشير إلى هذه النقاط.

وينص الاتفاق الذي رعته السعودية على تشكيل حكومة وحدة مناصفة بين شمال اليمن وجنوبه مكونة من 24 وزيراً، كما يقضي بدمج التشكيلات العسكرية والأمنية في هياكل وزارتي الدفاع والداخلية.

ويقضي أيضاً بعودة الحكومة إلى عدن لتفعيل مؤسسات الدولة، وتشكيل لجنة مشتركة بقيادة السعودية لتنفيذ البنود المتفق عليها.

 

تحذير حكومي!

الحديث عن التوصل إلى الاتفاق قبل توقيعه قابله استنكار من داخل الحكومة اليمنية ذاتها، بعدما حذر وزير النقل اليمني، صالح الجبواني، السعودية من مكافأة من وصفهم بـ”الانقلابيين في الجنوب”، قائلاً إن أي اتفاق معهم سيعني “فشل التحالف”.

وقال الجبواني، في تغريدة له في حسابه في “تويتر”: إن “أي اتفاق ترعاه المملكة لن يُكافئ المتمردين الانقلابيين بكل تأكيد؛ لأن هذا يخالف نهج ومهمة المملكة في اليمن”.

وتابع: “أما إذا ذهب في غير هذا الاتجاه فإنه لن يرى النجاح، وبالتالي سيعني هذا فشل التحالف ومهمته في اليمن”، مشيراً إلى أن “الانقلابيين يساقون لقاعات المحاكم وليس كراسي الحكومة”.

تحذير الوزير اليمني جاء بناءً على ما قامت به قوات الانتقالي الجنوبي، في 14 أغسطس من العام الحالي، من انقلاب في مدينة عدن (العاصمة المؤقتة)، بدعم من الإمارات، التي قصفت بطيرانها تعزيزات للجيش اليمني في أبين المجاورة، مخلفة نحو 300 بين قتيل وجريح.

ورفضت الحكومة اليمنية، بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، التفاوض مع الانقلابيين عقب ذلك الانقلاب، ووصفت ما تقوم به الإمارات في بلادها بـ”انتهاك السيادة”، لكن فيما يبدو أن ضغوطاً سعودية دفعت هادي وحكومته للخضوع لها، والتسليم بوجود انقلاب في عدن على غرار انقلاب الحوثيين في صنعاء في سبتمبر 2014.

 

السعودية لا يهمها اليمن

يقول الباحث والكاتب اليمني عادل دشيلة، إن السعودية تهدف من خلال تحركاتها لإنجاح الاتفاق، إلى “الحفاظ على أمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية”، مؤكداً أنها تعلم “أنه من المستحيل أن تنفذ أهدافها الاستراتيجية عبر أي عملية عسكرية، سواء في المناطق الشمالية أو حالياً في المناطق الجنوبية”.

وأوضح، في حديثه أن الرياض “تسعى جاهدة إلى لملمة الشرعية وإدماج المليشيات المسلحة المتمردة المدعومة إماراتياً في إطار الشرعية اليمنية، ومن ثم توحيد الصف في المناطق المحررة، بحيث تكون الحكومة طرفاً سياسياً والحوثي طرفاً آخر، من أجل إجراء عملية أو حوار سياسي بين الشرعية اليمنية والحوثيين”.

وأكد أن السعودية لن تنجح في تنفيذ هذا الاتفاق؛ مدللاً على ذلك باتفاقات سابقة فشلت فيها، فهي- وفق قوله- “فشلت في تنفيذ اتفاق في 1970 بين التيار الملكي والجمهوري باليمن، ومن ثم المبادرة الخليجية عام 2011، وغيرها من المبادرات”.

وأضاف: “من ثَم أرى أن هذا الاتفاق يعتبر قنبلة موقوتة، وقد يتسبب بتفجر الصراع بالمستقبل، ومن ثم فكل طرف سيتخندق حالياً لأنه يريد تنفيذ أهدافه”.

وتابع: “لا نريد أن يتكرر سيناريو عام 1994 عندما تم توقيع اتفاق بين الأطراف المتصارعة باليمن في العاصمة الأردنية عمّان، وكان الجميع تحت الضغط ولم يكونوا مقتنعين بها، ثم عادوا للبلاد ليتفجر الوضع عسكرياً آنذاك”.

وجدد تأكيده أن السعودية تريد إنجاز اتفاق “حتى ولو كان هذا الاتفاق هشاً وغير قابل للتطبيق، وهدفها الخروج من الأزمة والضغط الدولي عليها، والحفاظ على مصالحها”.

 

التوقيع اعتراف بالانقلاب

ويؤكد الباحث اليمني دشيلة أن أي توقيع من الحكومة اليمنية على هذا الاتفاق يعني “اعترافاً منها بالمجلس الانتقالي الجنوبي كممثل للمناطق الجنوبية وهذا ما لا يريده اليمنيون”.

واستطرد قائلاً: “الاتفاق حتى اللحظة لم يظهر إلى العلن أو بشكل واضح حتى يتسنى الاطلاع على بنوده، وإن كانت هناك بنود توضح ذلك مثل تشكيل حكومة مناصفة وعودة الحكومة إلى العاصمة المؤقتة عدن”.

وتساءل دشيلة: “كل هذه البنود هي قابلة للتنفيذ، ولكن هل يحافظ الاتفاق على التوافق الوطني بشكل صريح، ومن ذلك التوافق على مخرجات الحوار الوطني 2014، والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وأيضاً القرارات الدولية، ومخرجات مؤتمر الرياض؟ وهل سيحافظ على هذه المرجعيات؟”، مجيباً بقوله: “لا أعتقد ذلك”.

وأشار إلى أن اليمنيين “سئموا من الصراع، ويريدون العيش بسلام، ولا يهمهم الأطراف المتصارعة”.

 

اتفاق جيد.. لكن هل ينفذ؟

من جانبه قال الناشط السياسي الجنوبي محمد البدوي، إن اتفاق جدة بين الحكومة اليمنية والحوثيين سيكون جيداً إذا نُفِّذت بنوده المتعلقة بفرض الأمر الواقع في عدن من قبل الحكومة الشرعية.

وفي حديثه، قال البدوي: “إذا استطاع الاتفاق السعودي تحويل قادة مليشيا الانتقالي الجنوبي إلى موظفين يعملون لدى الحكومة، وتحويل عناصر مليشيا الانتقالي إلى وحدات أمنية تتبع وزارة الداخلية، ويكونون تحت أوامر وتوجيهات الحكومة فسيكون اتفاقاً أكثر من جيد”.

وأوضح أنه في حال عدم إعادة هيكلة مليشيا الانتقالي، وعدم السماح للمسؤولين اليمنيين بممارسة عملهم فور عودتهم إلى عدن، فإن اتفاق جدة سيكون بالنسبة لليمنيين “تشريعاً لانقلاب جديد مثل ما حدث في صنعاء حين شرعت الأمم المتحدة انقلاب الحوثيين في 2014، برعايتها لاتفاق السلم والشراكة الذي أنهى وجود الحكومة، وجعل المليشيا هي المتحكمة بالبلاد”.

وبغض النظر عن تفاصيل الاتفاق ينتظر اليمنيون ما ستسفر عنه الأيام القادمة، بوصف الاتفاق حجر الزاوية في تقييم مختلف المواقف، ومستقبل أزمة الحكومة اليمنية مع الانفصاليين المدعومين من أبوظبي جنوباً.

وتأتي هذه التحركات لتنفيذ الاتفاق بين الطرفين، وسط معلومات تتحدث عن استمرار سحب القوات الإماراتية لقواتها من اليمن، في وقتٍ يشكك كثيرون في مصداقية الانسحاب الإماراتي، ويرونه مجرد إعادة ترتيب أوراق أبوظبي.

وخلال الأيام الماضية، انتشرت قوات سعودية كانت موجودة، فيما وصلت نحو 7 طائرات محملة بجنود سعوديين، في 22 أكتوبر الجاري، إلى عدن، لإعادة الانتشار في المواقع التي انسحبت منها المواقع الإماراتية، وسط أنباء عن تولي تلك القوات مهمة إعادة تطبيع أوضاع المدينة.