تصدر مشهد اختلاق الروايات المضللة باسم بلاده، في محاولة لإنكار وجود الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده التي دخلها ولم يخرج منها كما أظهرت كاميرات المراقبة، ولكن سرعان ما انفضح أمره وكشف زيف دهائه، إنه ببساطة القنصل السعودي في إسطنبول، محمد العتيبي.
وبعد كشف خبايا الجريمة المروعة التي نفذها فريق اغتيال سعودي رسمي يعمل عدد منهم لدى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، غاب العتيبي عن الأضواء، ولم يعد أحد يسمع باسمه، أو يطالب بإفادته بالتحقيق، أو اتهامه بالمشاركة في عملية القتل.
ورسمياً، لم توجه المحكمة الجزائية في العاصمة السعودية الرياض أي تهم للعتيبي، أو تذكر اسمه ضمن المدانين بقضية قتل خاشقجي، البالغ عددهم 15 شخصاً، رغم أنه “حامل أسرار القتل، ومكان اختفاء الجثة التي لم يعلم مكانها بعد”.
وفي حينها عرض على المحكمة كل من “مشعل البستاني، وصلاح الطبيقي، ونايف العريفي، ومحمد الزهراني، ومنصور عثمان أبا حسين، وخالد الطيبي، وعبد العزيز الحساوي، ووليد عبد الشهري، وتركي الشهري، وثائر الحربي، وماهر مطرب، وفهد شبيب البلوي، وبدر العتيبي، ومصطفى المداني، وسيف القحطاني”.
العتيبي قاد حملة الأكاذيب الرسمية الصادرة عن السعودية في الأيام الـ18 الأولى لاغتيال خاشقجي، خاصة كونه المصدر الوحيد الذي خرج للإعلام حول القضية.
وكان الظهور الأول للعتيبي من خلال مقطع فيديو نشرته وكالة “رويترز” داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، ليؤكد مغادرة خاشقجي القنصلية وعدم وجوده داخل الحرم الدبلوماسي، عبر جولة سريعة فيها بصحبة مراسل الوكالة العالمية.
وأثار العتيبي في تلك المقابلة استياءً عارماً في منصات التواصل، عندما استشهد بفتح بإحدى خزانات الغرف الصغيرة.
ورغم إشراف العتيبي على عملية الاغتيال وتقطيع جثة خاشقجي داخل مكتبه الرئيس في القنصلية، بعد أن دخلها خاشقجي بوقت قصير، حيث نصب له القنصل كميناً محكماً، من خلال تقديمه كلقمة سائغة لفريق اغتيال محترف، لا يزال بعيداً عن أي اتهام.
وقدّم العتيبي دوراً إجرامياً إلى جانب دوره الدبلوماسي، إذ رافق فريق الاغتيال من بداية التحقيق مع خاشقجي، وتقطيعه، وصولاً إلى إخفاء جثته، ونقلها إلى منزله الذي يبعد 200 متر فقط عن القنصلية، بحسب بعض الروايات.
ويُعد العتيبي أحد أهم الشهود الذين يمتلكون معلومات دقيقة حول قتل خاشقجي، لأنه كان في القنصلية عند تنفيذ عملية الاغتيال، وإخفاء الجثة، ويعرف جميع من ساهم في ارتكاب هذه الجريمة.
وبعد فترة من المرواغة وجلب فرق سعودية متخصصة في طمس الأدلة، سمحت السعودية للسلطات التركية بتفتيش منزل قنصلها في إسطنبول، ولكن بعد أن غادر الأراضي التركية عائداً إلى السعودية، التي اختفى بها أيضاً.
وانتقد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، السلطات السعودية “لأنها لم تتخذ أي إجراء ضد القنصل العتيبي؛ الذي كذب أمام وسائل الإعلام”، وفرّ من تركيا بعد الحادثة بأيام قليلة.
وبالفعل بعد وصول العتيبي إلى الأراضي السعودية لم تتخذ المملكة أي قرارات ضده أمام العالم، أو تقدمه للمحاكمة، لكونه قاد “أسوأ عملية تمثيل وفبركة لعملية اغتيال مكتملة الأركان ضد مواطن سعودي”.
الحساب التركي الشهير على تويتر، الذي يطلق على نفسه “ذئب الأناضول”، نشر معلومات قال إنها متوفرة لدى الأمن التركي عن أماكن وجود المسؤولين السعوديين المتورطين في اغتيال الصحفي خاشقجي.
وقال “ذئب الاناضول”، في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”: إن “المعلومات التي لدينا تشير إلى أن سعود القحطاني “مُتخفٍّ في حيّ السفارات”، فيما يقبع القنصل محمد العتيبي تحت الإقامة الجبرية في فيلا وتحت حراسة مشددة بالرياض، في حين يتواجد اللواء أحمد عسيري في مقر إقامته بالعاصمة”.
والقحطاني هو مستشار بالديوان الملكي ومقرب من ولي العهد، وبحسب تقارير صحفية تركية فقد كان يتواصل مع فريق الاغتيال، أما عسيري فكان يشغل منصب نائب رئيس الاستخبارات العامة السعودية، قبل إعفائهما بعد انكشاف الجريمة بكافة أركانها.
الخطوة السعودية الوحيدة التي اتُّخذت ضد القنصل العتيبي، هو صدور قرار من سلمان بن عبد العزيز، في 17 أكتوبر 2018، يقضي بإعفاء القنصل السعودي في إسطنبول، من منصبه، وفق ما نشرت وكالة “رويترز” في حينها.
وتشير كل التسريبات الإعلامية المنشورة عن وجود دور رئيس للقنصل العتيبي في قتل خاشقجي، حيث كشف برنامج “ما خفي أعظم”، الذي بثته قناة الجزيرة في مارس الماضي، العثور على آثار دماء خاشقجي على جدران مكتب القنصل السعودي رغم طلائها.
وكشف أيضاً تفاصيل حول استخدام فرن داخل منزل القنصل السعودي بإسطنبول حرقت فيه أجزاء جثة خاشقجي، ونشر شهادة العامل الذي بنى الفرن بمواصفات محددة بطلب مباشر من العتيبي.