تعاظمت الخلافات الإماراتية – السعودية في الشأن اليمني، منذ سيطرة قوات موالية لأبوظبي على العاصمة المؤقتة عدن، وتتحدث المعلومات أن تلك الخلافات تزايدت بعد استهداف الجيش اليمني بغارات من قبل طائرات إماراتية.

وتتمثل حساسية الضربات الإماراتية الأخيرة، في كونها استهدفت قوات الحكومة الشرعية اليمنية، والتي تتلقى الدعم المالي والعسكري المباشر من الرياض وهو ما أثار علامة الاستفهام لدى الأخيرة بشأن أهداف أبوظبي باليمن وتعارضها مع مصالح السعودية.

وتحولت تلك الخلافات لأول مرة إلى حديث شبكات التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، بعد أن انزلق سعوديون وإماراتيون محسوبون على أنظمتهم ومقربون من حكوماتهم وأصحاب قرار، إلى تبادل الاتهامات ونشر التغريدات والتدوينات التي تعبر عن التناقض والاختلاف فيما يتعلق بالشأن اليمني.

 

السعودية غاضبة

وفي تصاعد جديد للتوتر بين البلدين؛ على خلفية دعم أبوظبي للانفصاليين في عدن، أصدرت السعودية أول بيان رسمي هاجمت به بشكل غير مباشر التحرك الإماراتي الداعم لقوات المجلس الانتقالي الجنوبي .

ونشرت وكالة الأنباء الرسمية “واس” بياناً، يوم 5 سبتمبر، تضمن طلباً سعودياً بإعادة معسكرات ومقرات مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية في عدن إلى حكومة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي التي تدعمها الرياض.

ورفضت السعودية، بحسب البيان، “التصعيد الأخير في عدن، ولمسار الأحداث وآثارها، ولعدم الاستجابة لنداء وقف التصعيد والتوجه نحو الحوار”.

وأكدت الرياض أنها “لن تقبل بأي تصعيد عسكري أو فتح معارك جانبية لا يستفيد منها سوى الميليشيا الحوثية الإرهابية المدعومة إيرانياً، والتنظيمات الأخرى المتمثلة في تنظيمي داعش والقاعدة”.

وحذرت من أن “أي محاولة لزعزعة استقرار اليمن يعد بمثابة تهديد لأمن واستقرار المملكة والمنطقة، ولن تتوانى عن التعامل معه بكل حزم”.

 

هجوم سعودي ضد أبوظبي

الخلافات غير المسبوقة انعكست بوضوح على مغردي البلدين في منصات التواصل الاجتماعي خلال الأسابيع الماضية.

وكان اللافت أن من شارك بذلك الهجوم رئيس لجنة العلاقات العامة السعودية – الأمريكية، سلمان الأنصاري، الذي كان أول مسؤول سعودي يهاجم الإمارات بإشارة بالغة الوضوح دون أن يسميها، بما يترك تساؤلاً عما إن كانت اختارته الرياض للتنفيس عن غضبها، بعدما اتهم أبوظبي بأنها “تستغفل” الرياض بحجة “الإخوان”، “لأطماع توسعية” في المنطقة.

وهدد في تغريدات أخرى بمحاسبة كل من دعم المجلس الانتقالي الجنوبي بالمال والسلاح والتخطيط والإعلام، وذلك في إشارة إلى الإمارات حليفة المملكة التي تتهمها الحكومة اليمنية بالوقوف وراء الانقلاب في عدن والسيطرة عليها.

 

الملك غاضب

ويشير حديث الأنصاري لتوجه سعودي أيضاً نحو إيقاف العبث الإماراتي في اليمن، وجاء تصريحه الأول بعد ساعات من كشف وكالة “رويترز” في نهاية أغسطس الماضي عن أن العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، “منزعج جداً” من السياسة الإماراتية.

وفي تغريدة جديدة نشرها في 5 سبتمبر، اقتبس الأنصاري عبارة قال الرئيس الإماراتي الراحل زايد بن سلطان آل نهيان، التي قال فيها : “إن أنصار الاتحاد هم الذين صنعوا الاتحاد والوحدة التي اعترف بها العالم أجمع”، معلقاً عليها بقوله: “كان رحمه الله يؤمن إيمان مطلق بأهمية وحدة الأوطان ويعارض مشاريع تقسيم الدول والفوضى، فقد كسب القلوب بشفافيته ومصداقيته”.

 

تبادل أدوار

رغم كل التوقعات والمؤشرات التي تتحدث عن أن الطلاق بين أبوظبي والرياض ربما يكون مسألة وقت، إلا أن هناك من يرى أن الخلاف مجرد تبادل أدوار أو اختلاف مؤقت في الرؤى.

وكشف المدون السعودي الشهير المعروف باسم “مجتهد”، أن الخلافات بين البلدين غير واقعية، وأن هناك “تبادل في الأدوار”.

وفي تغريدة له على “تويتر”، في 31 أغسطس الماضي، تحدث عن وجود خطة إماراتية سعودية في اليمن سيتم تنفيذها خلال الأيام القادمة، تتمثل: “بتوجيه السعودية أمراً لقادة “الشرعية” الميدانيين تسليم سلاحهم لأن السعودية ستحل الأمر، فيما ستوجه تهمة القاعدة والإخوان والدواعش لمن يرفض ذلك الأمر”.

وأضاف: “السلاح والذخيرة سيتدفق مجدداً على الانفصاليين في عدن وحرمان الشرعية منه”، وهو ما حدث على أرض الواقع، حيث وصلت عشرات المدرعات والدبابات إلى مدينة عدن في 5 سبتمبر الجاري، قادمة من الإمارات دعماً لقوات “الانتقالي الجنوبي”.

وأضاف مجتهد: “ستقوم طائرات السعودية والإمارات، بقصف جوي -إن لزم الأمر- بحجة ضرب الإرهاب، والاستمرار في حصار الرئيس هادي في مقر إقامته بالرياض”.

 

الرياض تعي مشاكلها

وبعد إصدار البيان السعودي في 5 سبتمبر الجاري، ظهر فريقان يمنيان بين من يرى أن السعودية أوضحت موقفها مما يحدث بجنوب اليمن، بوقوفها إلى جانب الشرعية ضد الإمارات، ومن يرى أن الواقع على الأرض وما تقوم به الرياض مع الإمارات، يعكس عدم مصداقية ما تكتبه في بياناتها المؤيدة للحكومة اليمنية.

ويشير الكاتب السياسي اليمني محمد الغابري، إلى أن البيان السعودي الأخير يؤكد “أن السعودية التي أصدرت بيان اليوم، رداً على ما تقوم به الإمارات في الجنوب، هي سعودية منفعلة، غاضبة، وتعي مشاكلها”.

وأشار إلى أن السعودية ببيانها “رفضت المشهد الراهن في الجنوب، واعتبرته تهديداً مباشراً لأمنها، بعدما قالت إنها لن تقف مكتوفة الإيدي حياله، وأمرت بأن تعود الدولة إلى عدن”.

وأوضح في حديثه: “ما هو جوهري في بيان السعودية هو انفرادها، لأول مرة منذ 2015، بالحديث عن أمنها الخاص، وتعهدها المنفرد (هي، وليس التحالف كما جرت العادة) باستخدام قدراتها في الدفاع عن أمنها وعن حليفها (وهو هادي هذه المرة، وليس أحداً سواه)”.

 

تشكيك بموقف الرياض

وعلى النقيض، كان هناك من اليمنيين من يشكك بما أوردته السعودية في بيانها، خصوصاً مع استمرار تدفق الأسلحة للانفصاليين في عدن من قبل الإمارات، وإقامة مهرجانات داعمة لأبو ظبي في عدن.

ويقول رئيس مركز عدن للدراسات والبحوث، أمين ثابت، في تصريح لـ”الخليج أونلاين” أن البيان السعودي “أزال الكثير من الغموض في الموقف السياسي السعودي، لكن الموقف العسكري – الذي هو الأهم – لا يزال غير واضح”.

وأشار إلى أن ترجمة هذا البيان “يجب أن يظهر على الأرض ليحسم الحقيقة التي تكذب بياناتها الداعمة للشرعية”، مضيفاً: “الموقف العسكري يكون بتحرك مباشر أو غطاء مباشر لعودة الشرعية إلى عدن قبل تكريس الخرائط الجديدة بقوة المتاريس والتحصينات”.

وأضاف: “بعد بيان الرياض الاخير، كاد يخلو تماماً من مفردة التحالف العربي، وبمعنى ذلك أن سمعة ومكانة المملكة العربية السعودية، أصبحت على المحك فإما نمضي لتنفيذ ما قاله البيان وإما أنها تتحول لمسخرة إماراتية حوثية على حد سواء”.