شهدت المرحلة بين أواخر عام 2020 وأوائل 2021 تطورات جديدة في العلاقات الثنائية بين روسيا والسعودية، فيما يعد تحولَا غير متوقع بعد حرب أسعار النفط المدمرة بين الطرفين في أوائل عام 2020، وهناك 3 تطورات منها جديرة بالملاحظة.

 

تطورات مهمة في العلاقات

أولا، يشير الاتفاق الذي تم التوصل إليه مؤخرا في 19 فبراير/شباط 2021 بشأن التعاون العسكري والتقني بين السعودية وروسيا، على خلفية تنامي الشروخ في الشراكة الأمريكية السعودية، إلى أن روسيا قد تزيد وجودها في الهندسة الأمنية السعودية.

وثانيا، فإن خارطة الطريق الشاملة التي سيتم توقيعها قريبا (يقال في منتصف عام 2021)  بشأن التعاون التجاري والاقتصادي بين موسكو والرياض، ستزيد من تعزيز المرتكز الاقتصادي للشراكة بين الدولتين العملاقتين في الطاقة، واللتين يتصارع اقتصادهما مع العواقب السلبية لـ”كورونا” وتدهور أسعار النفط.

وأوردت الأنباء أن خارطة الطريق الجديدة هذه ستعزز العنصر المؤسسي للشراكة السعودية الروسية، بتخصيص أدوار التنسيق المركزية لصندوق الاستثمار الروسي المباشر وصندوق الاستثمارات العامة السعودي.

ووفقا للمصادر الروسية، ستولي الوثيقة اهتماما خاصا للتعاون في مشاريع الطاقة، بما في ذلك مشاريع الطاقة المتجددة والنووية وكذلك الطاقة غير المتجددة (الهيدروكربونات)، حيث بلغ مجموعها 24 مبادرة.

أما التطور الثالث ذو الأهمية الحاسمة، فهو الاجتماع الجديد للجنة “أوبك+” لمراقبة تخفيضات الإنتاج، والذي عقد في 28 أبريل/نيسان، وأدى قراره بزيادة إنتاج النفط (بمقدار 350 ألف برميل في مايو/أيار ويونيو/حزيران و 441 ألف برميل في يوليو/تموز)، إلى تأثير مهدئ على المستثمرين، في ظل دلالته على زيادة ثقة أكبر منتجي النفط في العالم بأن الطلب العالمي على النفط لن ينتهي قريبًا.

تشير هذه التطورات لتزايد الشراكة بين السعودية وروسيا (أكبر منتجين للنفط في العالم)، ومع ذلك، قد تتدخل بعض العوامل لتعيق هذه الشراكة الناشئة.

 

تنازلات سعودية

يمثل تجدد اتفاقية “أوبك+” أساسًا يقوم عليه التعاون السعودي الحالي مع روسيا، وهو يستند  في المقام الأول على فهم الرياض بأنه لولا الاتفاقية، لكان هناك المزيد من التصعيد وزعزعة استقرار سوق النفط العالمي، مما يمثل ضربة ضخمة لاقتصادها المعتمد إلى حد كبير على النفط.

ونتيجة لذلك، اضطرت الرياض إلى المضي قدمًا بشكل طوعيّ في تخفيضات كبيرة في استخراج النفط (مليون برميل يوميا)، مما أدى إلى انخفاض الحجم الكلي للصادرات النفطية بنسبة 14.5%.

وجادل العديد من الخبراء بأنه لا حاجة للمبالغة بشأن التخفيضات وتأثيرها على اقتصاد المملكة، خاصة أن تقليل المعروض ينجم عنه زيادة في الطلب، والتي بدورها تنعكس على زيادة أسعار النفط واستقرارها.

ومع ذلك، يجب عدم تجاهل اثنين من العوامل الاستراتيجية، أولهما أن الميزانية السعودية لا تحصد الأرباح ولا تخسر عندما تتراوح أسعار النفط حوالي 60 دولارا للبرميل، لكن لا يوجد ما يضمن أن هذا السعر سيستمر لفترة طويلة إذا بدأت الدول الأخرى المنتجة للنفط في زيادة إنتاجها، وهذا من شأنه أن يعرض اقتصاد المملكة للخطر.

أما مبعث القلق الثاني الرئيسي فيتعلق بالمخاطر المحتملة المرتبطة بتقلص حصة السعودية في سوق النفط العالمي، لأنه إذا استمرت المملكة في تقليل إنتاج النفط، فستتراجع صادراتها النفطية إلى مستهلكيها الرئيسيين (الصين والهند في المقام الأول)، وقد تحل محلها دول أخرى طموحة.

ويبدو أن سياسات الصين تضع في اعتبارها هذا بالفعل، حيث تعهدت بزيادة التعاون مع إيران كوسيلة لتنويع إمداداتها النفطية وزيادة مستوى أمن الطاقة.

وعلاوة على ذلك، تعبر بكين عن اهتمامها الاستراتيجي بالمشاريع الروسية المتعلقة بالنفط والغاز المسال في القطب الشمالي، مما يجعل المنافسين الاستراتيجيين لموسكو والرياض يتنافسون على حصتهم في سوق الصين التي تعافت بسرعة من الجائحة.

 

روسيا تسعى لصفقة أفضل

تعرض الاقتصاد الروسي المعتمد أيضَا على إيرادات النفط، لضربة كبيرة بسبب حرب أسعار النفط إلى جانب انخفاض استهلاك العالم لموارد الطاقة، وإن كان تضرره أقل من الاقتصاد السعودي.

وتقلصت الحصة الإجمالية لإيرادات النفط في الميزانية الروسية بشكل كبير، بما يبلغ 40.9%، أيّ ما يقدر بـ66.4 مليارات دولار.

وبينما يجادل الخبراء والسياسيون الروس بأن تقلص إيرادات الطاقة يقدم لروسيا فرصة تاريخية فريدة من نوعها، من أجل تقليل اعتمادها على صادرات النفط والغاز، فإن الحقائق والأرقام تثبت أن صادرات الهيدروكربونات ستظل على المدى القصير والمتوسط ركيزة أساسية للاقتصاد الروسي.

وعلاوة على ذلك، يبدو أن الإحباط يتنامى لدى صناع الساسات الروس وخبراء الطاقة، بسبب الصفقة وكذلك المشاركة الروسية في “أوبك+”.

على سبيل المثال، ذكر الخبير الرائد في صندوق الأمن الوطني للطاقة “ستانيسلاف ميتراكهوفيتش”، أن روسيا عاجلا أم آجلا سيتعين عليها أن تغادر منصة “أوبك+”.

كما جادل بأنه كلما رضخت موسكو لشروط صفقة “أوبك+”، كلما سنحت فرص أكبر لمنافسيها لزيادة إنتاجهم من النفط، متمثلين في الولايات المتحدة والبرازيل والنرويج بالأساس.

وفي حين لم يشر الساسة والخبراء للسعودية بشكل مباشر في استيائهم هذا، إلا إنه موجّه ضدها بشكل غير مباشر، وإذا تخلت روسيا عن الصفقة في أي مرحلة في المستقبل، فمن المرجح أن يغرق سوق الطاقة العالمي مرة أخرى في الفوضى والمنافسة العدائية.

 

صراع يلوح في الأفق

بشكل عام، تؤكد العلاقة السعودية الروسية وتطوراتها على نقطتين حرجتين، أولهما، أن البلدين تهتمان استراتيجيا بأن يظل الطلب العالمي على النفط مستقرًا، لكن ارتفاع أسعار النفط أهم بكثير بالنسبة للرياض.

ويبدو أن روسيا تدرك جزئيا مخاطر أسعار النفط المبالغ فيها على جهودها لتنويع إيرادات ميزانيتها، وبالتالي فإن الهدف الاستراتيجي للكرملين الآن، هو الحفاظ على سعر برميل النفط أعلى بقليل من 40 دولارًا، وهي النقطة التي لا تحصد فيها روسيا الأرباح ولا تتكبد الخسائر في الوقت ذاته.

وعلاوة على ذلك، فمن المرجح أن تؤدي زيادة إيرادات النفط لتعزيز قيمة العملة الوطنية الروسية، مما سيكون له تأثير سلبي على التجارة الخارجية لروسيا.

ولكن، بالنسبة للمملكة، فإن مثل هذا السعر أقل بكثير من العتبة المقبولة، وإذا كانت أسعار النفط أقل من 60 إلى 70 دولارا للبرميل، فإن المملكة ستعاني من خسائر اقتصادية.

وثانيا، يشكل السعي الغربي للطاقة الخضراء تحديا خطيرا للبلدان المصدرة للنفط، والتي ستتنافس بشكل متزايد على أسواق الصين والهند.

وهذا يعني أن كلًا من روسيا والسعودية سيتعين عليهما التنافس على زيادة إمدادات النفط إلى هذه البلدان، مما يجعل الصراع بينهما حتميًا.

ومع إن الخطابات التعاونية بين البلدين تبدو أكثر ظهورًا حاليًا، إلا إن احتمالية الصراع موجودة وقد تتحقق في المستقبل القريب.