يجمع المراقبون على أن استراتيجية نظام آل سعود في مواجهة إيران أثبتت فشلها على مدار سنوات ما أجبر الرياض على تبني نهج التهدئة.

وبعد اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني في العاصمة العراقية مطلع هذا الشهر، يقول مراقبون إن المملكة تجد نفسها في موقع خطر، اذ تستعد العاصمة الرياض لرد انتقامي محتمل من طهران على الرغم من مسعاها لتهدئة التوترات بعد عام حرج في 2019.

ولفت مسؤولون أمريكيون إلى أن المملكة تواجه “خطرا متزايدا” من هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة بعد مقتل سليماني في غارة أمريكية في العراق.

وأثار مقتل سليماني مخاوف من تصعيد للنزاع في المنطقة بعد أن تعهدت طهران بالانتقام لمقتله، بينما وصفت المملكة التصعيد بـ “الخطير للغاية”.

وسعت الرياض للنأي بنفسها من الغارة الأمريكية في بغداد، مع تصريح مسؤول سعودي أن واشنطن لم تتشاور مع الرياض بشأن الضربة التي قُتل فيها الجنرال الإيراني.

ووصل وفد من نظام آل سعود على رأسه نائب وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان إلى واشنطن بعد أيام من قتل سليماني لإجراء مباحثات لخفض التصعيد.

ويرى حسين ايبش الخبير في معهد دول الخليج العربية في واشنطن أنه “من الواضح أن السعوديين لا يرحبون بهذه الأزمة على الرغم من أنه يتوجب أن يكونوا سعداء بمقتل سليماني”.

وبحسب إبيش فإن السعوديين “يعلمون أنهم سيكونون في مرمى النيران حال اندلاع حرب، لذلك يقومون بكل ما بوسعهم لتخفيض” التصعيد.

واتخذ نظام آل سعود إيران عدة خطوات مؤخرا نحو محادثات بوساطة عراقية في مسعى لنزع فتيل التوترات.

وكان رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي قال الأحد، إنه كان من المفترض أن يلتقي سليماني يوم مقتله، مؤكدا أن الجنرال الإيراني جاء إلى بغداد حاملا رسالة من إيران ردا على السعودية.

وخلال الأشهر الماضية، تصاعدت التوترات بين واشنطن والرياض من جهة، وطهران من جهة أخرى، بعد سلسلة هجمات على ناقلات نفط ومنشآت نفطية اتّهمت إيران بالوقوف خلفها، بينها ضربة غير مسبوقة ضد شركة أرامكو في شرق المملكة في أيلول/سبتمبر الماضي أدّت إلى توقف نحو نصف إنتاجها لأيام.

وفي السابق، رأى محللون أن المسؤولين في الرياض الذين كانوا غاضبين من مقاربة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما تجاه طهران، سارعوا إلى الترحيب بموقف دونالد ترامب العدائي ضد إيران.

ولكن يبدو أن نظام آل سعود تراجع قليلا بعد الهجمات التي استهدفت منشآتها النفطية العام الماضي.

ويقول محللون أن الرد الأمريكي الفاتر على هجمات أيلول/سبتمبر الماضي، أكد نظرية أن المملكة لا يمكنها الاعتماد على أقرب حليف غربي لها للقدوم لمساعدتها حال اندلاع أي نزاع.

وقال كريستيان أولريشسن من معهد “بيكر” للسياسة العامة بجامعة رايس الأمريكية أن “الهجوم في أيلول/سبتمبر الماضي على السعودية أظهر عجزها عن حماية مواقع البنى التحتية من هجمات غير تقليدية”.

وبحسب اولريشسن فإنه “بينما تتحضر السعودية وحليفتها الإمارات لاستضافة أحداث عالمية هذا العام، قمة العشرين في الرياض وإكسبو 2020 في دبي، فإنهما تسعيان بكل جهد لتجنب أي تصعيد”.

ويؤكد ستفين سيش نائب رئيس معهد دول الخليج العربية في واشنطن أن اغتيال سليماني “يزيد من احتمال وجود رغبة لدى عناصر من الحوثيين مقربين من طهران، لشن ضربة في عمق المملكة، وهذه خطوة بالتأكيد ستقوض مبادرة السلام الجارية”.

وكان الحوثيون دعوا إلى رد “سريع ومباشر” على مقتل سليماني تضامنا مع طهران.

ولطالما دفع نظام آل سعود واشنطن لانتهاج سياسات متشددة للضغط على إيران وعزلها وتقليص نفوذها في المنطقة.

ولطالما أرادت الرياض أن توقف الولايات المتحدة حملة نشر النفوذ وبسط السلطة في جميع أنحاء المنطقة التي تعتمدها طهران والتي كان القائد العسكري سليماني اليد المحورية لها.

وفي هذا السياق قال روبرت مالي، الذي يرأس مجموعة الأزمات الدولية وعمل في مجلس الأمن القومي لأوباما “إن السعودية على الأرجح راضية على مقتل سليماني، لكنهم قلقة لأن إيران قد تلحق أضرارًا خطيرة باقتصادها”.

وللولايات المتحدة أيضًا المئات من القوات في السعودية وطائرات بدون طيار متطورة وطائرات مقاتلة من طراز أف F-35 وقد يكونون هدفا دائما لإيران.

ومنذ استهداف المنشآت النفطية في السعودية، الذي أدى إلى خفض إنتاجها إلى النصف بشكل مؤقت، تلوح في الأفق بعض بوادر التهدئة الدبلوماسية بين إيران والسعودية لتخفيف التوتر. ولكن هذه التهدئة المؤقتة لم تظهر أي بوادر لكبح التنافس ما بين البلدين وضبط النفس.

والتطورات الأخيرة في المنطقة عقدت حسابات آل سعود خاصة فيما يتعلق بقرار ترامب تصفية سليماني، هل اتخذ الرئيس الأمريكي هذا القرار بشكل متهور أو هو جزء من استراتيجية طويلة الأجل؟

ويشكك محللون في ترامب كشريك أمن، رغم أنه عزز الوجود العسكري الأمريكي في الخليج وسط توترات متصاعدة مع إيران.

ولم يتدخل ترامب للدفاع عسكريا عن المصالح السعودية بعد هجوم سبتمبر/ أيلول الماضي على مواقع النفط وتراجع عن الانتقام عندما أسقطت إيران طائرة استطلاع أمريكية بدون طيار في مضيق هرمز.