سعت السعودية في محاولات جادة بعد تمكن القوات العراقية من دحر تنظيم الدولة، في ديسمبر 2017، إلى بناء علاقة وطيدة مع بغداد، مستغلة حاجة العراق لإعادة بناء المدن التي دمرت بفعل الحرب على “الإرهاب”.

وعلى الرغم من أن محاولات السعودية كانت “مقروءة” بالنسبة للمطلعين على العلاقات بين الرياض وبغداد، ووضع المنطقة بشكل عام، فإن الرياض تحاول إثبات وجودها في هذا البلد أمام إيران التي تملك نفوذاً هناك وليس مجرد علاقات متينة.

تنشيط السعودية لعلاقاتها مع العراق بدأ بافتتاح منفذ عرعر الحدودي في أغسطس 2017، وإعادة تشغيل خط الملاحة الجوي، في حين حطت أول طائرة ركاب سعودية في مطار بغداد في 18 أكتوبر من العام نفسه.

ثم شهدت السعودية إطلاق المجلس التنسيقي السعودي العراقي بشكل رسمي برعاية أمريكية، تجسّدت في الحضور الشخصي لوزير الخارجية الأمريكي حينذاك ريكس تيلرسون.

أعقبها إعلان السعودية في مؤتمر إعادة إعمار العراق الذي استضافته الكويت في فبراير 2018، عن تخصيص 1.5 مليار دولار لمشاريع إعادة إعمار العراق.

وكانت أبرز محطات التنسيق بينهما، زيارة وفد وزاري وتجاري سعودي للعراق أبريل الماضي، تعهد باستثمار مليار دولار في مشروعات تنمية وفتح قنصلية في بغداد.

وخفف رجال الدين في المملكة من حدة خطابهم المُعادي للشيعة؛ حيث تثير هذه الخطابات استياءً عراقياً رسمياً فضلاً عن استياء المليشيات “الشيعية” التي لها تأثير قوي على الساحة العراقية.

وليس بجديد القول إن المليشيات في العراق هي أذرع لأحزاب وتوجهات عقائدية لا تنصاع لقرارات الحكومة في حال تضاربت أوامر الحكومة مع التوجه العقائدي، وهو ما توضح في مواقف عديدة، منها تهديدات بعض هذه المليشيات للسعودية.

ولم يتوقف الأمر عند التهديد؛ ففي نوفمبر 2013 سقطت قذائف هاون قرب مخفر سعودي على الحدود السعودية العراقية دون أن تخلف أي أضرار.

وتبنى واثق البطاط زعيم ما يسمى “جيش المختار” عملية إطلاق القذائف، التي كانت تمثل رسالة تحذيرية للرياض بسبب تبنيها “دعم الإرهاب” و”التعرض لمذهب التشيع”، بحسب قوله في تصريح للصحافة حينذاك.

السعودية تتقرب من مليشيات عراقية

تعلم الرياض جيداً ثقل المليشيات في العراق والدور الذي يمكنها تأديته في المنطقة، وبدا واضحاً مؤخراً أنها تسعى لخطب ودها.

ففي مارس الماضي، التقى مستشار الأمن الوطني ورئيس مليشيا الحشد الشعبي، فالح الفياض، وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي، ثامر السبهان.

وبحث الجانبان خلال اللقاء “تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في كافة المجالات، والجهود الدولية في مكافحة الإرهاب”، وفق ما ذكر موقع “أخبار العراق”.

و”هيئة الحشد الشعبيّ” مليشيا شيعية تضم مختلف المليشيات الطائفية، وأصبحت جزءاً من القوات المسلحة العراقية، وشُكلت بفتوى من المرجعية الدينية العليا، المتمثلة بعلي السيستاني في صيف 2014 لمقاتلة “داعش”.

خطوة تحسين العلاقات مع المليشيات تلك لم تكن الأولى؛ إذ زار الزعيم الشيعي العراقي، مقتدى الصدر، السعودية بدعوة رسمية من ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في جدة، منتصف 2017.

المليشيات تكشر عن أنيابها

العلاقات التي بنتها السعودية مع المليشيات لم تؤت أكلها، خاصة أن قراءات المطلعين تشير إلى أن حرباً ربما تقوم في المنطقة طرفها الأول أمريكا وحلفاؤها، وأبرزهم السعودية، والطرف الثاني إيران وأذرعها المتمثلة بالمليشيات في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

وبحسب ما أوردت صحيفة “وول ستريت جورنال”، الجمعة 28 يونيو الجاري، خلص مسؤولون أمريكيون إلى أن الطائرات المسيرة التي قصفت المنشآت النفطية في السعودية في مايو الماضي، انطلقت من العراق وليس من اليمن.

وذكرت الصحيفة أن مسؤولين أمريكيين تأكدوا أن الطائرات انطلقت من جنوبي العراق، ونفذتها على الأرجح المليشيات المدعومة من إيران التي تتمتع بنفوذ قوي هناك.

من جانبه، قال مايكل نايتس، الباحث معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: إن “هذا يطرح أسئلة حول قدرة الحكومة العراقية على إبقاء العراق محايداً في أزمة إقليمية”، بحسب الصحيفة.

وأضاف نايتس: “الرئيس العراقي برهم صالح قال مؤخراً إن العراق لن يكون منصة لمهاجمة إيران، لكن العراق تستخدمه إيران بالفعل لمهاجمة جيرانها”.

واعتبر نايتس أن استخدام العراق بدلاً من اليمن كقاعدة انطلاق للهجمات داخل السعودية سيكون منطقياً لأنه لا توجد دفاعات صاروخية أو طائرات من دون طيار من هذا الجانب.