من جديد تعود الصواريخ الباليستية إلى صدارة عناوين الحرب المستمرة في اليمن منذ خمسة أعوام بين جماعة “الحوثي” والتحالف العربي بقيادة السعودية، على الرغم من التفاهمات الأخيرة بينهما.

ورغم أن الصاروخين الباليستيين الذين أطلقهما الحوثيون، أواخر مارس 2020، لم يسفرا عن خسائر في الأرواح، فإن تداعيات وصولهما في هذا التوقيت، خصوصاً مع أزمة تعيشها السعودية مع دول العالم بسبب انتشار فيروس كورونا، تجاوز دوي الانفجار الذي خلفه في الأجواء.

وتتجه الحرب في اليمن إلى أن تصبح بوضوح صراعاً حوثياً-سعودياً، خصوصاً مع انسحاب معظم القوات الإماراتية، حيث لم يكتفِ الحوثيون في هجومهم بالصواريخ الباليستية، بل أعلنوا عملية عسكرية كبيرة نفذت في الأراضي السعودية.

 

صاروخان وهجوم

بعد يومين من دخول الحرب اليمنية عامها السادس، أعلنت السعودية، في الـ28 من مارس 2020، اعتراض صاروخين باليستيين وإسقاطهما، في حين قال الحوثيون إنهم نفذوا أكبر عملية عسكرية سيكشف عن تفاصيلها خلال الأيام القليلة المقبلة.

ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن العقيد تركي المالكي، المتحدث باسم التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، قوله إن الدفاعات الجوية السعودية اعترضت صاروخين باليستيين ليل السبت، أطلقهما المسلحون الحوثيون اليمنيون صوب العاصمة الرياض ومدينة جازان في جنوب المملكة.

وبعد يوم من إطلاق الصاروخين قال الناطق العسكري باسم الحوثيين، يحيى سريع، إن المليشيا نفذت “أكبر عملية عسكرية نوعية في بداية العام السادس للحرب في اليمن، استهدفت عمق العدو السعودي”.

وأوضح أن العملية العسكرية استهدفت مواقع حساسة في الرياض بصواريخ “ذو الفقار” وطائرات “صماد 3″، لافتاً إلى قصف أهداف اقتصادية وعسكرية في جازان ونجران وعسير بعدد من صواريخ “بدر” وطائرات “قاصف 2k”، وهو ما لم تؤكده سلطات الرياض.

وتوعد الحوثيون “النظام السعودي” بعمليات موجعة ومؤلمة “إذا استمر في عدوانه وحصاره”، مؤكدين أنه سيتم الكشف عن تفاصيل “العملية العسكرية النوعية” خلال الأيام المقبلة.

 

مفاوضات سابقة

هذه التطورات جاءت بعد معلومات نقلتها وسائل إعلام عربية ودولية، مطلع العام الجاري وأواخر العام 2019، عن مفاوضات تجري بين السعودية وجماعة الحوثي لبحث تهدئة عسكرية بين الطرفين.

ونقلت حينها عن مصادر قولها إنه جرى تشكيل لجنة سياسية وعسكرية بين السعوديين والحوثيين للبحث في إجراءات وقف القتال على الحدود ووقف الغارات الجوية.

وأعلنت جماعة الحوثي، في أكتوبر 2019، من جانب واحد وقف قصفها للأراضي السعودية مقابل أن يوقف التحالف السعودي الإماراتي قصفه في اليمن. وأعرب ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، آنذاك عن أمله في أن يؤدي ذلك إلى حوار سياسي.

وفي أكتوبر 2019، نقلت قناة “الجزيرة” عن مصدر قوله إن اتصالاً مباشراً جرى بين خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع السعودي -وهو شقيق ولي العهد- وبين رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، مهدي المشاط.

وأضاف أن الاتصال جرى بعد أيام من بدء التهدئة التي أعلنها الحوثيون من جانب واحد، أواخر سبتمبر الماضي، في بيان تلاه المشاط.

ووفق المصدر الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، فإن خالد بن سلمان عرض على المشاط تشكيل لجنة من الطرفين لخفض التصعيد، وصولاً إلى اتفاق كامل لوقف إطلاق النار بين الأطراف على الحدود السعودية اليمنية.

 

ما سر التصعيد؟

ثمة تساؤلات يفرضها هذا التطور عن الرسائل السياسية والعسكرية التي تريد جماعة الحوثيين إيصالها، خصوصاً مع بدء الحرب عامها السادس، ودون اعتبار لانشغال العالم بمحاربة فيروس كورونا.

الدكتور عادل المسني، الباحث في العلاقات الدولية، يقول إن ثمة أهدافاً وراء استئناف الحوثيون للضربات الصاروخية، وأهمها “تحريك المشاورات بشكل حاسم وسريع والدخول في مفاوضات مباشرة”.

وفي حديثه يشير إلى أن مليشيا الحوثيين قامت بهذه الهجمات مستغلة انشغال السعودية في أكثر من ملف؛ وفي مقدمتها أزمة كورونا، والأزمة الاقتصادية بسبب صراعها النفطي مع روسيا، وانخفاض أسعار النفط.

ومن بين الأزمات التي تمر بها السعودية، يقول المسني: “فشل جهود احتواء الأزمة في عدن، وتصعيد المجلس الانتقالي المستمر مع الشرعية، وصولاً إلى إقالة وزير النقل، أحد أبرز المعارضين لانتهاكات السعودية المخلة في حق السيادة اليمنية”.

ويؤكد أن الحوثي استغل “حالة الارتباك والضعف السعودي لتنفيذ مزيد من الضغط عليها في اتجاه إجبارها على المفاوضات، خصوصاً مع انشغال العالم بأزمة كورونا، وهو ما يعطي اهتماماً غير مسبوق لإيقاف النزاعات والحروب والتركيز على مسألة التصدي لهذا الأمر، ما جعلهم ينفذون هذه الهجمات لحشر الرياض في الزاوية”.

ويضيف: “السعودية مأزومة لا تستطيع شن عمليات واسعة حتى لا تنهار المشاورات وتعود لصداع الاستهداف المستمر من ناحية، كما أنها ستبدو أكثر توحشاً إن شنت حرباً في هذا التوقيت الذي يجتاح العالم شعور بالكآبة جراء انتشار الفيروس من ناحية أخرى، وهذا ما سيغري الحوثيون بشن المزيد من الاستهداف”، متوقعاً تصعيداً غير مسبوق للعمليات الحوثية خلال الأيام القادمة.

 

سلام سابق لأوانه

أما المحلل السياسي اليمني الدكتور عادل دشيلة، فقد رأى أن التصعيد العسكري على الأرض، سواء في الجوف أو في مأرب أو نهم بصنعاء من قبل الحوثيين، وفي المناطق الجنوبية للسعودية، “دليل واضح على أن الحديث عن السلام سابق لأوانه في هذه اللحظة”.

ويشير في تصريحه إلى أنه “ليس من الممكن الحديث عن السلام في هذا الوقت ما دام التصعيد على الأرض، بل يبدو الأمر كأنه ضحك على الذقون”.

ويرى أن مليشيا الحوثيين “ليست قوية كما يتصور البعض، ولكن نتيجة لاستمرار الحرب لأكثر من 5 أعوام اكتسبت خبرات، ولذلك هي تريد أن تملي شروطها على المملكة، وتستغل الظروف الراهنة نظراً لأن المملكة لديها مشاكل داخلية أو حتى مع كورونا الذي أصبح أزمة عالمية”.

وأضاف: “الخيار العسكري ما يزال مطروحاً حتى اللحظة، ولكن لا يبدو في الأفق أن أحد الأطراف سيتغلب على الآخر، لكن يبدو أنها معركة استنزاف للخليجيين، وبالذات السعودية”.

ويتحدث دشيلة عن أن الأيام القادمة “ستكون عصيبة ليس على اليمن فحسب بل على المنطقة”، مضيفاً: “لكن في حال استمرت الحرب باليمن فسيدفع الثمن مع الأسف الأبرياء، سواء داخل المناطق المحررة، أو المناطق التي تسيطر عليها الحركة الحوثية”.

ودخلت اليمن عامها السادس منذ بداية الحرب، ولا يبدو أن هناك نهاية للكارثة تلوح في الأفق، رغم أن أطرافها الخارجية ذاقت وبال الحرب بعد أن تسببت لها بأزمات داخلية، فالسعودية التي تدخلت لأول مرة في 26 مارس 2015، بضربات جوية، باتت تسعى للتراجع، إلا أنها لا تجد استراتيجية للخروج، وفق ما يراه مراقبون.

أما الإمارات التي كانت جزءاً رئيسياً في التحالف فأعلنت سحب وحداتها من اليمن، لكنها تواصل شراء خدمات القبائل والمليشيات التي تقاتل من أجل مصالح أبوظبي.

وبالنسبة إلى إيران فإن الحرب في اليمن تفقد أهميتها، فقد أثر موت الجنرال قاسم سليماني بقوة على سياستها الخارجية، كما أنها اليوم مجبرة على تكثيف مواردها للحرب ضد فيروس “كورونا”.

وبالرغم من ذلك لم تنتهِ الحرب التي تقول الأمم المتحدة إنها تسببت بأكبر مجاعة على الصعيد العالمي خلال السنوات الـ100 الماضية، إضافة لتسببها في تفشي الكوليرا، وخشية محلية من وصول مرض كورونا إليها بعد انتشاره بمعظم دول العالم.

وفي الوقت الذي تقبع فيه الحكومة اليمنية في الرياض تحت “الإقامة الجبرية” كما يصفها مسؤولون يمنيون، وسط انكماش الأراضي التي تسيطر عليها، تدفع الإمارات لتحويل جنوب اليمن إلى دولة مستقلة عن الشمال، في حين لا تزال مليشيا الحوثي تسيطر على الشمال وسط توسع لها، في مقابل فشل أممي لإنهاء هذه الحرب على الرغم من كل الاتفاقات والمفاوضات التي عقدت سابقاً.