تواصل السلطات السعودية شن حملات الاعتقالات التعسفية بحق الكثير من أبناء السعودية، كان آخرها حملة اعتقالات نوفمبر الحالي، بحق كُتّاب ورجال أعمال، إضافة إلى صحفيتين.

وطالت الحملة نحو عشرة من المدونين والصحفيين و رواد الأعمال، بينهم صحفيتان، وجميعهم توقفوا منذ فترة طويلة عن النشاط الحقوقي والكتابة السياسية، وبعضهم كان من مؤيدي سياسات ابن سلمان.

واعتقلت السلطات السعودية في هذه الحملة الصحفيتين مها الرفيدي، وزانة الشهري، بالإضافة لبدر الراشد، وسليمان الصيخان الناصر، و وعد المحيا، ومصعب فؤاد العبد الكريم، وعبد المجيد سعود البلوي، وعبد العزيز الحيص، و عبد الرحمن الشهري، والمدون فؤاد الفرحان الذي اعتقل سابقاً في العام 2007 لفترة قصيرة على خلفية دعمه لمعتقلي الرأي آنذاك.

وقال حساب “معتقلي الرأي” أن جميع هذه الاعتقالات تمت بطريقة تعسفية وبدون أوامر قضائية، وقامت السلطات فيها بمداهمة المنازل ومصادرة الهواتف والحاسبات الخاصة بالمعتقلين. و أن اعتقالات نوفمبر تعتبر استمراراً لنهج القمع والانتهاكات الحقوقية التي تمارسها السلطات ضد أصحاب الفكر والرأي الحر.

و زادت السلطات السعودية من حملات القمع والاعتقالات ومصادرة الحريات منذ صعود محمد بن سلمان لمنصب ولي العهد، مع محاولته الانفتاح بشكل كبير على الغرب، و سعيه لإسكات الأصوات التي تنادي إلى إصلاحاته المزعومة.

وما يجدر ذكره هنا؛ أنه حتى المنتقدون أو النشطاء السابقون ليسوا بمنأى عن الاعتقال، إذ أن أغلب المعتقلين في الحملة الأخيرة قد توقفوا عن الأنشطة الاجتماعية والكتابة السياسية منذ فترة، لكن يبدو أن الغرض من اعتقالهم هو مواجهة أي نشاط للمجموعات أو الأفراد السعوديين، باعتباره جزءاً من الحملة التي يقوم بها محمد بن سلمان ضد أي وجود للأنشطة والنشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي.

استخدم ولي العهد السعودي جميع الوسائل القمعية لإثبات هيمنته، فبعد صعوده مباشرة قام بإعادة تنظيم أجهزة الاستخبارات والنيابة العامة والأمن، التي تعتبر أدوات القمع الأساسية في المملكة، ووضعها تحت إشرافه مباشرة. وشرع بسياسة تكميم الأفواه عبر الاعتقالات والإخفاء القسري، وحظر السفر، وملاحقة المعارضين بالخارج وقتلهم كما حدث للصحفي جمال خاشقجي. و وصل إلى التجسس على حسابات المعارضين بتويتر، كما كُشفَ مؤخراً….

 

مسيرة اعتقالات بن سلمان

قامت السعودية خلال السنوات الماضية باعتقال الآلاف دون تفريق بين الجنسين، بينهم دعاة ورجال دين، وأكاديميون، ونشطاء حقوقيون، ورجال أعمال واقتصاديين، وكتاب وشعراء وأطباء….

في سبتمبر/ أيلول 2017 بدأت السعودية باعتقال الدعاة ورجال الدين البارزين والأكاديميين، والشخصيات التي تعتقد أنها قد يؤثرون على مسيرة بن سلمان الانفتاحية، وحاكمت القليل منهم لاحقاً بتهم تتعلق بالإرهاب، في حين يواجه بعضهم الآن عقوبة الإعدام.

وبعد شهر، وتحديداً في أكتوبر 2017 شنت حملة اعتقالات بحق موظفين في السلك القضائي؛ طالت ستة قضاة من المحكمة الجزائية المتخصصة، وقضاة آخرين وموظفين في وزارة العدل.

وفي نوفمبر 2017 شنت حملة اعتقالات واسعة بذريعة مكافحة الفساد ، طالت كبار رجال الأعمال، وأمراء من الأسرة الحاكمة، ومسؤولين كبار. في ما اشتهرت باسم “حادثة فندق ريتز كارلتون” بالرياض، والتي جعلت المستثمرين الأجانب يعيدون النظر بشكل جدي حول إمكانية استثمارهم في المملكة ، وتسببت بهروب الكثير من رؤوس الأموال إلى خارج المملكة. واعتبر مراقبون أن هذه الحملة لعبة من ألاعيب ولي العهد محمد بن سلمان لتهميش منافسيه السياسيين المحتملين، وإزاحتهم عن طريقه.

وفي مايو 2018 بدأ بن سلمان مسيرة اعتقالات النساء، حين شنت السلطات حملة اعتقالات طالت أكثر من عشر ناشطات في مجال حقوق المرأة، من بينهن الناشطة “لجين الهذلول”، بعضهن طالب برفع الحظر على قيادة النساء للسيارات. ورغم أن السلطات كانت في حينها قد سمحت بقيادة المرأة للسيارة؛ إلا أنهن لم يسلمن من الاعتقال. ولم تكتفِ السلطات بذلك، بل شنت حملة واسعة لتشويه سمعتهن عبر وسائل الإعلام المحلية بصفتهن “خائنات” – كما فعلت مع المعتقلين – واتهمت المحكمة بعضهن بارتكاب جرائم، منها الاتصالات مع الصحفيين الأجانب.

وفي أبريل/نيسان الماضي، شنت السلطات السعودية حملة اعتقالات طالت أكاديميين وأطباء وناشطين بينهم نساء، (اثنان من المعتقلين يحملان الجنسية الأمريكية) بسبب تضامنهم مع الناشطات المعتقلات. وتم التأكد أن الأشخاص المعتقلين في حملة إبريل، لا يعتبرون من الناشطين البارزين، وإنما كُتّاب وحقوقيون كانوا في السابق يدعون إلى مزيد من الإصلاحات الاجتماعية، وبعضهم كان سابقاً على صِلة بالناشطات المعتقلات .وتعتبر هذه الحملة أول حملة تشنها السلطات السعودية بعد القتل الوحشي للصحفي جمال خاشقجي.

وفي أكتوبر الماضي شنت السلطات السعودية حملة اعتقالات بحق شخصيات سعودية بارزة انتقدت فعاليات هيئة الترفيه، ووضعتهم في سجون انفرادية، بينهم أستاذ جامعي وشيخ قبيلة “عتيبة” وشاعر طاعن في السن، اعتقلوا بسبب دعوتهم لأن يكون الترفيه بطريقة منطقية ومقبولة، من دون المساس بجوهر الدين والثوابت.

 

ما بعد الاعتقال

لا تكتفي السلطات السعودية بممارسة القمع وشنّ حملات الاعتقال بحق الناشطين السياسيين والناشطات الحقوقيات وإيداعهم السجن، بل إنها تقوم بإخفاء العشرات منهم قسرياً في سجون سرية، من دون معرفة أهاليهم أي أمر عنهم، فضلاً عن ارتكابها جرائم تعذيب بحق المعتقلين، تمثلت بالإهمال الصحي، والضرب المبرح، والصعق الكهربائي، والتعليق بالأسقف، والتحرش الجنسي.. وغيرها من أنواع التعذيب التي أدت إلى وفاة الكثير من المعتقلين.

تمتلك المملكة العربية السعودية أضخم السجون حجمًا في العالم، وأنها تتبع أساليب وحشية لتعذيب المعارضين، وأن الأساليب القمعية والتعذيبية في السعودية من أشرس أنواع التعذيب في العالم، حيث تتم انتهاكات وتجاوزات صارخة لحقوق الإنسان. وأكد الموقع وجود أكثر من 30 ألف معتقل سياسي في غياهب السجون السعودية ، ويعانون من شتى وسائل القمع والتنكيل وبدون أي تهمة محددة أو محاكمات عادلة. “تعتبر السعودية من أشهر ممالك الرعب والخوف في العالم المعاصر التي تخالف أبسط مبادئ حقوق الإنسان، ومتجاوزة كل القوانين والأعراف العالمية، وسط صمت دولي رهيب، حيث يتم تكميم الأفواه وصم الآذان وإغماض الأعين مقابل أموال الذهب الأسود“.

ويبقى المعتقل في سجون السلطات السعودية لسنوات دون توجيه أي تهمة إليه، ودون عرضه على القضاء، الذي يعاني أيضاً من تسلط بن سلمان عليه، وقالت منظمة العفو الدولية في تقرير لها: إن النظام القضائي السعودي يعاني من نواقص أساسية تؤدي إلى ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان بصورة منتظمة.

ومع محاولة السعودية الانفتاح بشكل واسع مع الغرب لتلميع صورة ولي العهد؛ تواجه حملة انتقادات عالمية واسعة بسبب سياستها القمعية. قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” لحقوق الإنسان، إن: “وراء المظاهر البرّاقة المستجدة؛ تقبع حقيقة مُظلمة، مع سعي السلطات السعودية إلى إزاحة أي شخص في المملكة يجرؤ على الوقوف في طريق صعود محمد بن سلمان السياسي، وفي صيف 2017، في الفترة التي شهدت تعيينه وليًا للعهد، أعادت السلطات بهدوء تنظيم أجهزة النيابة العامة والأمن السعودية، التي تعتبر أدوات القمع الأساسية في المملكة، ووضعتها تحت إشراف الديوان الملكي مباشرة“.

واتهم “فيليب لوثر” مدير الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، السعودية بالاعتماد على نفوذها السياسي والاقتصادي من أجل ردع المجتمع الدولي ومنعه من انتقاد سجل السعودية السيئ جداً في مجال حقوق الإنسان، ملمحا إلى أن المملكة تحتجز الناشطين السلميين بطريقة تعسفية وتقوم بتعذيبهم بشكل ممنهج.

ويبدو من سياسة المملكة عبر تاريخها القائم على القمع؛ أنها ماضية في محاسبة الجميع حتى على التعبير عن الرأي قبل سنوات. وأنها لن تتوقف عن شن حملات الاعتقالات لإسكات –حتى– الناصحين، في مملكة “حتى السكوت فيها أصبح جريمة“.