تُعبّر كاتبة مصرية عن رغبتها الشديدة في زيارة الحرم المكيّ لأداء العمرة أو الحج، إلا أنها تخاف من الاعتقال، في ظل ممارسات السلطات السعودية والاعتقالات التي تطال الكتاب والصحفيين والمعارضين من المواطنين والمقيمين.

حال هذه الكاتبة يشبه أحوال كثيرين من العرب في شتى بقاع العالم، والذين باتوا يرهبون من ممارسات السعودية تجاه منتقديها أو حتى المحسوبين على أحزاب معينة، وترك أثراً سلبياً عليهم.

السلطات السعودية منذ تولي ولي العهد محمد بن سلمان في العام 2017، شنت حملات متتالية ومستمرة من الاعتقالات طالت جميع فئات المجتمع، من الرجال والنساء والشيوخ بل كان بينهم شباب في مقتبل أعمارهم.

وسبّبت هذه الممارسات الخوف العميق لدى العرب في العديد من البلدان، وأصبحوا حين تسألهم إن كانوا سيذهبون لتأدية الحج أو العمرة يسارعون إلى الرفض، وحول الأسباب التي تدفعهم إلى ذلك يقول البعض: حتى لا يقال “ذهب ولم يعد”، و”من باب أمن الشرور”، “لا أرمي نفسي في النار”، و”لا أجازف وأترك أولادي”.

الحدود السعودية

الكاتبة المصرية التي لجأت إلى العيش في تركيا (رفضت الكشف عن اسمها خوفاً على نفسها) تقول: “هربت من بلدي بسبب القمع والاعتقالات والتضييق على المعارضين، وأتيت إلى مدينة إسطنبول في العام 2015، وفكرت بالذهاب إلى أداء العمرة في 2018، إلا أنني تراجعت”.

سبب تراجعها كان الخوف الكبير على نفسها بأن يقبض عليها إثر ما كتبته، إذ إنها انتقدت حملات القمع في البلدان العربية والانتهاكات التي تمارسها السلطات السعودية ضد كُتّاب ودعاة وغيرهم، على حد قولها.

وسبق للسعودية أن اعتقلت معتمرين مصريين في العام 2017 سلمتهم للسلطات المصرية بالقوة، وأدانت حينها الحملة العالمية لمنع تسييس المشاعر في المملكة ترحيلهم واعتقالهم. كما اعتقلت آخرين من جنسيات عربية وأجنبية ورحّلتهم.

من جهتها ترى الفلسطينية “أمل محمد” (اسم مستعار) والتي تقيم أيضاً في إسطنبول، أن “من المستحيل” أن تذهب إلى السعودية، وتقول: “أتمنى أن أذهب ولكن لن أفعلها لأني لا آمن شرورهم”.

وبينت أنها لن تترك أولادها، كما أنها لا تسافر من دون زوجها والذي لا يذهب هو أيضاً إلى السعودية بحكم عمله صحفياً، ومن المحتمل أن يتعرض لمضايقات أو توقيف”.

وتتّبع السعودية سياسة أمنية قمعية ومتشددة بالتعامل مع رواد المشاعر من الحجاج والمعتمرين من خلال تفتيش ممتلكاتهم الشخصية وطلب معلومات البريد الإلكتروني، ووصل الأمر إلى تفتيش الهواتف وغيرها من الممارسات.

قطر والشعائر

وفي سياق متصل، يقول أحد الصحفيين الفلسطينيين إنه لن يغامر ويذهب إلى العمرة، موضحاً العديد من الأسباب التي جعلته يأخذ هذا القرار ويعزف عن الذهاب.

ويقول الصحفي مفضلاً عدم ذكر اسمه: “أنا أعمل في وسيلة إعلام قطرية وأخاف أن يكون اسمي وصل إلى السعودية وهي تحارب قطر والإعلام القطري، كما دعت لقصف الجزيرة (دعوة من الإعلامي السعودي خالد المطرفي) وأعلنت عن قائمة إرهاب فيها مواقع قطرية تم حجبها وصنفتها معادية”.

ومنذ يونيو 2017، فرضت السعودية والإمارات والبحرين ومصر، حصاراً على قطر وقاطعتها دبلوماسياً واقتصادياً، واتهمتها بدعم الإرهاب، وهو ما رفضته الدوحة جملة وتفصيلاً وبينت أنه محاولات لفرض السيطرة على سيادتها، وأصدرت قائمة إرهاب تضمنت شخصيات ومؤسسات ومواقع دعت إلى مقاطعتها، ومن ضمنها موقع “الجزيرة” القطري.

وفرضت دول حصار قطر قيوداً على الحجاج القطريين انتقدتها منظمات حقوقية دولية، وبينت أنها تعد انتهاكاً لحق الإنسان في ممارسة شعائره الدينية.

الحملة العالمية لمنع تسييس المشاعر في السعودية، بينت أن الممارسات التي تنفذها المملكة بحق المعتمرين غير قانونية وتتعارض مع الأعراف والقوانين الدولية خاصة حرية العبادة، وأن لكل مسلم الحق في ممارسة شعائره الدينية.

وأضافت الحملة أن السعودية تهدف بهذه التصرفات غير المسؤولة إلى منع الأفراد من ممارسة حقهم في العبادة والوصول بحرية إلى جميع الأماكن المقدسة.

وعبرت الحملة عن قلقها الكبير من تفرد السعودية بإدارة شؤون الحج والعمرة كل عام، والذي من شأنه أن يؤدي الى اتخاذ قرارات خطيرة مثل منع الحجاج والمعتمرين من ممارسة عباداتهم لانتماءاتهم أو آرائهم السياسية.

وتعتبر الحملة التي انطلقت في العاصمة الإندونيسية جاكرتا، حراكاً عالمياً يركز بشكل خاص على العالم الإسلامي والجاليات المسلمة في الغرب، بما في ذلك أمريكا وأستراليا ونيوزيلندا، وتسعى لضمان حرية العبادة لكل المسلمين على اختلاف توجهاتهم السياسية أو انتماءاتهم العرقية.

فتوى بمقاطعة الشعائر

ودفعت سياسات بن سلمان ضد دول المنطقة وانتهاكه حقوق الإنسان بعض علماء المسلمين إلى إصدار فتاوى بعدم الذهاب إلى الحج، وفق ما نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، مطلع يوليو الماضي.

وقال الكاتب والمحلل السياسي أحمد طويج، في مقاله بالمجلة الأمريكية، إن أغلبية دول العالم تدعو لإجراءات اقتصادية ودينية وسياسية ضد السعودية بسبب سياساتها التي تسببت في أكبر كارثة إنسانية بالعالم بحربها في اليمن، وهجماتها غير المباشرة على سوريا وليبيا وتونس والسودان والجزائر، على ألَّا تقتصر هذه الإجراءات على حظر الأسلحة فقط.

وأوضح طويج أن بعض علماء المسلمين دعوا إلى مقاطعة الحج، لأن أمواله تضخ في الاقتصاد السعودي وتساهم في تمويل صفقات الأسلحة التي تبرمها الرياض، وتغذي سياساتها بالمنطقة وتشجعها على انتهاك حقوق المسلمين.

ويتوافد سنوياً قرابة 2.3 مليون مسلم من جميع الطوائف على مكة خلال موسم الحج، واستقبلت السعودية 19 مليون معتمر خلال العام الماضي.