نشرت قناة “الإخبارية” الرسمية السعودية صوراً، قالت إنها حصرية، لحادثة اقتحام الحرم المكي عام 1979، ولكنها برواية جديدة تتهم فيها إيران بتنفيذ العملية، رغم أن كل من كان فيها سعوديون وينتمون إلى “الجماعة السلفية المحتسبة”.

واتهم التقرير الذي نُشر يوم الأربعاء (20 نوفمبر الجاري)، علانيةً، جمهورية إيران وفِكر زعيمها الراحل آية الله الخميني بتدبير العملية التي نفذها السعودي جهيمان العتيبي، الذي كان ينتمي إلى جماعة الدعوة والتبليغ، ثم انخرط لاحقاً في “الجماعة السلفية المحتسبة”.

وكشفت الصور الجديدة تبادُل إطلاق النار الذي حدث بين الجماعة التي اقتحمت الحرم واحتلته أسبوعين، والقوات السعودية التي كانت تسعى لطردهم منه.

كما بينت الصور التي نشرتها القناة، اللحظات الأولى لخروج مدرعات الحرس الملكي السعودي من بيوتها، للتصدي للتمرد الذي قاده جهيمان العتيبي.

وأظهر المقطع المصوَّر، جهيمان بعد اعتقال قوات الحرس الملكي السعودي له، بالإضافة إلى صورته بعد تنفيذ حكم الإعدام تعزيراً بحقه، إلى جانب عدد من المشاركين في العملية.

ويأتي اتهام القناة الرسمية إيرانَ، في ظل ما شهدته منطقة الخليج، بالأشهر الماضية، من توتر غير مسبوق، وسط حرب ناقلات النفط ومصادرتها، وعمليات التفجير التي طالت بعضها، علاوة على القصف الذي طال منشآت شركة أرامكو، عملاق النفط السعودي، وسط غيوم تنذر بحرب قادمة.

ماذا حدث في الحرم؟

مع فجر يوم الأول من محرم 1400هـ الموافق 20 نوفمبر 1979م، استولى أكثر من 200 مسلح على الحرم المكي، مدَّعين ظهور المهدي المنتظر، وذلك إبان عهد الملك خالد بن عبد العزيز.

الحادثة هزَّت العالَم الإسلامي برمَّته؛ فمن حيث موعدها وقعت مع فجر أول يوم في القرن الهجري الجديد، ومن حيث عنفها تسببت في سفك الدماء بباحة الحرم المكي، وأودت بحياة بعض رجال الأمن وكثير من المسلحين المتحصنين داخل الحرم، وحرَّكت الحادثة بسرعةٍ، مشاعر كثير من المسلمين، وشجبها جميع المسلمين في العالم، وأنكروها ونددوا بها.

وكان نشاط التيارات الإسلامية حينها في أَوْجه، مع بدء تشكُّلها في بعض المناطق السعودية والعالم العربي، والتحركات الإسلامية في سوريا، ومن جانب آخر، إبرام معاهدة كامب ديفيد، وما بدا أنه بدء الاعتراف العربي الرسمي بانتهاء عهد الحروب مع “إسرائيل” وبدء الاعتراف بوجودها الطبيعي، وأخيراً انتصار الثورة الإسلامية في إيران، والذي ولَّد لدى تيارات إسلامية أخرى تصوُّر إمكانية تكرار ما فعله الخميني في إيران، وتخوُّف الحكومات العربية والعالمية في الوقت نفسه، من نجاح حركات إسلامية في السيطرة على بلدان أخرى بالمنطقة، ونشوء دول أو جمهوريات إسلامية خارج نطاق السيطرة.

داخلياً وفي حين ظنت السعودية أنها بعيدة عن الحركات الإسلامية، خيَّب تحرُّك جهيمان العتيبي آمالهم، خاصةً أنه شكك في شرعية آل سعود باعتبارهم يفتقدون شرط “القرشية” في الحكم، وسوَّغ هجومه باعتباره “نصرة للمهدي المنتظر الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلئت جوراً وظلماً، والدعوة إلى مبايعة صهره محمد عبد الله القحطاني خليفة للمسلمين، وإماماً لهم على أنه المهدي المنتظر”.

كما كان ظهوره مرتبطاً بتغييرات اجتماعية واقتصادية في الستينيات والسبعينيات؛ منها محاولة المؤسسة الدينية التقليدية الحفاظ على موقعها، بتأكيد المحافظة في مجتمع بدأ يتجه تدريجياً نحو الحداثة والانفتاح، كظهور النساء في التلفاز الرسمي، والأغاني، والانفتاح على الثقافة الغربية.

وانتهت العملية في 4 ديسمبر 1979، بعد أن تدخلت القوات الفرنسية والسعودية ودخلت إلى المسجد الحرام، لتقضي على المسلحين المتحصنين بداخله، وتعتقل من تبقَّى منهم، ومن بينهم جهيمان الذي أُعدم في 9 يناير من عام 1980، في حين قُتل القحطاني خلال العملية.

 

خداع الشعب

ومن حين إلى آخر، تحاول السلطات السعودية أن توهم الشعب بأنها تعاملت مع الحدث بحكمة واتزان، حيث لم يذكر تقريرها دور أي قوات أجنبية بمساعدتها على تحرير الحرم، وسبق أن استخدمت الدراما لنقل وجهة نظرها، حيث أظهر مسلسل “العاصوف”، الذي عُرض على قناة “إم بي سي” التي تملكها الرياض، تماسك الأمن السعودي في تعامله مع الحادث، متجنِّباً إظهار الفشل الذريع الذي مُنيت به المنظومة الأمنية السعودية حينها، وارتباكها، وعدم قدرتها على التعامل مع الحدث، بسبب الصدمة وقلة خبرة منتسبيها.

وتجاهل مُخرج المسلسل الفشل الأمني في إنهاء الحادث، والسيطرة على الحرم المكي في الساعات الأولى من قِبل مقتحميه، وعدم إبراز الإهمال الأمني السعودي على أطهر بقاع الأرض، وأكثرها احتشاداً.

كذلك لم يتطرق المسلسل (ولا تقرير الإخبارية السعودية)، في حلقاته، إلى دور القوات الخاصة الفرنسية التي أرسلت فرقاً خاصةً إلى السعودية، وبحوزتها قنابل غاز ومعدات عسكرية، من أجل مساعدة الأمن السعودي، الذي فشل في تحرير الحرم أسبوعاً كاملاً.

وأكد موقع “بي بي سي عربي”، في فيلم وثائقي عن الحادثة، عرضه في يوليو 2017، أن الفرنسيين جزموا بأن القوات السعودية كانت مضعضعة ومعنوياتها منخفضة بعد اقتحام الحرم، وهو ما تجنَّب ذكرَه مسلسلُ “العاصوف”، الذي حرص على إظهار قوات بلاده على أنها كانت قويةً حينها.

وبين الموقع أن الحرس الوطني السعودي كان بعد اقتحام الحرم في حالة شلل كامل، خصوصاً بعدما قُتل نحو 600 إلى 700 جندي وضابط من عناصره.

 

لَبْرَلَة المجتمع بين الأمس واليوم

وتتحدث وسائل إعلام غربية عن احتمالية أن تشهد المملكة ردود فعل متشددة مشابهة لحادثة احتلال الحرم المكي، حيث تراجعت العائلة الحاكمة عن توجُّه المجتمع، وسحبت تنظيم الحياة الاجتماعية من السلطة الدينية، التي تقول بشكل غير مباشر، إنها أسهمت في انتشار الفكر “الوهابي” وتصديره حتى إلى خارج السعودية.

وكان وقوع تلك الحادثة مرتبطاً بتغييرات اجتماعية واقتصادية في الستينيات والسبعينيات؛ منها محاولة المؤسسة الدينية التقليدية الحفاظ على موقعها بتأكيد المحافظة في مجتمع بدأ يتجه تدريجياً نحو الحداثة والانفتاح، كظهور النساء في التلفزيون الرسمي، والأغاني، والانفتاح على الثقافة الغربية، وهو ما أغضب الطرف المعارض لذلك الانفتاح.

الوقت الحالي يشهد شيئاً مشابهاً، فمنذ صعود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وهو يقود سلسلة من الإجراءات فيما يُطلق عليها “مسيرة الانفتاح”، تعمل على تغيير سلوكيات المجتمع السعودي المحافظ، عبر “هيئة الترفيه” التي تُعنى بإقامة المهرجات الغنائية الصاخبة والمختلطة، وافتتاح دور السينما وإقامة العروض، والتي تضمنت بطبيعة الحال أموراً لم تكن معهودة طيلة العقود الماضية.

الانفتاح الذي يقوده بن سلمان لا يلقى قبولاً واسعاً داخل المجتمع السعودي وعائلاته، حيث صاحبه قمع غير مسبوق للآراء المخالفة، واعتقالُ عدد كبير من الناشطين، كان آخر 6 منهم خلال موسم الرياض الترفيهي الذي يجري حالياً وشهد مخالفات ومشاهد غير مسبوقة، كمقاطع مثليين أو تبادل قُبلات على الملأ.

ونتج عن ذلك بطبيعة الحال، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، في 11 نوفمبر 2019، مقاطع فيديو وصوراً لعرض مسرحي بموسم الرياض، في حين يقتحم شخصٌ العرض ويهاجم الممثلين والممثلات، الذين كانوا يرتدون ملابس ضيقة ولامعة.

السلطات السعودية قالت إن حادث الاعتداء بالطعن استهدف رجلَين وامرأة من أعضاء فرقة مسرحية، خلال تقديمهم عرضاً حيّاً بإحدى الفعاليات المقامة على مسرح حديقة الملك عبد الله بن عبد العزيز، بحي الملز وسط العاصمة الرياض، وفقاً لوكالة الأنباء السعودية “واس”.

وصرح المتحدث الإعلامي لشرطة منطقة الرياض، بأن الأجهزة الأمنية اعتقلت الجاني فور اقتحامه المسرح، ويبلغ من العمر 33 عاماً، وضُبط بحوزته السلاح المستخدم (سكين).