تلاشت حالة التفاؤل الحذر التي رافقت المفاوضات بين قطر والسعودية، قبل نحو أربعة أشهر، التي هدفت للتوصل إلى حل للأزمة الخليجية وإنهاء الحصار على قطر، الذي فرضته كل من الرياض وأبوظبي والمنامة والقاهرة قبل أكثر من عامين ونصف العام، وذلك بتصاعد الحملة الإعلامية ضد قطر، والتي كانت بمنزلة مؤشر على عودة الأمور إلى نقطة الصفر.

إلا أن هذا الانطباع السائد بانهيار المفاوضات بين الرياض والدوحة أكدته عدة مصادر دبلوماسية، حيث اتضح أن الرياض عادت إلى أسطوانتها السابقة بشأن الأزمة، وكانت تحاول تحقيق “إنجاز” سياسي يمكنها من تجميل صورتها أمام العالم، لكن إصرار قطر على أن تكون المفاوضات بدون شروط مسبقة وعلى أساس يحفظ السيادة لدولة قطر لم يرق للمفاوض السعودي الذي انقلب على مبادرته التي بدأها للتفاوض.

 

عود على بدء

فقد ذكرت وكالة “رويترز”، نقلاً عن مصادر مطلعة، أن المحادثات بين قطر والسعودية انهارت عقب بدئها بمدة وجيزة من انطلاقها.

ونقلت الوكالة عن أربعة دبلوماسيين غربيين في الخليج، ومصدرَين مطلعين على آليات صنع القرار القطري، يوم الثلاثاء (11 فبراير 2020)، قولهم: إن “الأولوية لدى قطر في المباحثات كانت إعادة حرية انتقال مواطنيها إلى الدول الأخرى، وفتح المجال الجوي بهذه الدول أمام طائراتها، وإعادة فتح حدود قطر البرية الوحيدة، وهي مع السعودية”.

في المقابل قال ثلاثة من الدبلوماسيين للوكالة: إن “الرياض أرادت أن تبدي قطر أولاً تغييراً جوهرياً في مسلكها، ولا سيما في سياستها الخارجية التي أيدت فيها الدوحة أطرافاً مناوئة في عدة صراعات إقليمية”.

من جانبه قال دبلوماسي: إن “السعودية أرادت ترتيباً جديداً مع قطر يتضمن التزام الدوحة بتعهدات جديدة على نفسها”، وفق الوكالة.

في حين قال أحد الدبلوماسيين أيضاً: إن هذه فكرة “مجهضة من البداية بالنسبة لقطر وذلك لوجود خلافات كثيرة في السياسة الخارجية”.

من جانب آخر، قال ثلاثة من الدبلوماسيين الغربيين: إن “الرياض كانت تريد تحقيق نصر في السياسة الخارجية قبل استضافة قمة مجموعة العشرين في 2020، وذلك بعد ما لحق بسمعتها من ضرر بسبب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018”.

وتسبب مقتل خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول على يد مجموعة أمنية مرتبطة بولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بتشويه صورة المملكة دولياً، وحدوث انتقادات واسعة من قبل منظمات حقوقية مرموقة.

ونقلت الوكالة عن مصدر مطلع على دوائر صناعة القرار السعودي تأكيده أن “الرياض كانت تأمل أن تنجح المحادثات، لكن الأمور الآن عادت إلى سيرتها الأولى”.

غير أن مصدراً قطرياً قال إن “المحادثات انتهت؛ لعدم واقعية المطالب السعودية”، مضيفاً: “لم يكن من الممكن أن نصبح دولة تابعة”.

بدوره؛ يرى الدكتور ماجد الأنصاري، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة قطر ونائب رئيس مجلس إدارة المركز القطري للصحافة، أن “انهيار المفاوضات بين السعودية وقطر ناتج عن تغير الموقف السعودي؛ حيث كانت الرياض في البداية قالت إنها تريد مفاوضات دون شروط، وكان هذا الموقف القطري الدائم منذ اندلاع الأزمة، بأن تكون أي مفاوضات لحل الأزمة من دون شروط مسبقة بشكل لا ينتهك السيادة القطرية”.

وقال الأنصاري: إن “الرياض وضعت شروطاً مختلفة؛ وهذا لم يكن مقبولاً قطرياً، والسلوك السعودي كان دائماً قائماً على أساس تبديل المواقف وتغيرها بما لا يسمح بأن يكون هناك تواصل حقيقي يفضي إلى حل هذه الأزمة”.

وأضاف أن “قطر كانت منفتحة على الحوار من منطلق رغبتها أن يسود الاستقرار في المنطقة، ولكن ليس هناك سبب حقيقي ضاغط على الدوحة لتقديم تنازلات بأي اتجاه، فقطر تجاوزت التحديات الأساسية لهذه الأزمة منذ زمن طويل، وعلى العكس حققت الكثير من المكتسبات بسببه”.

 

ثبات الموقف القطري

ورغم حدوث ذوبان بسيط في جليد الخلاف الخليجي إبان الاستقبال الحار من قبل العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، لرئيس وزراء قطر السابق، الشيخ عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني، أثناء قمة مجلس التعاون التي عُقدت في الرياض بأكتوبر الماضي، فقد كانت فيما ظهر إعلامياً مبادرة سعودية ليست معتادة رافقها قبول قطري.

لكن قطر لم تغير من موقفها الثابت، خصوصاً أنها الطرف المُحاصر، والذي كيلت ضده الاتهامات بهدف السيطرة على قراره السياسي في منطقة تعج بالتوترات.

وكان وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، قال في ديسمبر الماضي، إن “تقدماً طفيفاً” تحقق في سبيل حل الخلاف الذي نشب قبل عامين ونصف العام مع دول خليجية ومصر.

وأعلن الوزير القطري مباحثات مع السعودية حول الأزمة الخليجية، مشيراً إلى أن الحديث لم يدر عن المطالب الـ13 التي وضعتها دول الحصار لعودة العلاقات مع الدوحة، التي تعتبرها قطر تعجيزية، وأن المفاوضات تبتعد عنها.

وفي منتصف يناير الماضي جددت الدوحة دعوتها لتسوية الأزمة الخليجية عبر الحوار البناء الذي يحفظ سيادة الدول.

وقال طلال راشد، السكرتير الأول في بعثة قطر لدى الأمم المتحدة، خلال جلسة لمجلس الأمن بشأن ميثاق الأمم المتحدة: إن “استمرار الحصار على دولة قطر يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وأحكام ومقاصد الأمم المتحدة”.

وفي أواخر شهر يناير الماضي، عادت وسائل إعلام دول الحصار لمهاجمة قطر كما كانت في السابق، فقد اعتبرت الشيخة علياء أحمد بن سيف آل ثاني، المندوبة الدائمة لدولة قطر لدى الأمم المتحدة حملات التحريض والتضليل التي تتعرض لها الدوحة “محاولة يائسة للنيل منها”.

وأضافت، في بيان نُشر يوم الخميس (23 يناير 2020)، أن “قطر تظل متمسكة بمواقفها المبدئية المعهودة في ظل استمرار الحصار الجائر والإجراءات الأحادية غير القانونية التي تتعرض لها منذ أكثر من عامين ونصف العام، مما يعد انتهاكاً صارخاً لأحكام ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، ويساهم في زعزعة السلم والأمن الإقليمي والدولي”.

وحاولت الكويت في وساطتها لحل الأزمة محاولات كثيرة، مع تشديد الجانب القطري على أهمية جهودها واعتبارها مظلة لأي حوار مقبل، لكن تعنت دول الحصار يبدو أنه أوقفها عند طريق مسدود.

جديرٌ ذكره أن الأزمة الخليجية بدأت في 5 يونيو 2017، وهي الأسوأ منذ تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 1981.

وقطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر، ثم فرضت عليها حصاراً خانقاً غير مسبوق؛ بزعم دعمها للإرهاب، وهو ما تنفيه الدوحة، وتتهم الدول الأربع بمحاولة فرض السيطرة على قرارها المستقل والتعدي على سيادتها الوطنية.