في خضم التخبطات الاقتصادية التي تمر بها السعودية، كنتيجة حتمية للنمط الارتجالي الذي تدير به المملكة ملفها الاقتصادي، أظهرت أرقام وبيانات رسمية صادرة من المملكة العربية السعودية نفسها، إن المملكة قد خسرت ما يقارب 51 مليار دولار ‏من أصولها الاحتياطية، فقط خلال الأربعة شهور الماضية، جاءت تلك الخسائر كنتيجة لمحاولة الحكومة السعودية تعويض خسائرها إثر تهاوي أسعار النفط، وتفشي فيروس كورونا الجديد كما أدعى المسؤولين في المملكة، لكن حقيقة الأمر، إن خسائر استثمارات المملكة في صناديق ومشروعات عالمية تبناها وليّ العهد محمد بن سلمان، هي من كان لها أكبر الأثر في تلك الخسائر.‏

ففي الشهر الماضي فقط، تراجعت الأصول الاحتياطية السعودية للشهر الماضي وحده بمقدار 24.8 مليار دولار، حسب النشرة التي أصدرتها مؤسسة النقد العربي السعودي، الأمر الذي ينذر، بأن السياسة المتبعة من قبل الحكومة السعودية إذا ما استمرت بهذا المنوال، فأنها ستعمل على استنزاف المخزونات السعودية التي تم جمعها على مدى عقود خلال بضعة سنين قادمة.‏ والسؤال هنا، ما الذي جعل المملكة تمر بهذه الحالة الاقتصادية المأساوية، وقد كانت في غنى عنها لو رشَّدت انفاقها الحكومي، أو إنها عملت على لجم طموحات بن سلمان في انفاقه غير المبرر، واستثماراته غير المحسوبة المخاطر؟ أو كفت عن مغامراتها العسكرية؟

 

أسباب لا تقنع المواطن

إن الأسباب التي تم تسويقها لتبرير هذا السحب من الأصول المالية للملكة، تبدو غير مقنعة للمواطن السعودي، حينما يربطونها بموضوع تهاوي أسعار النفط، وانتشار جائحة كورونا، وجعلها السبب الرئيسي لهذه الخسائر الاقتصادية، فالعديد من المراقبين الاقتصادين، كانوا قد أدلوا بنصائحهم للملكة على ضرورة عدم البقاء في حالة اعتماد شبه كلي على إيرادات النفط لجني العملة الصعبة، وضرورة تنويع مصادر الدخل للملكة، وكان من الضروري أن تكون هناك رقابة شعبية من قبل الشعب على المصروفات الخارجية غير المبررة التي قام بها بن سلمان، والتي بلغت في بعض الأحيان أرقامًا فلكية.

ولأجل هذا كله، كان صندوق النقد الدولي قد حذر السعودية، وبوقتٍ مبكر، من اندثار ثرواتها في عام 2035، إذا ما استمرت على هذا الحال من الفوضى الاقتصادية، كما وحذر أيضًا صندوق النقد الدولي الدول الخليجية الأخرى من المصير ذاته، كونها ليست بأفضل حالًا من السعودية، في تخبطها الاقتصادي الذي تقوم فيه.

ومنذ أن تولى محمد بن سلمان مقاليد الحكم بشكل عملي في المملكة، والاستنزاف المالي والتخبط الاقتصادي السعودي والاستثمارات العشوائية تمضي بأقصى حالاتها، فقد قام بن سلمان، بإنشاء صندوق الاستثمار الخارجي ليبرر فيه مغامراته المالية حول العالم، الأمر الذي جعل الاقتصاد السعودي، يمر بمطبات كبيرة، ليس سهلًا الخروج منها دون خسائر فادحة من أموال شعب المملكة. فمعظم الاستثمارات التي قام بها، إما كانت غير مخطط لها بشكل جيد، أو إنها فقدت فائدتها الاقتصادية جراء انتشار فيروس كورنا بالعالم وشل الحركة الاقتصادية في العالم.

وفي هذا الصدد، تناولت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، التأثيرات السلبية لجائحة كورونا وانهيار أسعار النفط على طموحات وأحلام بن سلمان ‏التي كان يخطط لها، ‏قائلةً، بأن أزمتي انهيار النفط وانتشار فيروس كورونا، ربما تهددان إغراق الأجندة ‏الاجتماعية والاقتصادية لمحمد بن سلمان، يرافق ذلك غياب تام للسياحة التي كان يخطط لها كرافد جديد لتنويع مصادر دخل المملكة.‏

تغطية الخسائر وسد العجز المالي السعودي، لم تقتصر على سحب الأموال من الأصول السيادية السعودية، إنما امتدت إلى تقليص الاستثمار في أدوات الدين الأميركية ‏التي تُعد السعودية، واحدة من أكبر الدول الخليجية استثماراً فيها، وأظهرت بيانات الخزانة الامريكية، ‏أن السعودية قلصت نحو 25.3 مليار دولار في مارس/ آذار لتهبط إلى ‏‏159.1 مليار دولار.‏ بالمقابل، طرحت السعودية سندات دولية في إبريل/ نيسان ‏بقيمة 7 مليارات دولار وبفائدة مرتفعة جدًا، وبآجال وصلت ‏إلى 40 عاماً.‏ كما أقدمت المملكة على إلغاء أو تأجيل العديد من بنود النفقات التشغيلية ‏والرأسمالية لعدد من الجهات الحكومية، وخفضت اعتمادات البرامج والمشاريع الكبرى للعام المالي 2020، حتى وصلت إلى حد العمل بإجراءات تقشفية لرواتب الموظفين، وخفض العديد من المزايا المالية التي كانت تُصرف للعاملين والمتعاقدين.

 

المواطن لا يثق في البنوك المحلية

جاء اعلان مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) بتقديم 50 مليار ريال (13.32 مليار دولار) جديدة لتعزيز السيولة في القطاع المصرفي، في وقتٍ أظهرت البيانات ارتفاع النقد المتداول بعيداً عن البنوك، بنفس الوقت أظهرت بيانات البنك المركزي، ارتفاع حجم النقد المتداول خارج البنوك خلال الأشهر ‏الأربعة الأولى من العام الجاري، ليبلغ نحو 55 مليار دولار بنهاية ‏إبريل/نيسان، مقابل 49.46 مليار دولار في نفس الفترة من العام الماضي بزيادة بلغت ‏نسبتها 11.2%. الأمر الذي سبب في تهاوي الأرباح للبنوك الناتجة عن الضرائب خلال ‏إبريل/نيسان بنسبة 38% على أساس سنوي.‏ الأمر الذي يجعلنا على مسافة قريبة جدًا من ارتفاع معدلات التضخم في البلاد. ويعزي مراقبون، إحجام المواطنين عن إيداع أموالهم في البنوك السعودية أو التعامل البنكي في تعاملاتهم التجارية وعمليات البيع والشراء، كنتيجة لانحدار ثقة المواطنين في البنوك المحلية، في ظل الازمة التي تحيط بالبلد. وما يعزز مصداقية هذه الفرضية، هي البيانات التي أصدرها البنك المركزي ذاته، والتي أظهرت انخفاضا حاداً للإنفاق الاستهلاكي لدى المواطنين، وتراجعت معاملات نقاط البيع بنسبة 33%، وتراجعت عمليات السحب النقدي 35% في إبريل/نيسان الماضي مقارنة بما قبلها منذ عام. ورغم زيادة الانفاق على المواد الغذائية في رمضان، لكن إنفاق المستهلكين بقي منخفضًا حسب ما أفادت به مؤسسة “أرقام كابيتال”.

وفي هذا الشأن، أنتقد مغردون سعوديون التخبط الذي تقوم به حكومتهم وتأثيرها الكارثي على حياة المواطن بالمملكة، فقد قال المغرد د. الزهراني: ” لم تتوقف #السعودية #البقرة_الحلوب وحكومتها عند تخبطاتها الاقتصادية في سبيل تدمير شعبها والمقيمين على أراضيها بل ذهبت لأبعد من ذلك وخفضت الميزانية بـ 50 مليارا لمواجهة التخبطات المالية والاستثمارية وهو دليل بالغ على أنه لا قيمة للمواطن لديها”.

أما المغرد م. محمد القراوي، فقد كتب تعليقًا على الصفقة الأمريكية السعودية لشراء صواريخ: “ليس هذا إلا استنزاف للمقدرات السعودية وافقارها في ظل هذه الازمات، وفي الاخير بعد ان تكون خالية الوفاض تصبح لقمه سائغة لتقسيمها وتفتيتها !!؟”

المغرد د/بريفسور_سياسي فقال: ” خطير، تراجع الاحتياطي السعودي من العملات الأجنبية ب 20 مليار دولار  في ابريل و 30 مليار دولار في مارس وكذلك تراجع في الاستثمار الأجنبي. لا نحتاج لمحلل اقتصادي لكي يخبرنا أن هنالك كارثه على الأبواب وانهيار اقتصادي خانق. نصيحه اشتروا الذهب فقيمته فيه”

وفي ما يبدو، أن المملكة، سائرة فعلًا في طريقٍ سينتهي لا محالة بكارثة اقتصادية، يتحمل المواطن ثمنها باهضًا في قوته ونمط معيشته، بسبب التخبط الذي ساهم ويساهم فيه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.