الأمير الشائك”.. هو الوصف الذي أطلقه المتعاملون في تجارة النفط حول العالم، على الأمير عبدالعزيز بن سلمان، الذي صنع لنفسه اسما منذ أن أصبح أول أمير سعودي يعمل كوزير للنفط في المملكة عام 2019، بعد ما يقرب من عقدين من الزمن ظل عضوا مغمورا نسبيا في وفد السعودية في منظمة “أوبك”.

هكذا يتحدث تقرير لمجلة “فايننشال تايمز” البريطانية وترجمه “الخليج الجديد”، عن الوير الذي أدار بحزم سياسة النفط في المملكة، خاصة منذ اشتعال حرب أسعار النفط مع روسيا في عام 2020، والتي تسببت في توتر العلاقات الأمريكية السعودية، العام الماضي.

لكن الصحيفة كشفت أن الأمير (63 عاما)، وهو نجل الملك السعودي، يعاني من حساسية شديدة تجاه النقد.

وبالنسبة للمؤيدين، فهو رمز للمملكة التي أصبحت أكثر ثقة بنفسها تحت القيادة الفعلية لأخيه غير الشقيق، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

وتقول الصحيفة: “إنهم يعتقدون أن الأمير عبدالعزيز توقع في مرات عديدة تحركات كبيرة في أداء السوق بشكل صحيح، ما عزز النفوذ السعودي على سوق النفط، كما تحالف مع روسيا عبر (أوبك+)، وهو التحالف الذي صمد على الرغم من غزو روسيا الشامل لأوكرانيا”.

ومع ذلك، بالنسبة لمنتقدي الأمير، فإن لديه ميلا إلى المبالغة في استخدام ثقته، واختيار المعارك غير الضرورية التي تجعل دوره المركزي في إدارة أسعار النفط العالمية، الذي تستند إليه الآمال الاقتصادية للمملكة، أكثر تحديا.

وجاءت الخطوة الأخيرة القوية هذا الأسبوع، حسب الصحيفة، عندما تم حظر مجموعة من الصحفيين، بما في ذلك فرق كاملة من “رويترز” و”بلومبرج”، من حضور اجتماع حاسم من المقرر عقده الأحد في مقر “أوبك” بالعاصمة فيينا.

وهذه هي المرة الأولى التي تستبعد فيها “أوبك”، المؤسسات الإخبارية بشكل جماعي، بعد عقود من الحروب وارتفاع الأسعار وانهياراتها.

ونقلت الصحيفة، عن أشخاص مقربين من الوزير، أن قرار الأمير السعودي نابع من تصوره بأن نظرته إلى السوق لم يتم نشرها إعلاميًا بشكل عادل، وأعرب عن اعتقاده بأن هذا يسهم في انخفاض سعر خام برنت القياسي نحو 70 دولارا للبرميل خلال الأسابيع الأخيرة.

كما قالوا إن القرار عكس أيضا مزاجًا ملكيًا غير معتاد على النقد، وعدم حصوله على ما يريد من هذه المؤسسات الإعلامية.

ومع ذلك، نظر البعض إلى أن انشغال الأمير السعودي بالصحافة على أنه “علامة من علامات اليأس”.

ومع تواصل انخفاض أسعار النفط على الرغم من خفضين في الإنتاج في 8 أشهر، تكافح السعودية من أجل إجبار سوق النفط، لأن تسير على خطها، واللجوء إلى إلقاء اللوم على الرسول الذي ينقل الأخبار، ولا يعطي تصورًا عن وجود الثقة اللازمة لإدارة سوق النفط.

يقول رعد القادري، مراقب “أوبك” المخضرم في مجموعة أوراسيا، إن جزءا من إزعاج السعودية ينبع مما رأته عدم تطابق بين الأساسيات التي يقوم عليها السوق، وهي أساسيات يمكن أن تؤثر عليها “أوبك”، ومعنويات المتداولين فيه، وهو أمر من الصعوبة التعامل معه والتأثير فيه.

ويضيف: “يمكنك القول إن (أوبك+) قد أدارت السوق بشكل جيد، ولكن هناك فقط إحباط تام من أن نجاح إدارة الأساسيات يتم ضربه مرارا وتكرارا من خلال مشاعر المتعاملين في السوق”، متابعا: “هذا يجعل من الصعب على أوبك تعزيز مصداقيتها”.

وبالنسبة لأولئك المقربين من الأمير، كان هناك شعور بخيبة أمل، وفق “فايننشال تايمز”، حيث توقع الكثيرون منهم سوق نفط قوية من شأنها أن تعزز الإيرادات التي يحتاجها ولي العهد السعودي لتنفيذ إصلاحاته الاقتصادية.

وتسعى السعودية إلى سعر نفط يزيد على 80 دولارا للبرميل من أجل تحقيق التوازن في ميزانيتها، وفقا لصندوق النقد الدولي، وتمويل بعض “المشاريع الضخمة” التي يأمل ولي العهد أن تتمكن من تحويل اقتصادها.

توقعت شخصيات بارزة مثل مدير صندوق تحوط الطاقة بيير أندوران، في بداية العام أن تتجاوز أسعار النفط 100 دولار للبرميل، مع إعادة فتح الاقتصاد الصيني.

كما توقعت وكالة الطاقة الدولية و”أوبك” نفسها، أن تتراجع الإمدادات في السوق بشكل كبير في النصف الثاني من عام 2023، ما يوجب تعزيز الأسعار، لكن يبدو أن التجار غير راغبين في تصديق ذلك.

وارتفعت الأسعار فقط لفترات قصيرة، كما هو الحال عندما أعلنت “أوبك” وحلفاؤها عن خفض طوعي مفاجئ في الإنتاج في أبريل/نيسان، لتعود تلك الأسعار للانخفاض مرة أخرى.

وكان فكرة التخفيض من بنات أفكار الأمير عبدالعزيز، الذي يرى وجوب إبقاء السوق في حالة ترقب دائم، وهو نهج يرى البعض أنه يتعارض مع رغبة “أوبك” في أن تكون “بنكا مركزيا” مستقرا للنفط.

وسيراقب المتعاملون في سوق النفط عن كثب نهاية هذا الأسبوع لمعرفة ما إذا كان الأمير عبدالعزيز يدفع من أجل خفض الإنتاج أو تدابير أخرى لدعم السعر، أو ما إذا اعتمدت المجموعة نهج “الانتظار” ورؤية ما يجري.

وقد بدا السيناريو الأخير مرجحًا قبل أسبوع واحد فقط من الاجتماع، وفقا للمحللين ومندوبي “أوبك”، ولكن فرصة التدخل في الأسعار زادت بعد انخفاض الأسعار مرة أخرى في الأيام الأخيرة.

يقول أحد كبار مندوبي “أوبك” من الخليج للصحيفة مشترطا عدم ذكر اسمه: “كل شيء قيد المناقشة.. لا يزال لا يوجد شيء واضح”.

بينما يقول الأشخاص المقربون من الأمير عبدالعزيز، إنه ظل بشكل عام في حالة معنوية جيدة، مستعينًا بطريقته المعروفة في الفكاهة، لمهاجمة خصومه، حيث حذر البائعين على المكشوف الذين يراهنون ضد سعر النفط.

ثم هاجم الأمير السعودي بقوة وكالة الطاقة الدولية، وهي مجموعة أمضت “أوبك” سنوات في تعزيز الحوار معها، لإيجاد أرضية مشتركة بين منتجي النفط والمستهلكين، واصفا إياها بأنها “موهبة خاصة” في تقديم التوقعات الخاطئة.

يقول التجار، إن الخطر على السعودية هو أن الأمير عبدالعزيز يتحدى المضاربين النفطيين، وإذا لم يضغط من أجل خفض إنتاج آخر، فقد تنخفض الأسعار أكثر.

وحسب الصحيفة، إذا قادت السعودية “أوبك” إلى تخفيضات، فلا يوجد ضمان بأن تتبعها روسيا، حيث تحاول موسكو الحفاظ على استمرار صادراتها على الرغم من مجموعة من التدابير الغربية المصممة لتقييد إيرادات الطاقة التي تتدفق إلى صندوق حربها.

 

يقول المحللون في سيتي جروب: “يمكن أن يؤدي انخفاض أسعار النفط الإضافي نحو الوصول إلى 70 دولارا للبرميل لبرنت خام إلى زيادة احتمال حدوث خفض إضافي من قبل بعض أعضاء (أوبك بلس).. على الرغم من أنه من غير المرجح أن تكون روسيا واحدة منهم”.

كما أن أحد الخيارات هو تغيير حجم الإنتاج الأساس، وهو الحد الأقصى للمستوى الذي يمكن للبلدان أن تنتج فيه، والذي يتم بموجبه تحديد حجم تخفيضات الإنتاج لكل دولة ، الخاص بأعضاء “أوبك+”، وفقا لشخصين قريبين من المحادثات.

وكانت الإمارات في الماضي القريب قد اشتكت مما تعتقد أنه حصة إنتاجية تقلل من قدرتها الحقيقية على الإنتاج، ومن شأن خفض الحصص أن يعزز موقف أبوظبي في “أوبك” على المدى الطويل، حتى لو وافقت على زيادة التخفيض في الوقت الحالي.

لكن يعتقد بعض المحللين أن القضية مثيرة للجدل للغاية، بحيث لا يمكن للأمير عبدالعزيز معالجتها، وأنه سيتم تأجيلها.

ويعلق القادري على ذلك بالقول: “أنا لا أحسد أوبك لما سيحصل لها في نهاية هذا الأسبوع، فأعضائها عالقون بين خيارين قاسيين وصعبين للغاية”.