تهدف المملكة العربية السعودية، خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة، إلى إصدار حزمة من الإصلاحات، تشمل مستويات عديدة من الحياة الاجتماعية داخل المملكة التي طالما اتهمت بعدم مراعاتها لحقوق الانسان، واهدار كرامة مواطنها. هذا ما تداولته الوكالات الإخبارية هذه الأيام، والتي في ظاهرها تحمل أخبارًا جيدة لمواطني المملكة، لو كانت الإرادة من خلف تلك الاصلاحات، هي العمل على احداث تغيير حقيقي وإيجابي في المملكة، تضمن للمواطن حرية التعبير والرأي، وتوفر له مساحة من الشعور بالطمأنينة والاحتكام إلى القانون في تسير الحياة العامة للمواطنين، وتصب في المسار الذي يريده كل مواطني المملكة.

وفي هذا الشأن، نشرت وسائل إعلامية سعودية، بأن المملكة قامت قبل أيام، بإصدار تعديل لقانونين قضائيين، لم يتفاعل معها شعب المملكة رغم أهميتهما، كان أولهما ‏هو إلغاء عقوبة الجلد واستبدالها بعقوبة الغرامة أو السجن أو عقوبة بديلة مثل “تقديم ‏خدمات اجتماعية”، فيما يُنهي التعديل الثاني تنفيذ حكم الإعدام بحق المدانين الذين ارتكبوا جرائم ‏عندما كانوا قاصرين.‏ يُذكر أن المحكمة العليا في السعودية التي أصدرت هذه التعديلات في وثيقة لم تحمل تاريخًا محددًا حسب ما اطلعت عليها وكالة الانباء الفرنسية، قالت إنها ألغت عقوبة الجلد، لكي تتوافق مع “المعايير الدولية ‏لحقوق الإنسان”.

لكن الغريب أن يتوافق اصدار هذه التعديلات القضائية، غداة إعلان ناشطين، عن وفاة الناشط الحقوقي السعودي عبدالله الحامد في السجن، بسبب الإهمال الطبي، وهو ‏الذي يقضي عقوبة سجن مدة 11 عاما، لا لشيء سوى مطالبته بالإصلاحات السياسية والديمقراطية، ومطالبته بتطبيق “الملكية الدستورية” بدلًا من الملكية المطلقة التي تحكُم البلاد حاليًا. في مفارقة مثيرة للجدل. ففي الوقت الذي يحاول النظام السعودي بقيادة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، اظهار نفسه بأنه نظام إصلاحي يتحرى المعاير الدولية في تعديل قوانينه، يتم الإعلان عن وفاة أحد أشهر الإصلاحيين في المملكة، في سجون النظام، بجرمِ حملهِ أراءً إصلاحية. إضافة إلى ما لاقاه ويلاقيه السجناء  السياسيين والإصلاحيين وكذلك سجناء الريتز من ضرب وتنكيل.

 

الإصلاحات هي لتلميع صورة النظام السعودي

وعلى ما يبدو إن هذه الإصلاحات التي تبتغي المملكة إطلاقها قريبًا، لا تبتغي منها تحسين حالة حقوق الانسان بالمملكة، إنما هي محاولة لتبييض صفحة ولي العهد محمد بن سلمان ونظامه الجديد، بعد أن تلطخت يده بدماء العديد من الناشطين والصحفيين والمفكرين السعوديين، وبعد أن أصبحت سمعة النظام السعودي دوليًا، سيئة للغاية. وكثير من المواقف الدولية حاليًا، بدأت تتغير نحو الجهة السلبية لآمال بن سلمان وخططه بالوصول إلى كرسي الحكم بالمملكة، وبدا يلوح خطر العزلة الدولية على دولته وعليه شخصيًا. فالملاحظ أن بن سلمان قد خفت زياراته الخارجية للحد الأدنى في الفترة الأخيرة، بسبب اعتذار معظم قادة العالم عن استقباله، للتخلص من الحرج أمام شعوبهم، لأن الكثير من المنظمات الحقوقية والمنظمات المدافعة عن حقوق الانسان في بلدان العالم، تلاحق الأمير السعودي وتريد تقديمه للمحاكمة بسبب جرائمه في حق شعبه أو بحق الشعب اليمني، واعتذار الرئيس الفرنسي عن السماح لمحمد بن سلمان زيارة قصره الذي اشتراه في فرنسا ليست ببعيدة عنا.

وبحسب وكالة “أسوشيتد برس”، أن الخطوات التي تعتزم المملكة تطبيقها في إطار الإصلاحات، تهدف بالدرجة الأساس، لتحسين سمعة السعودية وسمعة ولي العهد على الصعيد الدولي، والتي تعرضت لأضرار حقيقية جرَّاء قضية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، بالإضافة للانتهاكات المرتكبة في الحرب اليمنية. وأضافت الوكالة، أن حزمة الإصلاحات التي تنوي المملكة اطلاقها في الأيام القليلة القادمة، تأتي على خلفية زيادة التوتر في العلاقات بين الرياض وواشنطن، إثر الاضطرابات التي هزت أسواق الطاقة العالمية، بسبب قرار السعودية زيادة مستوى إنتاجها من النفط في مارس، بعد خلاف في وجهات النظر بينها وروسيا، الأمر الذي تسبب في اطلاق تصريحات سياسية من عدد من المشرعين الجمهوريين في مارس/أذار تُحذر وتهدد المملكة، بقطع المساعدات الدفاعية الأمريكية عنها، وكذلك رفع يدها عن حماية ولي عهدها من المطالبات التي تريد محاكمته إزاء الجرائم التي ارتكبها. فيما أكدت وكالة “رويترز” مؤخرا، أن تهديدا مماثلا جاء على لسان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في اتصال هاتفي أجراه في أوائل أبريل مع ولي العهد السعودي. وبحسب الوكالة، فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هدد السعوديين في حال عدم الاستجابة لخفض إنتاج النفط، بسحب الدعم العسكري لها، وسحب القوات الامريكية من السعودية.

وأضافت وكالة رويترز، بأن هذا التهديد بإنهاء تحالف استراتيجي دام 75 عامًا، مثّل نقطة محورية في حملة الضغط الأمريكية واعتبرته الوكالة انتصارا دبلوماسيا للبيت الأبيض. ويُرجح أن المكالمة التي أجراها ترامب مع ولي العهد محمد بن سلمان، كانت قد خرجت عن اللياقة الدبلوماسية المعتادة بين زعماء العالم، حينما أمر الرئيس ترامب، مساعديه بالخروج من الغرفة، حتى يتمكن من مواصلة ناقشه مع بن سلمان على انفراد.

 

ماذا استفاد المواطن من “الإصلاحات” السابقة ليستبشر بالجديدة؟

إن عهد التغييرات في السعودية والذي بدأ في عام 2016 مع إعلان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إطلاق رؤية 2030، كانت تهدف حسب ما ادعاه بن سلمان، لإدخال إصلاحات شاملة وواسعة للبلاد في إطار مساعيه لتنويع مصادر الدخل، واستعدادا لمرحلة ما بعد النفط. لقد كانت تلك الإصلاحات في طبيعتها، كمشهد براق لمن هو خارج المملكة، لكن حقيقة أمرها في الداخل كانت مختلفة كثيرًا. فالإجراءات السريعة التي قام بها بن سلمان، هناك من أثنى عليها ورأى فيها قطيعة تامة مع زمن كان فيه المجتمع يتمتع بأعراف محافظة وقيم موروثة، وأصبح اليوم يسير في طريق التحديث والانفتاح. وأن جهود الدولة السعودية وجهود بن سلمان في تحسين سمعة المملكة ‏بالعالم، خاصة وأنها دائماً ما يشار إليها على أنها مصدر للتشدد الديني، وبالتالي فهؤلاء يبررون تغيير معتقدات المملكة لتتوافق مع ما يريده الغرب وبالذات لكي ‏يتقبل شعب المملكة فكرة التطبيع مع الكيان الصهيوني، لأن فكرة التطبيع لا ‏يمكن تمريرها في بلدٍ يعتز بقيمه التي نشأ عليها.

أما على الجانب الآخر، هناك من رفض هذه التغييرات جملة وتفصيلاً، ورأى أنها تتصادم مع قيم وثقافة المجتمع السعودي المحافظ، حتى أن بعض من كان مؤيدًا لها، رأى أنها صادمة في وتيرتها المتسارعة بشدة. وفي هذا كتب المغرد الشهير “تركي الشلهوب”: “حفلاتٌ صاخبة لم تتوقف إلا بعد تفشي كورونا، ومباريات مصارعة للرجال والنساء، ‏وعروض ترفيهية، وشراء لأندية أوروبية، واستثمارات في مجال الترفيه.. أراد ابن سلمان ‏من وراء ذلك تلميع صورته، لكنها أتت بعكس ما يشتهيه، فقد سلطت الضوء أكثر على ‏جرائمه وانتهاكاته”.

لكن هذه الإصلاحات كانت تخفي واقعًا مظلمًا داخل المملكة، لأنها كانت مرافقة لقرارات جائرة صدرت بحق عدة ناشطين مدافعين عن حقوق المرأة، وحملة أوسع نطاقاً شهدت القبض على العشرات من الكتاب والشيوخ والاقتصاديين والصحفيين وغيرهم. مرورًا باحتجاز العشرات من الأمراء والوزراء وكبار رجال الأعمال في فندق ريتز كارلتون ضمن حملة ما يسمى “مكافحة الفساد”.

ولأجل هذا نتساءل، هل ما يقوم به بن سلمان هو إصلاح وتطوير في المملكة، أم تحسين لصورته وصورة نظامه فقط؟ وفي هذا الصدد، تقول منظمات حقوقية دولية كثيرة، إنه لإظهار السعودية إنها تطبق إصلاحات حقيقية، ينبغي للملك وولي العهد إدخال إصلاحات تكفل تمتع المواطنين السعوديين بحقوقهم الأساسية، بضمنها الحقوق السياسية وحق ابداء الرأي بكل حرية، بالإضافة إلى إطلاق سراح كافة المعتقلين تعسفياً أو لتهم متصلة فقط بآرائهم أو تعبيرهم السلمي.

ويواجه بن سلمان شعورًا بالضغط عليه في قضية المرأة، فحتى بعد أن قام بسن قوانين عديدة شكلية لصالح المرأة من حرية قيادة السيارات وحق الحصول على جواز السفر دون إذن ولي الامر، لكنه بنفس الوقت قام باعتقال ناشطات نسويات كنَّ يطالبنَّ بنفس تلك الحقوق، ذلك لأنه يريد إرجاع فضل تحرر المرأة السعودية لنفسه وليس نتيجةً لضغط الشارع ونضال شعب المملكة، وبدلًا من ذلك قام بترفيع نساءً جدد، لا يفعلن شيء سوى تلميع صورة النظام وصورته بن سلمان في الخارج وأمام الأمريكيين تحديداً، مثل السفيرة السعودية ريم بنت بندر أل سعود. أما الناشطات الحقيقيات فقد أصبحن ‏نزيلات السجن.

لقد اصطدمت الإصلاحات التي يقوم بها بن سلمان، بشدة بحادثة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، الأمر الذي يشكك كثيرًا بأن تلك الإصلاحات التي يقوم بها بن سلمان غير حقيقية، وإنه لمن المستحيل أن دكتاتوراً مستعداً لاعتقال كل من يقف في طريقه، أن يقدم نفسه كراعي الإصلاح الأول في المملكة.

 

كل إصلاحٍ مصدره بن سلمان هو موضع شك

وإذا أردنا تلخيص ما يقوم به بن سلمان، فهو كمن يقول للناس أن “هناك خياران، أما أن تتبعوني أو تتواروا عن الأنظار”. فهو ليس لديه صبر مع المعارضين بل يكره أي شيء فيه توجيه عام، كما أنه على استعداد أن يطيح حتى بأصحابه ولو كانوا من المقربين إليه كما فعل مع المغامسي. ولأجل هذا فقد قامت السلطات السعودية التي تحت إمرته، باعتقال العديد من المدونين وناشطي حقوق المرأة وناشطين من الجناحين الليبرالي والمحافظ على حد سواء، بموجب قرارات شخصية تعسفية لا تسمح بأي قدر من النقاش أو المعارضة.

لقد أصبح من المشكوك به تمامًا، أن يكون هناك إصلاحات تؤدي إلى تحول جدي وجذري نحو الديمقراطية تحت حكم محمد بن سلمان. فكل انتقاد له أو لمشاريعه العبثية أو لقمعه، سيودي بصاحبه إلى السجن، ولو كان نقداً في غاية النعومة. ذلك لأن محمد بن سلمان، ليس ديمقراطيا، ولا مصلحا سياسيا، بل إنه في رأي الكثيرين، ما هو إلَّا ديكتاتور، يعدُّ نفسه لكي يصبح ملكًا يحكم البلاد ربما لخمسين سنة قادمة، كما سبق أن تمنى.

فهل يا ترى يمكننا أن نثق بإصلاحات بن سلمان في الوقت الذي اعتقل عشرات المعارضين، ويعرضهم لشتى أنواع التعذيب، بسبب تهم تتعلق بآرائهم السياسية، أو لتغريدات قاموا فيها بحساباتهم الشخصية يعبروا فيها عن أراءهم بحرية؟ الأمر مشكوك فيه تمامًا، ولا ثقة بأي اجراء إصلاحي يكون بن سلمان هو مصدره.