بقلم/ ناصر العربي

يحذر الإصلاحيون والعقلاء في أي بلد من حدوث ثورة، بوصفها نتيجة لانسداد كل محاولات إصلاح النظام السياسي. حيث إن الثورة هي عمل مفاجئ غير متوقع وغير مخطط له وأفعالها خارجه عن السيطرة وليس بمقدور الجماهير السيطرة عليها، وأيضًا لا تستطيع الأجهزة الأمنية قمعها ولا بمقدور الإصلاحيين والحركات السلمية كبح جماحها. فالثورة هي موجة الغضب المنفلتة التي تخرج إلى الشارع وتفقد السيطرة على نفسها وعلى مآلاتها. وليست الكلمات السابقة تقليلٌ من أهمية الثورة، لكنها تحذر منها بوصفها الطوفان الذي إن قدم فلن يسلم منه أحد. في حين أن خيار الإصلاح هو صيانة نظام الحكم وتحسينه عبر آليات مجربة ومتاحة إن وجدت الرغبة لدى الأطراف المعنية حكومة وشعبًا. والإصلاح هو النظر للوطن ومؤسسات الدولة كمنجز شعبي مسحق وليس منه من أسرة أو حزب أو جماعة بعينها، وإن عاث المستبد بها فسادًا، إلا أن مؤسسات الدولة هي ملك ومنجز شعبي بالمقام الأول، وإن أصابها الخلل فإصلاحها خير من تدميرها، في حين إن الثورة كمفهوم تعني بناء نظام سياسي جديد على أنقاض النظام الحالي، وهذا مستبعد في العصر الحديث ولم يحدث إلا في الحقبة السوفياتية.

ليس بمقدور المجتمع ولا حتى المجموعات والتيارات المعارضة أن تختار وأن تقرر حدوث ثورة، لأن هذا غير ممكن وإن حاول البعض دفع المجتمع لهذا الأمر. هناك بكل تأكيد أسباب تدعم إمكانية حدوث ثورة أو مظاهرات التي ربما تتحول إلى ثورة. في البلدان المستبدة، يكون لدى معظم المراقبين والباحثين معالم تؤكد أن مدى قابلية الثورة في هذه الدولة، ومدى توفر أسباب التي تدعم اشتعال الوضع للانفجار الثوري وهي ليست أسرار، بل هي أمور ونظريات يدرسها أصحاب تخصصات العلوم السياسية وعلم الاجتماع، لكن لا أحد يعلم أو يؤكد على أن الثورة سوف تحدث في قادم الأيام. القذافي حكم ليبيا بالحديد والنار طوال 40 سنة تجمعت فيها كل الأسباب التي تدعم المجتمع للخروج عليه كما هو الحال في مصر والعراق وسوريا، إلا أن واقع الحال لم يحدث بالصورة التي يتوقعها البعض.

تؤكد بعض الدراسات المعاصرة المعنية بدراسة الثورة أن سبب الثورات الحديثة ليس ندرة الطعام والشراب، بل هو سبب آخر وهو شعور المجتمع بخيبة الأمل نتيجة الوعود التي أطلقها الحاكم والنظام السياسي، حيث إن الحكومة وعدت المجتمع بطموحات وأمال كبيرة سوف تحدث في السنوات القادمة، لكنها لم تف بشيء من هذه الوعود. هذه الوعود التي تتبجح بها السلطة عند بداية عهدها بأن تجعل هذه المجتمع أفضل وأن تحقق الرخاء والرفاه للشعب، ثم من كان يطرب لهذه الوعود الوردية من الشرائح الشبابية الصغيرة في السن، يتفاجأ أن مستقبله قاتم وأنه خالي الوفاض من المال والعمل وأنه عالة على من حوله، وأن الحكومة التي وعدته وجعلته ينتشي بالمستقبل المهني والوفرة المالية هي لا زالت تكذب وتمارس نفس المنطق في رفع سقف الطموحات الكلامية دون عمل على أرض الميدان، فحينها يكون هذا الشاب وقود الثورة.

الإصلاح السياسي هي مبادرات يطلقها المخلصون من أبناء الوطن ويتحملون عواقب هذه المبادرات. كما أن الخطاب الإصلاحي يتطور من جيل إلى آخر، أي أن جودة المطالب تتحسن بقراءة مواطن الخلل والتفكير في الحلول البديلة التي تدعم التحول إلى المسار الديمقراطي. في الجزيرة العربية (السعودية)، لقد دفع أنبل من أجنبتهم هذه الأرض حياتهم ثمن رغباتهم الإصلاحية من سجن وقتل ونفي خارج الوطن لأجل الصالح العام. لقد حاول الجيل الإصلاحي الأول في عهد تأسيس الدولة وضع تصور واقعي للدولة الملكية الجديدة، لكن، للأسف كانت كفة الاستبداد أقوى من صوت الحكمة والعقل. وخلال العقود الخمسة الماضية، حاول العديد من الثقفيين والمصلحيين كتابة العرائض والمطالبة الأسرة الملكية بالتحول إلى نموذج حكم يكون مستدام وأمن للجميع بدل تفرد فرد بإدارة لدولة على هواه ومزاجه.

والآن لدينا العديد من التيارات والمجموعات الإصلاحية والمعارضة، التي تحمل الكثير من الأفكار والخوف على مستقبل الوطن في ظل القمع السياسي العنيف. كلفة الإصلاح أقل من كلفة الثورة، فإن الثورة إن حدثت لا تبقي ولا تذر، لهذا هناك خيارين: الإصلاح أم الطوفان. يتحمل السياسي المستبد المسؤولية الأساسية في السير عكس مسار التاريخ، ويتحمل النخب المثقفة والمصلحة المطالبة بالمتاح والممكن لدعم مسار الإصلاح فكريًّا وأخلاقيًّا وبث الأمل في نفوس المجتمع، بأن للاستبداد يوم وأن للحرية والعدالة أيام.