ربما تكون الجهود التي تجريها السعودية لإصلاح بنية الدفاع والأمن القومي هي أفضل رهان للولايات المتحدة لإعادة بناء العلاقات مع المملكة بطرق تراعي القيم وتقطع الطريق أمام إنشاء علاقات دفاعية مماثلة مع الصين أو روسيا.

وقال المحلل السياسي والعسكري والمسؤول السابق في البنتاجون “بلال صعب”: “تتيح عملية إصلاح الدفاع فرصة لإدارة بايدن للانخراط مع السعوديين في قضايا الأمن القومي الحرجة مع حماية المصالح الإستراتيجية الأمريكية ومراعاة القيم الأمريكية”.

وأضاف “صعب” في دراسة مفصلة على خلفية الجدل بشأن مستقبل العلاقات السعودية الأمريكية وجدوى زيارة “بايدن” للمملكة: “إصلاح الدفاع شكل مناسب للغاية من المساعدة الأمريكية غير المثيرة للجدل سياسياً، ولا يكلف الكثير من أموال دافعي الضرائب الأمريكية، ولا يتطلب وجودًا أمريكيًا كبيرًا على الأرض. ربما تكون هذه هي الطريقة الوحيدة لإعادة ضبط العلاقة المتوترة وإعادة بناء الثقة تدريجياً بين الجانبين”.

ربما ساعدت زيارة “بايدن” في إقناع السعودية بتحويل شحنات النفط المخصصة لآسيا إلى أوروبا، لكنها لم تفعل الكثير لاستعادة الثقة الشرق أوسطية في موثوقية الولايات المتحدة كضامن للأمن وقائد للنظام العالمي.

كما ساعدت الزيارة على إعادة تأهيل سمعة ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” – التي لطخها اغتيال الصحفي “جمال خاشقجي” عام 2018- دون مقابل يتعلق بحقوق الإنسان في المملكة.

 

مدخل لحل قضايا أكبر

وقارن “صعب” التطور الدفاعي في المملكة مع خطة الإصلاح والتنويع الاقتصادي التي يتبناها “بن سلمان”،  وقال: “إن ما تفتقر إليه الرياض في رؤية 2030 ليس استراتيجيات أو أفكار – بل إن لديها الكثير منها – وإنما العمليات التي تساعدهم في الوصول من النقطة أ إلى النقطة ب. إنها نفس المشكلة في خطة تحول قطاع الدفاع”.

وأردف قائلًا: “إن النقطة الرئيسية التي ينبغي أن يركز عليها المستشارون الأمريكيون هي جعل السعوديين يتوقفون عن التعامل مع خطة التحول الدفاعي كغاية نهائية في حد ذاتها ودفعهم للتركيز على العمليات الأساسية التي يحتاجونها بشدة للدفاع عن المملكة اليوم مع عدم إغفال التخطيط للمستقبل”.

ويعد إصلاح بنية الدفاع والأمن القومي في السعودية المهمة العسكرية الأكثر جذرية منذ إنشاء المملكة في عام 1932، ويهدف إلى تمكين المملكة من الدفاع عن نفسها، واستيعاب أنظمة الأسلحة الأمريكية واستخدامها، وتقديم مساهمات عسكرية ودفاعية ذات مغزى في الأمن الإقليمي.

وإذا نجحت هذه الإصلاحات، فإنها ستقدم “دروسًا لا تقدر بثمن للمساعدة العسكرية الأمريكية في جميع أنحاء المنطقة”، وفق ما يقوله “صعب”.

 

إصلاح علاقة مختلة وظيفيًا

وذكر “صعب” الذي كان يتولى في البنتاجون مسؤوليات تتعلق بالإشراف على القيادة المركزية الأمريكية التي تعمل في الشرق الأوسط: “كانت المملكة نموذجًا للخلل الوظيفي في مجالات التعاون العسكري الأمريكي العربي، حيث تتجسد في الحالة السعودية كل أخطاء العلاقات الدفاعية الأمريكية العربية”.

وأضاف: “لفترة طويلة جدًا، باعت واشنطن للسعوديين والشركاء العرب الآخرين أسلحة باهظة الثمن لا يحتاجون إليها أو لا يعرفون كيفية استخدامها والحفاظ عليها بشكل صحيح، ولم تهتم أبدًا بمساعدتهم في تطوير قواتهم المسلحة حتى يتمكنوا من تحمل واجبات الأمن القومي المنوطة بهم”.

وعلى مر السنين، كان هناك سخرية من عدم قدرة المملكة على الأداء في ساحة المعركة وعجزها عن الدفاع عن نفسها بالرغم من الإنفاق السعودي الهائل على مشتريات الأسلحة (من بين أعلى المعدلات في العالم).

وكان الفشل السعودي أحد محركات التعاطف السابق مع الجهاديين الذين بدوا قادرين على تحقيق المزيد من الإنجازات العسكرية رغم الإمكانيات الأقل، منذ 11 سبتمبر/أيلول وحتى هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا والعراق.

ومن المؤكد أن دول الخليج تقدمت عن الأيام التي لم تتمكن فيها من الرد العسكري على غزو الرئيس العراقي “صدام حسين” للكويت في عام 1990، وكانت هذه الدول بحاجة إلى المجتمع الدولي لينقذهم.

وعلى مدار السنوات الـ7 الماضية، تمكنت السعودية من الحفاظ على قوتها العسكرية في اليمن، لكنها لم تتمكن من دحر التقدم الإقليمي والاستراتيجي للمتمردين الحوثيين أو منع أحد أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.

 

دوافع الإصلاح الدفاعي

يسيطر “بن سلمان” على جميع الهيئات الدفاعية والأمنية في السعودية منذ مجيئه إلى منصبه، وتشكلت دوافع إصلاحاته الأمنية والعسكرية من خلال دروس حرب اليمن والهجمات الإيرانية على منشآت النفط و البنية التحتية الحرجة الأخرى في المملكة وكذلك الهجمات على الإمارات وفشل الولايات المتحدة في الاستجابة بقوة لتلك الأحداث.

وقال “صعب”: “بدلاً من قطع أو تخفيض العلاقات الدفاعية مع الأمريكيين، اختار السعوديون بحكمة الشراكة معهم بشكل أكثر فعالية والسعي لمشورتهم حول كيفية إنشاء مؤسسة دفاعية أفضل. وقد استجابت واشنطن”.

لكن “صعب” استدرك قائلًا: “بالرغم أن هذا التغيير في الموقف الأمريكي تجاه العلاقات الدفاعية مع السعودية كان ضروريًا ومتأخرًا، إلا إنه كان جزءًا واحدًا فقط من المعادلة”. وأضاف: “لا يزال يتعين على السعوديين التنفيذ، وبالنظر إلى النطاق الواسع لإصلاحاتهم الدفاعية، ستكون الرحلة طويلة وشاقة”.

وحدد “بن سلمان” طبيعة الإصلاحات من خلال قوله: “عندما أدخل قاعدة في السعودية، أجد أن الأرض مصنوعة من الرخام، والجدران مزخرفة وفارهة. وعندما أدخل قاعدة في أمريكا لا أرى أي سقف؛ والأرض ليست مفروشة بالسجاد أو مصنوعة من الرخام، وإنما فقط مصنوعة من الخرسانة وعملية”.

وكانت حالة الدفاع السعودي متردية قبل إطلاق الإصلاحات في عام 2017، حيث لم يكن لدى المملكة القدرة على صياغة استراتيجية متماسكة للدفاع الوطني ولا أي توجيهات تشغيلية وتكتيكية فعالة لقواتها المسلحة. وكانت الرؤية موجودة فقط في ذهن واحد أو اثنين من أفراد العائلة المالكة المقربين من الملك والمتعلمين في الغرب، ولم تكن هناك إجراءات واضحة لتوجيه استراتيجي وسياسي فعال للجيش.

وافتقر السعوديون إلى التحليل الدفاعي المنهجي والتخطيط الاستراتيجي لتحديد المهام ذات الأولوية والمتطلبات والقدرات، ولو كان ذلك موجودا لتجنبوا شراء معدات باهظة الثمن لم يحتاجوا إليها. وكان التحليل والتخطيط سيمكنهم أيضًا من مراقبة أو تقييم أو تحسين مستويات استعداد قواتهم. وبالمثل، لم تستطع القوات السعودية البرية والجوية التواصل مع بعضها البعض، ما جعل التنسيق مستحيلًا.

وقد يكون الدفاع الجوي والصاروخي هو المجال الذي تقدمت فيه المملكة أكثر من غيره، فقد اعترضت مئات من الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة، حتى لو استطاع بعضها تجاوز الدفاعات السعودية.

وقال “صعب”: “لا تزال العديد من مشاكل الدفاع في السعودية موجودة. ومع ذلك، فإن الأمر المشجع هو أن السعوديين أصبحوا يدركون الآن أوجه القصور هذه ويبدو أنهم مصممون للمرة الأولى على معالجتها بالشراكة مع الولايات المتحدة. وبريطانيا بدرجة ما”.

وربما تكون الأجواء والمواقف العامة شيئًا والتعاون الأمريكي السعودي الفعلي شيئًا آخر، وقد يكون أفضل شيء لتحديد مستقبل العلاقات الأمريكية السعودية هو التغلب على الضوضاء والتركيز على ما يحدث في العالم الحقيقي، وعندها قد تبدو الصورة أقل قتامة مما يعتقد الكثيرون.