بقلم: ناصر العربي
الإصلاح السياسي الناجح هو ثمرة تراكم العمل المشترك بين أفراد الوطن في التعامل مع القضايا المحلية والسياسية وفق آليات مدنية وهي التوافق على الحوار والاحترام والعمل بشكل مهني وأخلاقي نحو القضايا واحترام المبادرات ونقدها وليس هدمها. من خلال العمل المدني يستطيع المهتمين بالإصلاح فهم طبيعة العمل السياسي وفهم أساس المواطنة الذي لا يستقيم إلا بالمشاركة والتوافق الصحي بين أبناء الوطن حول الآراء والمشاريع. في البيئات القمعية يحرم الناس من حق التجمع للعمل للصالح العام والذي يترتب عليه فقدان الحس المدني في تعامل المواطنين مع بعضهم البعض نحو قضايا الشأن العام. فالجميع الحق في طرح الآراء نحو المشاريع والمبادرات وتصحيح ونقد يتم إنجازه.
من أخطر إشكاليات مجتمعات الاستبداد أن القاعدة المدنية التي يتم إلغاؤها بفعل السياسي أنه من الصعب في لحظة فاصلة أن يتم خلق توافق بين أبناء الوطن نحو الرؤية السياسية والقضايا المشتركة، حتى لو كانت في جانب غير مهم. لأن الحس واللياقة المدنية مفقودة، فلا توجد مؤسسات مدنية يتم فيها صقل أدوات العمل الوطني والاهتمام بالشأن العام، ولا أدوات الحوار والعمل المشترك وبناء الثقة بين الشركاء. لهذا لدينا تجارب حاضرة في المشهد العربي، عندما انهار نظام الاستبداد في العراق وليبيا انهارت معه مؤسسات الدولة بحث أنه لا توجد قواعد مدنية تستطيع أن تسد الفجوة الراهنة.
في حين أن الدولة المدنية، عندما تحدث مشكلة سياسية في أعلى هرم السلطة لا تتأثر القاعدة العامة للمجتمع، فالدولة ليست مبنية على الهيمنة والسيطرة على المال والأعمال والاقتصاد وكل جوانب الحياة. ويحدث هذا باستمرار في أوروبا عندما تعصف العواصف السياسية حول رئيس الوزراء تستمر الحياة العامة ولا تتعطل مرافق الدولة ولا المجتمع ولا يحدث هنا استنفار أمني. في حين أن الدولة المستبدة هي مهنية على جل جوانب الحياة حتى أخبار إشاعة وفاة الملك تخلق أزمة داخل الوطن فضلاً عن تبعاتها الاقتصادية.
العمل المدني يبدأ صغير ومتواضعاً ثم يتعاهد الأحرار والشرفاء على الاستمرار والعمل لبناء مجتمع يقوم على الثقة والعمل والعطاء، بعيداً عن أنانية السياسي وبطشه. كان الإصلاحيين الشرفاء من أمثال المرحوم أبو بلال عبد الله الحامد قد فهموا أن العمل المدني هو أساس المواطنة التي تقوم على المشاركة المجتمعية والسياسية. ونحن في مجتمعنا يتوق الناس لخدمة المجال العام بعيداً عن وصاية السياسي وتسيسه، وكما قال أبو بلال “النهر يحفر مجراه”. لهذا لا مناص من عمل مدني مستمر رغم أن الطاغية.