ثمة مصالح متباينة وراء مشاركة السعودية والإمارات في الحرب على الحوثيين في اليمن، مع محاولتهما الظهور كقوتين متحالفتين، إلا أن الأحداث الأخيرة التي شهدها اليمن ومنطقة الخليج شهدت تناقضاً كبيراً يظهر مدى الخلاف بين البلدين.

الخلافات لم تكن وليدة اللحظة؛ بل بدأت خلال العامين الأخيرين، وكان أبرز ما فجرها مؤخراً إعلان أبوظبي انسحاباً جزئياً لقواتها من اليمن، وهو ما أجج الخلافات الداخلية بينهما، بعدما شعرت الرياض بأن الإمارات تنوي ترك المملكة وحيدة في ساحة المعركة، وتواجه الانتقادات الدولية للانتهاكات الكبيرة بحق المدنيين هناك.

ولم تتوقف الخلافات عند ذلك الحد، بل وصلت إلى حد دفاع الإمارات عن الحوثيين وإيران، ومهاجمة الجهات الرسمية في المملكة، واتهامها بالتسرع في اتخاذ قراراتها.

الابتعاد التدريجي

مؤخراً بدأت الإمارات محاولة الابتعاد تدريجياً عن السياسات السعودية فيما يتعلق بالحرب في اليمن أو التهديدات الإيرانية، بعد هجمات على ناقلات نفط قرب ميناء الفجيرة الإماراتي، في مايو الماضي، والتي اتهم مسؤولون أمريكيون حينها الحرس الثوري الإيراني بالمسؤولية عنها، وهو ذات الموقف السعودي الرسمي، خلافاً للموقف الإماراتي الذي رفض الإشارة إلى مسؤولية إيران.

وشكل الموقف من حرب اليمن عامل توتر آخر بين البلدين؛ إذ كانا شريكين في الحرب على هذا البلد، منذ بدايتها عام 2015، لكن الإمارات بدأت تنسحب بشكل تدريجي من هذه الحرب، وذلك انطلاقاً من سياستها البراغماتية الحذرة.

وسبق أن قالت مصادر إن انسحاب الإمارات العربية المتحدة من اليمن دون ترتيب مع المملكة العربية السعودية أغضب السعوديين وفاقم الخلاف بين البلدين، واعتبروا ذلك القرار طعنة من أبوظبي في ظهر الرياض.

ورغم ما بين البلدين من تحالف استراتيجي يوصف بالعميق، فإنه في الآونة الأخيرة بدا أن كلاً منهما يتخذ أسلوباً مغايراً للآخر فيما يتعلق باستخدام نفوذه وسلطاته، وهو ما اتضح مع تركيز الإمارات على دعم قوات مسلحة للسيطرة على جنوب اليمن، وفرض واقع جديد بعيد عن السعودية، التي وجدت نفسها مهاجمة من الجميع.

الإمارت تصف السعودية بـ”المذعورة”

في 21 أغسطس الجاري، سرب موقع بريطاني تقريراً رسمياً لدولة الإمارات ينتقد رد السعودية على هجوم طائرات الحوثيين المسيرة، في إشارة جديدة على حجم الخلافات الحاصلة بين أبوظبي والرياض.

وذكر موقع “ميدل إيست آي” أنه اطلع على وثيقة أعدتها المخابرات الإماراتية تنتقد فيها ردة فعل السعودية على الهجمات التي استهدفت ناقلات النفط في منطقة الخليج.

وتعتبر الوثيقة الإماراتية أن الإعلام السعودي كان متسرعاً في الإشارة بأصابع الاتهام إلى الحوثيين، وهو ما اعتبر “دليلاً على عدم حرفية هذا الإعلام”، كما اتهمت الإمارات في الوقت ذاته وزير الطاقة السعودي، خالد الفالح، بأنه الذي قدم تفاصيل ووصفاً للهجمات إلى الإعلام.

وجاء في الوثيقة: إن “الرد كان متسرعاً، وشابه الذعر مقارنة مع الرد الإماراتي على هجمات الفجيرة، في 12 مايو”.

وكشف التقرير أن وزير الخارجية الإماراتي لم يشر بأصابع الاتهام لأي طرف ولا إلى إيران كمسؤولة عن الهجمات، ولا يزال الموقف هو ذاته حتى اليوم.

ويقول الموقع البريطاني إن هذا هو بروتوكول تتبناه الإمارات في أوقات “الهجمات الخطيرة”، الأمر الذي ظهر في نفي مسؤولين إماراتيين لوقوع هجوم حوثي على مطار أبوظبي، في يوليو الماضي.

أبوظبي تفضح الرياض

التقرير الإماراتي كشف عن شن الحوثيين 155 هجوماً بالطائرات المسيرة، في الفترة ما بين يناير ومايو من عام 2019، على السعودية والخليج بشكل عام، وهو عدد أكبر مما كشف عنه في الماضي.

كما هاجمت الإمارات ما أسمتها بـ”الدفاعات السعودية الضعيفة (الباتريوت) أمام الطائرات المسيرة التي يطلقها الحوثيون على العمق السعودي”، ويضيف التقرير: “كما أن الهجوم على قاعدة لحج العسكرية باليمن يظهر ضعف الدفاعات الجوية السعودية وغياب القدرة لديها في مجال الحروب الإلكترونية، إن أخذنا بعين الاعتبار بساطة وبدائية هذه الطائرات المسيرة التي لم تطلق من مدرج”.

وتحدث التقرير عن شن السعودية هجوماً على مغاور في الجبال اليمنية، حيث يتم الاحتفاظ بهذه الطائرات، ولكنها فشلت في تدميرها.

ويقول التقرير الإماراتي إن نجاح الحوثيين في استخدام الطائرات المسيرة لأغراض قتالية “أثر في معنويات الجنود السعوديين على الحدود الجنوبية، كما أظهر الحوثيون قدراتهم عندما استهدفوا حقلاً نفطياً قرب الحدود، في أغسطس الجاري”.

طعنة إماراتية من وسط طهران

في 31 يوليو الماضي، كشفت الحكومة الإيرانية عن وجود خلافات بين الإمارات والسعودية في اليمن، عقب اجتماعات عقدها مسؤولون إيرانيون مع وفد إماراتي زار طهران.

وقال محمود واعظي، مدير مكتب الرئيس الإيراني، إن لدى الإمارات رغبة في التواصل بهدف حفظ أمن الخليج ومضيق هرمز.

وأشار إلى أن أبوظبي تحاول التمايز عن الرياض وتتخذ موقفاً مختلفاً بشأن اليمن.

وحول زيارة الوفد الإماراتي والغرض منها، قال إن الإمارات تحاول إعادة النظر بموقفها من اليمن وتغيير نشر قواتها هناك، متحدثاً عن وجود خلاف كبير في وجهات نظر أبوظبي مع الرياض حول القضية اليمنية.

ولاقت تلك الزيارة هجوماً كبيراً ضد الإمارات، التي اعتبرها كثير من الناشطين السعوديين طعنة جديدة في ظهر بلادهم.

عمق الخلافات وسطحية العلاقات

وتحاول الإمارات تصدّر المشهد و”التربع على عرش الشرق الأوسط”، على الرغم من الخلافات مع السعودية، التي تسيطر على نحو 70% من شبه الجزيرة العربية.

وبالعودة إلى الوراء، فإن التنافس بين أبوظبي والرياض ليس سراً ولا حديثاً؛ فمع تزايد نفوذ الإمارات عسكرياً ومالياً، باتت تبحث عن مكانة خاصة، لكن كان عليها أولاً التخلص مما تراه خطراً في الإسلاميين.

وليس بدءاً من جارتها الرياض، شنت أبوظبي -بتخطيط ولي عهدها- حرباً على الإسلام السياسي، خاصة مع صعوده في أعقاب الثورات العربية، وكان عرّاب “الثورات المضادة” عبر تصدير حلفائه في مصر وليبيا وتونس.

وأخيراً وضع بن زايد محمدَ بن سلمان في جيبه؛ ليطمئن على مستقبل ملكه القادم في حكم الإمارات، والتي يسيطر على زمام الأمور فيها بطريقة غير مباشرة، فبدأ يحرك ولي عهد السعودية ضد الإسلاميين ويحرّضه عليهم.

ويبدو أن ولي عهد أبوظبي نجح في اختيار الشخصية السعودية التي تحقق له ما يصبو إليه؛ فبسرعة استجاب بن سلمان لرغبات بن زايد، وشن حملة اعتقالات واسعة ضد العلماء ورجال الدين وبعض التيارات الإسلامية.

وأصبح ابنا زايد وسلمان صديقين بعد عداوة بين بلاد أجدادهما؛ فالأول حمى نفسه من صعود الإسلاميين، والثاني حقق رغبته في السلطة ونزعة قيادة المملكة التي تأثرت سلباً بسبب انتهاكاته، إلا أنها علاقة سطحية تشوبها الكثير من الخلافات العميقة؛ التي يحاول الطرفين إخفاءها.