MBS metoo

“الابن المدلل للملك” كيف حوّل حالة حقوق الإنسان في السعودية إلى “جحيم”؟!

منذ مجيء محمد بن سلمان عام 2015، ووصوله لمنصب ولي العهد (2017) قام الابن المفضل لوالده الملك، بتحويل سجل المملكة العربية السعودية السيء إلى أبشع السجلات في عهد المملكة خلال العقد الماضي.

ويحاول “ابن سلمان” فرض الانفتاح غير المسؤول على السعوديين، لتحسين صورته في الغرب فيما يذيق الشعب السعودي ويلات القمع والسجون السرية والتعذيب وصولاً للقتل واستخدام المناشير لمواجهة المنتقدين مهما كان الانتقاد بسيطاً.

القمع في المملكة يشمل الجميع “مثقفين، ناشطين مدونين، خبراء اقتصاد وسياسة، دعاة وعلماء، محامين، معلمين، صحافيين، وأكاديميين”. حتى الذين يمارسون صحافة المواطن يتعرضون لويلات من الاستهداف الممنهج الذي يلغيّ حق المواطن السعودي في حقوقه كإنسان في التعبير والرأي.

ولمواجهة الانتقادات والغضب المحلي والدولي من “السجل البشع” في حقوق الإنسان الذي تدهور مع وصول “ابن سلمان” لمنصب ولي العهد، تنفق الدولة مئات الملايين من الدولارات على حملات العلاقات العامة في الغرب، وتنفق الملايين في الإعلام الرسمي والخارجي لتحسين سمعة ولي العهد وتغطية الفوضى التي يرتكبها ب”ترفيه” يسيء للسعوديين والمقيميين. فبدلاً من إنفاق كل ذلك يفترض بالسلطات وضع حد لتهوّر ولي العهد والإفراج عن كل المعتقلين والسماح بحرية الرأي والتعبير ومنح السعوديين حقوقهم في المشاركة السياسية ومراقبة المال العام.

 

قمع كل الأصوات المعارضة

تشن السلطات حملة قمع سيئة تستهدف كل الأصوات المعارضة والمنتقدة في البلاد مهما كان الانتقاد بسيطاً، ولأجل ذلك تفرض مراقبة عظيمة وواسعة للغاية على شبكات التواصل الاجتماعي لمطاردتهم ووضعهم في القوائم السوداء.

وظل تويتر الساحة الوحيدة الباقية ليتحدث المواطنون بحرية عن أوضاعهم- رغم التشديد والمراقبة. لكن منذ 2017 زادت المخاوف، إذ تفرض السلطات مراقبة كبيرة على الموقع الالكترونية وتتصيّد المدونين الذين ينتقدون “المملكة” وخصوصاً ولي العهد السعودي.

وتم حشد عملاء ومخترقين أو ما يسمون ب”الذباب” لمضايقة نقاد المملكة على موقع تويتر، وكان مهندس تلك الحملة هو سعود القحطاني، مستشار “ابن سلمان” وهما متهمان رئيسيان في القتل الوحشي لجمال خاشقجي في قنصلية المملكة بإسطنبول (أكتوبر/تشرين الأول2018).

ويقوم هؤلاء الذين عددهم بالمئات بتمشيط تويتر بحثاً عن محادثات حول الموضوعات التي يجري الحديث عنها، وينشرون رسائل من الحسابات المتعددة التي يديرونها. ويقومون بثلاثة أمور: تهديد الذين يشاركون في تلك الموضوعات بإرسال رسائل تهددهم وعائلاتهم، والنشر في الهاشتاقات ضد الموضوع والحديث عن الولاء للسلطة، ومراقبة النشطاء على الموقع وتسجيل تدويناتهم وبعثها للأجهزة الأمنية من أجل اعتقالكم.

وتم اعتقال المئات وربما الآلاف من السعوديين شاركوا في حملات انتقاد عادية للوضع والمطالبة بالوظائف بعد وعود قطعها “ابن سلمان” بتجفيف البطالة في البلاد لكن على العكس من ذلك زادت البطالة بشكل أكبر.

من بين هؤلاء المدونين الداعية البارز سلمان العودة، الذي اعتقل ضمن حملة استهدفت أكثر من 20 صحافياً وداعية من البارزين، وتهمته أنه كتب تغريدة رحّب فيها بطريقة غير مباشرة بإمكانية التوصل إلى حل للأزمة مع قطر. أما عصام الزامل خبير الاقتصاد البارز فقد جرى اعتقاله بسبب انتقاده لطرح أرامكو. إضافة إلى العشرات مثل “الشيخ الدكتور عوض القرني”، والدكتور ناصر العمر والدكتور علي العمري وغيرهم. وتم نقلهم إلى سجون سرية تابعة للديوان الملكي تعرضوا فيها لأبشع أنواع التعذيب.

ليس تويتر التهمة الوحيدة ففي يناير/كانون الثاني2018، حكم على محمد العتيبي وعبد الله العطاوي بالسجن لمدة 14 و7 سنوات على التوالي، بسبب أساسي ألا وهو تأسيس جمعية لحقوق الإنسان. وبعد شهر من ذلك، حكمت المحكمة الجنائية المتخصصة على المدافعيْن البارزين عن حقوق الإنسان عصام كوشك وعيسى النخيفي بالسجن لمدة 4 و6 سنوات على التوالي، لقيامهما فقط بأنشطتهما السلمية في مجال حقوق الإنسان.

ترافقت موجات الاعتقال والأحكام السياسية غالبا مع حملات تشهير بحق المعتقلين في الإعلام المحلي التابع للحكومة، واتهامهم باتهامات مشينة ومحاولة تشويه صورتهم الناصعة أمام السعوديين.

أما من تمكن من الفرار إلى الخارج فقد استهدفت السلطات أقارب هؤلاء المعارضين والنشطاء السعوديين البارزين وفرضت عليهم حظر سفر تعسفي. وقال عمر عبد العزيز، وهو معارض سعودي مقيم في كندا، إن السلطات السعودية اعتقلت أخويه في أغسطس/آب 2018 لتُسكت نشاطه على الانترنت.

 

حالات التعذيب واعتقال النساء

إن اعتقال المواطنين السعوديين لانتقادهم السلمي لسياسات السلطة أو انتقاد أفعال ولي العهد، أو مناصرة الحقوق ليس جديدا في السعودية. لكن العدد الهائل والطيف الواسع للمستهدفين خلال فترة زمنية قصيرة، فضلا عن الممارسات القمعية والتعذيب المشين التي ظهرت بعد موجات اعتقال 2017 يجعل من “ابن سلمان” الدكتاتور الأشد ظلماً منذ أكثر من عَقد.

وحسب منظمات حقوقية فإن السلطات السعودية تقوم بإيداع المعتقلين الذين تنوي تعذيبهم لإجبارهم على الإدلاء باعترافات، في “شقق مفروشة” أو مجمّعات سكنية تابعة لرئاسة أمن الدولة، تنتشر في طول البلاد وعرضها وتتبع رأساً “ولي العهد” ومستشاره سعود القحطاني. وأدلى بعض المعتقلين بشهادات لأهاليهم، تؤكد أنهم احتُجزوا لفترات طويلة داخل السجون السرية، كان من أبرزهم الطبيب الأميركي السعودي وليد فتيحي، والناشطة لجين الهذلول.

وقالت علياء الهذلول، في مقالة كتبتها في صحيفة “نيويورك تايمز”، إن شقيقتها لُجين (التي اعتقلت عام 2018) تعرضت للتهديد بالاغتصاب والقتل وإلقاء جثتها في الصرف الصحي من قبل سعود القحطاني داخل السجن السري. وبعد انكشاف ذلك قامت السلطات بنقل لجين الهذلول لاحقاً إلى سجن ذهبان، وأعطتها رقماً وملفاً تعريفياً كسجينة رسمية، ثم نقلتها بعد ذلك إلى سجن الحائر في الرياض وسجنيّ “ذهبان والحائر” سيئا السمعة ومعروفان بالتعذيب.

ويعد الشيخ سلمان الدويش أبرز المختفين قسرياً في البلاد حتى الآن (اعتقل في 2016)، وسط شكوك حول تعرضه للقتل بعد سلسلة من عمليات التعذيب على يد الأمنيين التابعين لولي العهد. وكان الدويش، قد اعتُقل في إبريل/نيسان العام 2016 عقب سلسلة تغريدات ألمح فيها تلميحاً فقط إلى الملك سلمان بن عبد العزيز ونجله، محذراً إياه من منح الثقة لابنه محمد، ووصفه ب”المراهق المدلل”.  وتقول التغريدة “لا تفرط في منح ابنك المراهق المدلل مزيدا من الثقة والصلاحيات دون مراقبة ومحاسبة، وإلا فانتظر كل يوم فاجعة تأتيك منه حتى تهدم بيتك”.

 

القمع لن يستثني أحد

يُقدم “ابن سلمان” نفسه بوحشية مفرطة متجاوزاً كل الخطوط الحمر بمن فيهم شيوخ القبائل، وفي شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي جرى اعتقال شيخ قبيلة عتيبة الشيخ فيصل بن سلطان بن حميد، الذي يُعد واحداً من أبرز شيوخ قبيلة عتيبة البارزة والمعروفة.

وقال حساب معتقلي الرأي -الذي ينشر الانتهاكات في السعودية- إن شيخ القبيلة اُحتجز في العزل الانفرادي منذ لحظة اعتقاله.ومنعت السلطات عن الشيخ فيصل جميع الاتصالات بعائلته.

ودعا محمد العتيبي أحد أفراد الأسرة، في تغريدة على تويتر، أبناءَ عمومته إلى التضامن مع الشيخ فيصل رمز القبيلة وممثلها على خلفية اعتقاله وتعرضه للإهانة.

وجاء اعتقال الشيخ فيصل على خلفية تغريدات منتقدة لهيئة الترفيه التي يرأسها تركي آل الشيخ، والتي حملت انتقادات لاذعة ووصفت الفعاليات الأخيرة في الرياض بأنها “غير مقبولة” ويجب أن “لا تمس جوهر الدين”. وهو رأي معظم علماء الدين في المملكة ورأي معظم المواطنين ورجال القبائل.

وكان الشيخ فيصل اعتقل في آب/أغسطس2018، بعد انتقاده للظروف المعيشية والفقر، وقد أفرج عنه بعد فترة قصيرة، وقد نشرت حينها المباحث السعودية من حسابه تغريدة تنفي الخبر.

 

خاتمة

تحتاج السعودية إلى مراجعة سجل حقوق الإنسان، والسماح بحرية الرأي والتعبير وتمثل المواطنين في المشاركة السياسية، فأساليب العصور الوسطى التي يستخدمها “ابن سلمان” ضد من يعارضه لا تزيد الشعب السعودي إلا تشبثاً بحقوقهم ومطالبهم، ومن يتعرضون للانتهاكات اليوم هم رموز الدولة وفخرها في المستقبل وعلى كُتب التاريخ.

Exit mobile version